تتجه الأنظار صوب مجلس الدولة، غداً الإثنين ، حيث تعقد المحكمة الإدارية العليا جلستها للنطق بكلمة الفصل ، في نظر طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان التوقيع على إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر و السعودية ، و المعروفة إعلامياً ب"إتفاقية تيران و صنافير" . حٌكمُ ينتظره الجميع ليكن ستاراً يُسدل على سلسلة من جلسات طوال إستمرت لساعات و ساعات ، وأن يكون تتويجاً و ختاماً لسجال قانوني مٌحتدم بين طرفين لم يدخرا مستنداً في جعبتهما الا وقدموه لإثبات سلامة موقفهم في قضية دقيقة أسالت وستسيل كثيراً من الحبر . وثيقة من هنا ترفع للمحكمة ، يتحمس مٌقدمها وهو يؤكد أن حروفها تنطق بأن الجزيرتين سعوديتان الهوى والهوية ، ليرد الطرف الآخر بخريطة يٌقسم بأن من بين ثناياها تتجسد حقيقة بأن "تيران وصنافير" لم تكونا يوماً سوى مصريتين وأنهما ستظلا كذلك حتى آبد الدهر و حتى يرث الله الأرض و من عليها. هكذا دارت جلسات نظر الطعن ، والتي بدأت في الثامن من أكتوبر من العام الماضي لينتهي المطاف بها عند الجلسة الخامسة وكانت بتاريخ التاسع عشر من ديسمبر للعام ذاته ، والتي حجزت فيها المحكمة الجلسة للحكم بجلسة الغد . نستعيد خلال هذا التقرير أهم ما إستند عليه المدافعون عن مصرية الجزيرتين في برهنة صحة نسبها للوطن ،وهو الطرح الذي أيده تقرير هيئة المفوضين الإستشاري للمحكمة ، ونسرد كذلك أهم ما قدمه الممثل القانوني عن الحكومة للتأكيد أن ما قامت به لم يكن سوى إرجاع الحق لصاحبه ، إضافة لسيناريوهات حكم الغد و الآثر القانوني المترتب: بداية سردنا سيكون من مستندات الجهة الطاعنة، وهي هيئة قضايا الدولة ممثلة عن الحكومة ، برز منها أربعة خرائط أطلس، يعود تاريخها إلى عهد الملك فؤاد عام 1928، وتم إعدادها من رئيس الجمعية الجغرافية المصرية وقتها، والتى تشير إلى تبعية جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية. وقدمت الحكومة كذلك، عددا من الرسائل التى تعود تاريخها إلى عام 1950، بين وزير الحربية المصري والخارجية السعودي أنذاك، فضلًا عن كتاب "السمات العامة للبحر الأحمر"، المقدم من الهيئة العامة للوثائق والكتب والذي يثبت وقوع الجزيرتين في السعودية. وشملت المستندات خطاب المملكة السعودية عام 1957 المقدمة للاجتماع الدوري للأمم المتحدة، ويذكر البند رقم 6 فيه بأن الجزيرتين سعوديتين، وهو الأمر الذى أكد عليه كذلك البند رقم 7 من ذات الخطاب، والذى انتهى إلى أن خليج العقبة لا يمكن اعتباره ممرًا دوليًا. واتساقًا مع السابق، قدمت هيئة قضايا الدولة، عدة مستندات بينها وثيقة مودعة بالأرشيف البريطاني حول اجتماع مجلس الأمن في مايو 1967، تطرق فيه ممثل الجمهورية العربية المتحدة إلى وضع الخليج، وأن البند رقم 101 يتم فيه الإطلاع على قرار الحماية على الجزيرتين، ووثيقة موجهة للمملكة البريطانية عام 1938، وفيها تطالب السعودية بضم الجزيرتين للمملكة العربية السعودية . يٌضاف الى ذلك وثيقة أخرى مودعة بالأرشيف البريطاني تتضمن رد حول طلب التحقق من أن المملكة السعودية تنازلت على الجزيرتين لمصر، فيما لم يعط الجانب البريطاني ردًا واضحًا، فيما قالت السعودية أن هناك تفاهمًا حول وضع يد الجانب المصري على الجزيرتين. يأتي هذا إلى جانب وثيقة أخرى تخص رد حسين سري باشا، رئيس وزراء مصر الأسبق، تقول إن الجزيرتين تقعان على الجانب السعودي، ليتقدم بوثيقة أخرى من الأرشيف البريطاني، شملت معلومات مبدئية عن جزيرتي تيران وصنافير، وتضمنت الفرمان العثماني بتاريخ الثامن من أبريل عام 1892، والتى تشير إلى أن الخرائط القديمة والحديثة تبرهن على أن الجزيرتين تابعتين للسعودية. على الجانب الآخر ، كان المدافعون عن مصرية الجزيرتين مستعدين لتقديم الوثيقة في مواجهة الوثيقة، وبرز من بين البراهين التي تقدموا بها