مستشفى المنيرة العام، هى أحد مستشفيات وزارة الصحة، إذ يستقبل يوميًا 2000 مريض بالعيادات الخارجية. بمجرد أن تكتب اسم المستشفى فى محرك البحث «جوجل» ستجد آلاف القصص والشكاوى حول التعنت مع المرضى، كان أشهرها قضية فتاة التحرير المتحرش بها فى عام 2014، والمريض الذى رفض المستشفى استقباله وساعده صحفيان وحملاه إلى داخل المستشفى بعد رفض المسعفين. المستشفى طبقًا لبوابة التقييم المجتمعى للمستشفيات المصرية حقق 35% من معايير التقييم المجتمعى، وتم تقييم المستشفى بمعرفة فريق على مدار أسبوعين، وتوصل إلى أن الكفاءة العلمية للأطباء «سيئة»، إضافة إلى أن فريق التمريض غير مؤهل، إلى جانب أنه يحتوى على 15 حضانة فقط للأطفال. خوض التجربة صورة قاتمة ومرعبة وتدعوك للتشاؤم حينما تخطو قدماك إلى داخل مستشفى المنيرة العام بحى السيدة زينب، ستفكر ألف مرة قبل أن تدخل من أبوابه، فأحوال المرضى والزحام الشديد يجعلك تتراجع متناسياً الأمراض التى حلت بك، فإما أن تهرب بعيداً مسرعاً، أو تتمالك أعصابك وتدخل إلى المقبرة وبنفس متألمة.. لذلك قررت «الوفد» خوض تجربة الكشف فى مستشفى حكومى. بدأت رحلة الحصول على علاج داخل مستشفى المنيرة العام بالحصول على تذكرة دخول للقسم المختص، حيث إننى أشعر بألم فى الرقبة منذ أيام فكرت أن أذهب لإجراء الفحوصات، ومنها أيضاً توفيرا للنفقات لأن العيادات الخارجية أسعارها نار. أمام مدخل المستشفى فوجئت بطابور مزدحم بالمرضى مقسم إلى صفين، أحدهما للرجال والآخر للنساء، فأخذت دورى فى الصف كالباقين ووقفت أتحدث إلى من وقفوا أمامى وخلفى حتى يأتى دورى، وسألت الرجل المسن الذى كان يقف أمامى فى الصف عن سعر التذكرة؟.. فقال: التذكرة بجنيه.. وسألنى هو أنت أول مرة تيجى هنا؟ ظننت أن السعر الذى أخبرنى به العجوز من قبيل الدعابة.. ولكنى صدمت حينما اقتربت من شباك التذاكر حينها تأكدت أن السعر الذى أخبرنى به هذا المسن حقيقى ولم يكن يخدعنى ودار فى ذهنى سؤال: هل هذه القيمة تكفى للارتقاء بالمنظومة الصحية التى نسعى إلى تطويرها وتجهيز مستشفياتها بأحدث الأجهزة وتقديم خدمة جيدة للمرضى، ولكنى بعد نهاية التجربة تأكدت أن قيمة الكشف كافية بسبب الحالة المتردية التى يعيشها المرضى داخل جدران تلك المستشفى، أمام الشباك أخبرت الموظف بأننى أحتاج إلى كشف بقسم العظام، فأعطانى إيصالا باسمى مدونا عليه قسم العظام، ومختوما بختم المستشفى، وما أن حصلت على الإيصال وخرجت من طابور المرضى حمدت الله أننى ابتعدت عن الزحام والطوابير. داخل العيادة فرحتى لم تدم طويلاً حتى توجهت إلى قسم العظام.. فكانت حجرة الكشف فى مدخل ممر طويل بداخله عيادة للأسنان وعيادة للأطفال وقسم الأشعة بالموجات فوق الصوتية وأخرى مغلقة طوال فترة وجودى بالمستشفى وهى تخص الأمراض النفسية. كان الممر أكبر مثال للفوضى داخل المستشفيات، إذ فوجئت بطابور لمرضى أطول من طابور التذاكر الذى غادرته، والمرضى والمصابون إما مستلقين على المقاعد أو يجلسون بجوار حجرة الكشف التى كان بابها مفتوحاً ينظر المرضى من الخارج على المريض أثناء الكشف، فى انتظار أن تنادى عليهم الممرضة من داخل حجرة الكشف لتأخذ الإيصالات من المرضى لتدون أسماءهم فى دفتر كبير. تقدمت إليها داخل حجرة وأعطيتها الإيصال وقالت لى: «استنى بره وهنادى على اسمك».. وقفت أنتظر وأحدق إلى المرضى وإلى الحالة