دعوة صادمة وجهها اللواء عادل عبدالمقصود رئيس حزب الأصالة السلفي بعدم تهنئة الأقباط بأعيادهم لتصب النار علي الزيت الذي لا ينقصه الاشتعال. وقد تسببت تلك الدعوة في حالة من الانقسام بين أعضاء الهيئة العليا للحزب ما بين مؤيد ومعارض. وقد ردت عليها أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية بأنه «يجوز» تهنئة غير المسلمين بأعيادهم . وقالت الفتوي ان هذا الفعل يندرج تحت بند «الإحسان» الذي أمرنا به الله عز وجل مع الناس جميعا دون تفريق. مذكرة بقول الله تعالي: «وقولوا للناس حسنا» وقوله: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم.. إن الله يحب المقسطين». وقبلها وفي أحد البرامج خرج علينا أحد شيوخ السلفيين من رموز حزب النور بأن الأقباط يجب ان يعاملوا معاملة أهل الذمة - وأنه يجب عليهم دفع الجزية.. وأن عليهم ان يكونوا سعداء بذلك.. ولم يقتصر الأمر علي ذلك - بل ان أحد رموز السلفيين أطلق تصريحه الصادم بأن الأقباط كفار.. وان أحدا لن يقنعه بغير ذلك! فهل هذا ما كنا ننتظره بعد الثورة .. تلك الثورة التي وحدت ما بين المسلمين والأقباط في الميدان.. وهم يتلقون رصاصات الأمن معا ويسقطون قتلي وجرحي سوياً من أجل هذا الوطن؟ هل هذا ما كنا ننتظره بعد ان فاجأنا الميدان بمشاهد وحدة وطنية غير مسبوقة - عندما رفع المسلمون والأقباط معاً الهلال مع الصليب، وكان المسلم يحمي القبطي في الميدان أثناء صلاته والعكس أيضا - وهل كانت ثورة يناير هي المكافأة لأهل مصر، بمسلميهم وأقباطهم أم أنها ستتحول إلي نقمة وفتنة في ظل الدعاوي الظلامية من بعض المتشددين.. والذين لم يجدوا غير شركائهم وإخوانهم في الوطن ليمارسوا عليهم إرهابهم الفكري؟ أم هو استعراض من السلفيين لقوتهم بعد ان أبرزت المرحلة الأولي والثانية للانتخابات قوتهم وحصولهم علي ما يقرب من 25٪ من المقاعد النيابية؟ أم هل هو استباق لإعلان آخر بأن مصر هي دولتهم وحدهم.. ولا مكان فيها للآخر - تدعيما لما قاله أحد شيوخهم إن من لا يعجبه حكم الإسلاميين لمصر فليرحل لكندا وأمريكا - وهو لا يقصد سوي الأقباط طبعاً! ولم تقتصر تصريحات السلفيين علي الأقباط وحدهم، بل طالت أيضا الكاتب العالمي الذي تفخر به مصر - نجيب محفوظ - بأن أدبه أدب فاسد وأدب العاهرات والراقصات.. وأضافت تصريحات أخري ان من لا ينتخب السلفيين فهو آثم قلبه وخائن للأمانة.. ينطبق ذلك علي الليبراليين وحتي الإخوان المسلمين!! والواضح ان حرب التصريحات لا تخص الأقباط وحدهم - بل كل من لا ينتمي للتيار السلفي. والواضح في هذا الأمر ان الأسوأ لم يأت بعد! فهل هذا ما يشغلنا الآن.. وهل تم حل كل مشاكلنا ولم يتبقي لنا سوي أمور الجزية وأهل الذمة والتهنئة بالعيد.. في وقت تتراجع فيه السياحة ويزداد عجز الموازنة وينهار الاقتصاد وتغلق المصانع ويتآكل رصيد مصر من العملة الصعبة لدرجة قد تدفعنا لإشهار الإفلاس خلال شهور قليلة؟ لقد وصلنا إلي درجة انه ان لم نقترض المليارات من الخارج فلن نجد ما نأكله. وهذا الآن ليس مبالغة فقد كشف مصدر مسئول بوزارة التعاون الدولي قبل أيام ان صندوق النقد الدولي اعتذر عن عدم زيارة القاهرة للتفاوض حول شروط إقراض مصر ثلاثة مليارات دولار. وأكد ان إلغاء الزيارة كان بسبب تراجع التصنيف الائتماني لاقتصاد مصر مع نظرة مستقبلية سلبية. وان ما يدعم ذلك الأمر هو التراجع الأمني في مصر الذي يهدد الاقتصاد. وكذلك تصريحات بعض السلفيين ضد السياحة والبورصة. والانفلات الأمني والصدامات المستمرة منذ شهور ما بين المتظاهرين والأمن وآخرها أحداث محمد محمود وأمام مجلس الوزراء. وليت الأمر اقتصر علي ذلك - فجميعنا نذكر تصريحات الدول الأوروبية وأمريكا وحتي الدول العربية.. إنها ستمنح مصر وتونس ما يقرب من 35 مليار دولار دعماً للدولتين ولثورتيهما. فما الذي حصلت عليه مصر من هذا المبلغ. إنه ليس أكثر من مليار واحد بعد أن لحست كل الدول وعودها لمصر بسبب الصدامات المستمرة والاضطرابات، في الوقت الذي انهالت فيه المساعدات لتونس بعد استقرارها. وحتي الدول العربية الشقيقة رفعت يدها عن مصر واكتفت بالفرجة وربما الشماتة فيما يجري من أحداث. فكيف وصلنا إلي هذه الدرجة وهل يمكن ان نلوم أحدا غير أنفسنا.. وكيف وصلت الثورة المصرية إلي ما وصلت إليه.. بعد أن كانت الثورة المصرية منارة ومثلاً عالمياً يحتذي في الثورات السلمية.. فكيف تحولت الآن إلي الدموية.. وهل يعقل انه بعد سقوط النظام .. لايزال يسقط الشهداء والمصابون بالمئات؟ وهل نلوم أحدا في هذا الأمر سوي أنفسنا.. إن هذا الوطن بحاجة إلي كلمة سواء.. بحاجة إلي تدخل العقلاء والحكماء، فنحن جميعا في سفينة واحدة.. إما ان ننجو معا.. وإما ان يفرق الجميع دون استثناء. بقلم: مجدي صابر