رجل الشارع هو الأصدق فى الحكم على إمكانية نجاح أو إخفاق دعوات مقاطعة السلع المبالغ فى أسعارها، التى أطلقها عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك مؤخراً، تحت عنوان «يوم من غير شراء» فى مطلع ديسمبر المقبل، للحد من كابوس توحش الأسعار، وتقليل حلقات التداول بين التجار والمستهلكين، ومنع الاحتكار، ومكافحة ظاهرة الجوع المستمرة فى الارتفاع. فقد أطلقت حملات ودعوات كثيرة على مواقع التسوق الإلكترونى منها الدعوة إلى تخفيضات كبيرة تصل ل70% على 10 آلاف سلعة غذائية واستهلاكية، وأخرى تطالب بوقف الشراء لمدة محدودة، فى ضوء تأكيدات «حماية المستهلك» بدعم هذه الحملات الوطنية، لتوفير السلع لعامة المواطنين بأسعار معقولة، بما يحقق العدالة الاجتماعية، وتخفيف العبء عن كاهل محدودى ومتوسطى الدخل. «مش هنشترى سلع تخرب بيوتنا.. لازم نصبر.. هنعيش بكرامتنا.. ومش هنركع لمافيا المستوردين والمحتكرين».. بتلك الكلمات علق رجل الشارع المصرى على الحملة التى لاقت استجابة لدى قطاعات كبيرة من المواطنين – كما رأيناها الآن – نظراً لعدم قدرتهم على الشراء، فى ظل موجات اشتعال الأسعار التى فاقت كل التوقعات والتى لا تقابلها زيادة فى الرواتب والأجور، وغياب الرقابة على الأسواق. فقراء مع المقاطعة «الوفد» تجولت فى الشوارع لنقل نبض المواطنين الذين عبروا عن معاناتهم المستمرة، من الزيادات الملحوظة فى أسعار كافة السلع الأساسية، وتفاقم مشكلاتهم اليومية.. فماذا قالوا؟ معاش بملاليم «أم شكرى» سيدة تجاوزت ال60 وهى أم ل«3 فتيات وشابين»، التقيناها فى منطقة الدقى، فقالت: أرحب بحملات مقاطعة الشراء، لكونها أنسب الحلول للوضع الحالى، فى ظل غياب الرقابة على شراء السلع الغذائية، وأصبحنا غير قادرين على شرائها، وبحسبة بسيطة نجد أن كيلو اللحم البلدى وصل إلى 110 جنيهات.. وبالتالى فإن وجبة مكونة من أرز وخضار ولحمة ستتكلف 170 جنيهاً.. فماذا نفعل؟.. فكنا نعتمد فى غذائنا على البقوليات بدلاً من اللحوم، لكن الآن سنمتنع عن الشراء بشكل كامل، لمحاربة استغلال وجشع المحتكرين، لأن خسارتهم هى الهدف من حملة المقاطعة، وأنا ربة منزل، وزوجى فارق الحياة عام 1992، تاركاً لى 5 أبناء فى سن الزواج، وأتقاضى معاشاً لا يتعدى 500 جنيه، وأسكن فى شقة إيجارها 110 جنيهات، بخلاف متطلبات الحياة الصعبة.. فمن أين سنشترى؟ معاناة مستمرة فاطمة وشهرتها «فاطمة شطارة»، طالبة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، تقول: نريد من كل بائع للسلعة أو الخدمة أن يتقى الله فى الفقراء، لأن الأسعار مرتفعة جداً بلا داعى، والزيادة طالت كل السلع الأساسية والضرورية بأنواعها، وأصبحت فوق طاقة محدودى ومتوسطى الدخل، بل نعتصم بالجوع، ولن نسمح للتجار باستغلالنا، وأتمنى من الحكومة أن توفر لجميع الأسر المصرية البديل الآمن والسريع وتعاقب الفاسدين. وقال محمد أبوهيف، مدرس: إن مقاطعة الشراء هى الحل فى ظل غلاء المعيشة، وتقليص الدعم عن كافة القطاعات الخدمية من كهرباء وغاز ومياه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار كافة السلع الأساسية.. فأنا أتقاضى راتباً قدره 700 جنيه شهرياً، وهو لا يكفينى