التى تعيشها المستشفيات الحكومية رغم كل الحملات التى تنشرها الصحف يومياً. ظللت طوال ساعة أتجول داخل المستشفى حتى يأتى دورى فى الكشف وأوجه المرضى ما بين بكاء وخوف وحسرة، ففى قسم الأنف والأذن وقفت أنظر داخل حجرة الكشف، فهى أيضاً تفتح أبوابها أمام المرضى، وقفت أنظر للمرضى وأسمع قصصهم المؤلمة التى لا تنتهى. «أم عاصم» ربة منزل، جاءت لتوقع الكشف على أذن ابنها الصغير وظلت تبكى لاستعطاف الممرضات حتى يسمحوا لها بالدخول مبكراً لتجرى الفحص على أذن ابنها، وبعد ثوانٍ معدودة خرجت من الكشف ليخبرها الطبيب أن أذن الطفل تحتاج إلى غسيل من الشمع المتراكم بداخلها، ليبدأ الفحص، والمحزن أنها كانت تصرخ لأن ميعاد غسيل الأذن يوم الخميس القادم، بينما الكشف يوم السبت.. أى أنها ستظل حائرة بابنها الصغير طوال 5 أيام. حالة أخرى هى «زينب» حينما أخبرها الطبيب بأن الدواء غير متوافر، وظلت تردد: «يعني إيه العلاج المهم مش موجود؟.. وابنى المريض أروح بيه فين عاوزه حد يساعدنى؟». أمام عيادة الأمراض الباطنة تبدو الأوضاع وكأننا فى العصور الوسطى، فالمرضى يتم الكشف عليهم وهم وقوف دون استثناء، خصوصاً أن أمراض الباطنة تحتاج إلى سرير ينام عليه المريض ليتفحصه الطبيب، ولكن ما رأيته أن نساء طاعنات فى السن يقفن على أقدامهن بصعوبة والطبيبة توقع الكشف عليهن وهن واقفات. داخل وحدة الغسيل الكلوى جلست إلى جوار أحد المرضى الذى ظهر عليه التعب، كانت شكواه من التحاليل الطبية التى دائماً ما تخرج خاطئة، ويضطر أن يذهب إلى المعامل الخاصة ليحصل على نتائج سليمة. اتجهت مسرعاً إلى قسم العظام وبعد ثوانٍ معدودة نادت الممرضة على اسمى ومعى عدد من المرضى لندخل جميعاً دفعة واحدة! وقفت أنا وآخرون والطبيب متكئ على كرسيه وظل يتحدث أمامى فى الهاتف وما أن أنهى مكالمته، ونظر إلى وسألنى عما أشكو منه، حتى أخبرته أننى أعانى ألمًا فى الرقبة، ولكنه لم يعطنى فرصة لأكمل باقى شكاواى من الألم، حتى كتب الأدوية سريعاً وقال لى: «بالشفاء إن شاء الله» وأنهيت الكشف فى نصف دقيقة. أثناء الخروج من حجرة الكشف أخبرتنى الممرضة بأن أذهب للصيدلية الخاصة بالمستشفى لأحصل على العلاج المجانى، وأخبرت رجلا مسنا كان يجلس على كرسى متحرك بجوار غرفة الكشف أن ينتظر حتى يأمر الطبيب بدخوله. الغريب أن جميع الأطباء المتواجدين داخل العيادات حديثي التخرج ولا يوجد بجوارهم طبيب استشارى متخصص ذو خبرة، وهو ما تحتاجه حالات رأيتها بعينى تحتاج إلى طبيب ذي خبرة كبيرة، حيث كان فى الانتظار شاب فى سن العشرين يسير على عكازين وساقه اليمنى مكسورة. اتجهت إلى صيدلية المستشفى وصرفت لى المسئولة دواء مسكنًا للألم وأنبوبة مرهم، غالباً ما تصرف لجميع مرضى العظام وأخبرتنى أن هناك دواء غير متوفر وينبغى أن أشتريه من الصيدلية الخارجية من جيبى الخاص. بعد الانتهاء من جولتى داخل المستشفى أستوقفت أحد الأطباء وسألته عن سبب المعاناة التى يراها المرضى فأجابنى قائلاً: «المستشفى يعانى بالفعل من نقص فى عدد من أدوية الطوارئ، والمستلزمات الطبية المهمة، من بين تلك النواقص فلاتر أجهزة الغسيل الكلوى، وبعض الأدوية الخاصة بمرضى السكر». المعاناة التى عشتها فى المستشفى لم تكن لى وحدى بل هناك المئات والآلاف يعيشونها يومياً، فكل مواطن يدخل إلى مستشفى المنيرة العام يرى نفس المعاناة التى قد تصل إلى حد الموت.