تأكيدهم أن تسمية "صنافير" تعود للملك الفرعوني سنفرو ، والد الملك خوفو ، فضلاً عن إستنادهم على أطلس السعودية والصادر من دار الوثائق السعودية والتي تشير بوضوح لعدم دخول الجزيرتين لحيز الدولة السعودية. وشدد فريق المدافعين إلى أن الحكومة المصرية في عام 2010، اعترضت على المرسوم الملكي السعودية المٌرسل للأمم المتحدة ، وتضمن أن الجزيرتين سعوديتين، مشيرا إلى رد الحكومة حينها قائلة: "إنه موضوع محل خلاف ولا يمكن الحديث عنه"، وهو الطرح الذي إستعان فيه فريق المحامين بمساعدين سابقين لوزارة الخارجية وهما معصوم مرزوق و عبد الله الأشعل . وبرز كذلك تأكيد الفريق أن مصر مارست أعمال السيادة على الجزيرتين ومنها إنشاء نقطة شرطة، و إعمال قانون منح الجنسية ، كما قدم الدفاع عدداً من الوثائق التي تؤيد طرحه ومنها وثائق من الأرشيف البريطاني لطلب الوالي العثماني سحب القوات المصرية من الجزيرتين في عام 1906 ، وأشار فريق الدفاع في هذا الصدد لما يرونه إستغلالاً سعودياً لحالة مصر عقب العدوان الثلاثي ، موضحين أن السعودية لم تدع ملكيتها للأرض الا بعد العدوان الثلاثي . "لا مجال للشك حول سيادة مصر على جزيرتى تيران وصنافير، فقد بذلت من الدماء وخاضت من الحروب فى سبيلها ما يبرهن على ذلك"، كانت هذه هى العبارة الأبرز من بين حلقاتٍ مترابطة، شكلت المعالم الرئيسية للتقرير الإستشاري الذى أصدرته هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية العليا، والذى أوصى برفض الطعن المقام من الحكومة لبطلان حكم محكمة القضاء الإدارى، وتأييد الحكم الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية. وأشار التقرير إلى انه من خلال مطالعة العديد من الكتب والخرائط ، فقد ثبت سيادة وملكية مصر للجزيرتين ومنها الكتاب الصادر من وزارة المالية سنة 1945 بإسم "مسح لمصر" والمدون به سجلُا بأسماء الاماكن، وذكر به اسم تيران فى الصفحة "46" ، بالإضافة إلى كتاب "أطلس مصر والعالم" الصادر من ادارة المساحة العسكرية بوزارة الدفاع عام 2007 ، والذى تضمن ان جزيرتى تيران وصنافير ضمن حدود الدولة المصرية وتتبعان محافظة جنوبسيناء، ليتابع التقرير أن حكم محكمة القضاء الادارى وما ورد فيه، لا يدع مجالًا للشك على اتجاه الحكومات المصرية المتعاقبة فى ممارسة مظاهر سيادتها على الجزيرتين، بإعتبارها أراضي مصرية خالصة. ليُسهب التقرير قائلًا: بل ان مصر خاضت حروبًا على الجزيرتين وبذلت الدماء فى سبيلها ما يبرهن على تبعية الجزيرتين لها ، فضلًا عن انها وقعت اتفاقية سلام، أفصحت افصاحًا جهيرًا بمصرية الجزيرتين، مما يشكل اعلانًا واضحًا لا لبس فيه عن سيادتها وملكيتها، ويشهد التاريخ ان الجزيرتين قد سبق احتلالهما من قبل اسرائيل فى 1956 و 1967 وحتى تاريخ تحريرهما لم تهب اى دولة للدفاع عن الجزيرتين، ولم يثبت اعتراض المملكة العربية السعودية على ذلك طيلة تلك السنوات . باستطلاع رأى الدكتور شوقى السيد، الفقيه الدستورى، فقد أجاب بشكلٍ قاطع أن الحكم الذى ستصدره غدًا الاثنين المحكمة الإدارية العليا، بشأن طعن هيئة قضايا الدولة على حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، سيصبح باتًا ونهائيًا غير قابل للطعن. وتابع: من الوارد أن يكون الحكم برفض الطعن أو قبوله بإجماع الآراء من قبل دائرة فحص الطعون، ولا يُستبعد من ذلك أن تقضى الدائرة بإحالة الدعوى إلى دائرة الموضوع، مع تحديد جلسةٍ لاحقة لذلك الأمر. وعن مدى وجوب تنفيذ الحكم الصادر من قبل المحكمة الإدارية العليا فى ذلك الصدد، أجاب الفقيه الدستورى بأن الحكم سيكون إلزاميًا واجب النفاذ على الحكومة وكافة سلطات الدولة ، ليشير إلى أن تقرير هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة الإدارية العليا والذى أوصى برفض طعن الحكومة هو رأى استشارى لدى المحكمة قبل الإفصاح عن حكمها بالدعوى.