أنا وأسرتى المكونة من 5 أفراد، وارتفاع أسعار السلع يلتهم أكثر من نصف راتبى الشهرى، بخلاف مصاريف علاج والدتى مريضة القلب وضغط الدم، والمواطن البسيط لا تزال معاناته مستمرة. وأضافت سوسن أبوالفتح، موظفة، قائلة: نعانى ثورة انحراف فى الأسعار بدرجة كبيرة، فزيادة الأسعار لا يمكن قبولها، خصوصاً فى ظل الأوضاع المعيشية المتردية، والأجور المتدنية لغالبية الفقراء من موظفى الحكومة، الذين لا تكفى رواتبهم إلا أياماً معدودة من الشهر.. وما نريده هو الاستقرار السلعى. جولة «الوفد» «الوفد» تجولت فى بعض الأسواق وأكبر محال بيع السلع بمناطق الدقى والزمالك وباب الشعرية، للتعرف على الأسعار التى باتت تحرق كل الأسر المصرية، وكذلك رصدت حركة البيع والشراء. فأسعار المنتجات الغذائية ارتفعت بنسبة 5 – 20% منذ شهر يولية الماضى فى بعض السلع -حسب البقالين- إذ يصل سعر كيلو الأرز إلى 7 جنيهات، والأرز البسمتى من 18 – 22 جنيهاً للكيلو، والعدس الأصفر المستورد نحو 26 جنيهاً للكيلو بارتفاع قدره 10 جنيهات، والفول البلدى 15 جنيهاً للكيلو، فى حين بلغ سعر اللوبيا البلدى 26 جنيهاً، والفول المدشوش وصل لنحو 12 جنيهاً، والدقيق بسعر 5 جنيهات، وعبوة المكرونة زنة «400 جرام» ب3 جنيهات، وحمص الشام وصل سعره إلى 36 جنيهاً، والترمس البلدى ب15 جنيهاً للكيلو، والقمح بنحو 7 جنيهات، والكمون الحصا ب64 جنيهاً، وكيلو الفاصوليا البيضاء ب26 جنيهاً. «الله يكون فى عون الموظف المطحون».. بهذه الكلمات بدأ فاروق محمد بدر، تاجر بقالة، بسوق سليمان جوهر بمنطقة الدقى حديثه، كاشفاً أن الإقبال «ضعيف»، والركود أصبح سيد الموقف، والسبب فى ارتفاع الأسعار هو عدم استعداد الدولة لتبنى سياسات وإصلاحات مواجهة أباطرة السلع، ومعاقبتهم على جشعهم، وإلزامهم بالتخفيض لصالح المواطن وبائع السلعة معاً. أما الخضراوات فأسعارها مرتفعة فى الأسواق، إذ يقول رجب محمد، تاجر خضار: حركة البيع والشراء سيئة للغاية، والإقبال بسيط على الشراء، فمن يقبل على شراء كيلو خضار يقول إنه اشترى، عكس العام الماضى فى نفس هذه الأيام، ورغم أن الأسعار آنذاك كانت مرتفعة كثيراً، إلا أننا كنا نبيع ونشترى ونعود فرحين، ومن يوم الثورة وحالنا واقف حتى الآن، فى حين ارتفعت الأسعار على الجميع، فتجار الجملة بسوق إمبابة يتحكمون فى السعر بالزيادة، بخلاف أجرة النقل المبالغ فيها، ويصل سعر كيلو ورق العنب بناتى إلى 25 جنيهاً، وسعر كيلو البامية إلى 8 جنيهات، والبسلة إلى 10 جنيهات، والفلفل الرومى وصل سعره إلى 6 جنيهات للكيلو، والفاصوليا الخضراء إلى 8 جنيهات للكيلو، والكوسة ب7 جنيهات للكيلو، والسبانج والقلقاس ب7 جنيهات للكيلو أيضاً، والملوخية والخيار البلدى ب6 جنيهات، والجزر بنحو 5 جنيهات، ويصل سعر الليمون إلى 7 جنيهات للكيلو، والكرنب «حجم صغير» ب6 جنيهات للواحدة، والباذنجان الأبيض «البكر» يباع ب8 جنيهات للكيلو، والباذنجان الأسود يباع ب4 جنيهات للكيلو، والقرنبيط من 6 - 8 جنيهات للكيلو، فى حين يصل سعر الطماطم إلى 4 جنيهات، والبصل إلى 7 جنيهات للكيلو، وكيلو الثوم البلدى إلى 20 جنيهاً، والبطاطس ب7 جنيهات للكيلو، وشوربة الخضار «كيس» يصل سعرها إلى 5 جنيهات، والمشروم «ربع كيلو» ب10 جنيهات، وحزمة الجرجير ب50 قرشاً، والخس البلدى بجنيه للواحدة. ولا يقتصر الأمر على ارتفاع الخضراوات فقط، إنما طال أسعار الفاكهة التى زادت بشكل كبير، إذ وصل سعر الموز البلدى إلى 8 جنيهات للكيلو، والتفاح البلدى ب13 جنيهاً، والبرتقال بنحو 4 جنيهات، واليوسفى ب6 جنيهات، والرمان ب8 جنيهات، والبلح وصل سعره إلى 7 جنيهات للكيلو. اللحوم.. نار أما اللحوم البلدية المذبوحة فاشتعلت أسعارها، إذ وصل سعر كيلو اللحم البتلو المشفى إلى 140 جنيهاً، والبفتيك ب140 جنيهاً، والعرق الروستو ل140 جنيه، والكندوز الطازج قطع صغيرة وصل سعره إلى 110 جنيهات بعدما كان يباع ب80 جنيهاً فى معظم المناطق الشعبية، والكبدة الكندوز بنحو 110 جنيهات للكيلو، والكيلو من الفخدة الضأن 110 جنيهات، والريش الضأن 110 جنيهات.. لذلك فضل الفقراء الشراء من شوادر اللحوم المدعمة.. وباتت أسواق بيع اللحوم البلدية ل«الأغنياء فقط». واتجهنا نحو شكرى عبدالتواب، صاحب جزارة الميثاق بسوق سليمان جوهر بالدقي، وأكد ل«الوفد» أن عمليات ذبح العجول تراجعت إلى النصف، لعدم الرغبة فى الشراء، إلا بكميات قليلة للغاية. وأضاف أن أسعار اللحوم حالياً زادت بنسبة 40% عن العام الماضى، وحركة البيع قلت بنسبة 80%، وترجع أسباب الزيادات فى الأسعار إلى نقص المعروض من المواشى، إلى جانب غلاء الأعلاف المستوردة، وارتفاع تكاليف النقل، والزحام الشديد فى الطرق والعمالة والمشال. وحول أسعار الدواجن فى بعض المناطق الراقية ومنها الدقى والزمالك، قال سمير نيروز، صاحب مجزر دواجن: إن أسعار الدواجن مرتفعة نسبياً عن أسعار العام الماضى، وسر ارتفاع الأسعار أن أصحاب مزارع الدواجن يبيعون الدجاج بأسعار مرتفعة للتجار، فبالتالى يرتفع السعر على المستهلك، وعن حركة البيع والشراء ب«العافية»، فيصل سعر الدجاج الأبيض إلى 20 جنيهاً للكيلو، والدجاج البلدى ب27 جنيهاً للكيلو، والأوراك ب30 جنيهاً للكيلو، والكبد والقوانص ب30 جنيهاً للكيلو. أما أسعار الأسماك، فيبلغ كيلو سمك البلطى البلدى 22 جنيهاً، وسعر سمك البورى «حجم متوسط» إلى 45 جنيهاً للكيلو، وسمك الدنيس «حجم كبير» إلى 110 جنيهات للكيلو، وسمك قشر البياض «حجم كبير» ب45 جنيهاً للكيلو، والجمبرى بقشره ب150 جنيهاً للكيلو، والكابوريا 50 جنيهاً للكيلو، وسمك لوط 50 جنيهاً للكيلو. الحل فى تربية المواشى ومن جانبه، اعتبر محمد وهبة، رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة أن حملات مقاطعة اللحوم ليست الحل الكافى، بل يجب إجبار المحتكرين على التراجع عن جشعهم، وهنا يأتى الدور الأكبر للأجهزة الرقابية والجهات التنفيذية، التى يجب عليها ضبط وتنظيم سوق المواشى، وتنظيم عملية الاستيراد من الخارج بشكل عام. وقال رئيس شعبة القصابين: إن إنتاج الثروة الحيوانية بمصر منخفض، ولا يتجاوز 30%، ويتم استيراد 70% من الأسواق الخارجية لتغطية الاستهلاك.. وأضاف: أن تنمية الثروة الحيوانية هو المخرج الوحيد للحد من ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، مع توفير الدعم الكافى للمزارعين، حتى يمكن طرح كميات إضافية بالسوق المحلية تفى باحتياجات المواطنين.