تساءلت مجلة "نيشن" الأمريكية عما إذا كان العالم خسر أو ربح بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى ديسمبر عام1991. وطرحت الصحيفة هذا السؤال على " ميخائيل جورباتشوف" آخر رئيس للاتحاد السوفيتى، وأول رئيس دستورى لهذا البلد. وذلك بمناسبة مرور 20 عاما على هذا الحدث التاريخى. وبدلا من أن يتحدث عن المكاسب من انهيار الاتحاد السوفيتى ركز على الخسائر. فقد أكد "جورباتشوف" أن الأمن العالمى تضرر كثيرا ، ولم تعد هناك قيادة عالمية لها قوتها. وقال "جورباتشوف" إن العالم الغربى احتفل بانهيار الاتحاد السوفيتى، وبدأ الحديث عن الرؤية الروسية السياسية الجديدة التى أطلق عليها " البرسترويكا" أى التركيز على الشأن الروسى الداخلى وأن العلاقات الدولية مع العالم تقوم على أساس المصالح المتبادلة والمشتركة. وأضاف "جورباتشوف" أنه منذ انتخابه سكرتيرا عاما للحزب الشيوعى فى عام 1985 تم طرح فكرة "البرسترويكا"، وكان من بين الأهداف الدولية العاجلة، كيفية إزالة مخاطر الحرب النووية، وتسوية كل النزاعات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتوحيد أوروبا بدلا من انقسامها إلى معسكرين، وكان الاعتقاد السوفيتى حينذاك أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالتعاون مع الولاياتالمتحدة فقط، باعتبار أن البلدين يملكان 95% من ترسانة الأسلحة النووية العالمية. وأضاف أنه فى لقاء قمة جمعه مع الرئيس الأمريكى الأسبق "رونالد ريجان" فى جنيف فى نوفمبر 1985، اتفق الطرفان على أنه لا أحد منا ( أمريكا والاتحاد السوفيتى ) سيكسب أى حرب نووية، وأن هذه الحرب يجب ألا تندلع على الإطلاق . كما اتفقنا – والكلام ل "جورباتشوف"- على أنه لايجب أن يتفوق أحد البلدين على الآخر عسكريا. وفى القمة الثانية عام 1986 اتفقت مع "ريجان" على مناقشة طرق ووسائل محددة ، للوصول إلى عالم بدون سلاح نووى. وبالفعل تم اتخاذ خطوات فعلية فى هذا الاتجاه ، حيث قمنا بتوقيع اتفاقية منع انتشار الأسلحة النوية فى ديسمبر 1987 وهى أول وآخر اتفاقية لمنع نوعين من أسلحة الدمار الشامل، وهما الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. وفى عام 1991 قمت بتوقيع اتفاقية مع الرئيس الأمريكى "جورج بوش" الأب فى موسكو ، فيما اطلق عليه اتقاقية "ستارت" الأولى والتى تفضى بتخفيض الترسانة النووية إلى النصف، وفى خريف نفس العام وقعنا اتفاقا لمنع الاسلحة النووية التكتيكية. وأشار "جورباتشوف" إلى أن الطريق لهذه الاتفاقيات كان صعبا، ولكن النتائج كانت جيدة، وهو ما مكننا أن نتفق أنا والرئيس "بوش" فى قمة "مالطا" فى ديسمبر 1989 على أنه لايجب أن ينظر شعبا البلدين على أنهما أعداء ، وهو ما يعنى أن الحرب الباردة انتهت. وقد فتح ذلك، الباب أمام حل العديد من النزاعات الإقليمية التى استمرت عقود فى أنحاء متفرقة من العالم ، وفى الاتفاق على طرد قوات الرئيس العراقى "صدام حسين" من الكويت فى عام 1990 ، والأهم هو التحول السلمى فى منطقة وسط وشرق أوروبا فى الفترة مابين 1989 و1991، بناء على رغبة الجماهير، كما توحدت ألمانيا فى حدث فريد. ولكن ماذا حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، ولماذا لم يتحقق ما تتطلع إليه البابا "يوحنا بولس الثانى" بابا الفاتيكان الراحل من استقرا العالنم وتوحده وأمنه؟ .. يقول "جورباتشوف": إن الإجابة على هذ السؤال تستلزم النظر إلى الأحداث التى ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتى ورد فعل الغرب على ذلك. وأضاف أن الانهيار أوقف فكرة "البرستريوكا"، التى كانت تهدف إلى التحول الانتقالى من الاستبدادية إلى الديمقراطية فى بلد كبير فى الفترة من 1985 إلى 1991 . فقد نجحت الفكرة السياسية الجديدة فى تحقيق عدد من الإنجازات ، مثل الحريات الدينية وحرية الحديث والتجمع والتعددية السياسية والانتخابات الحرة ، وبدأ الحديث عن التحول لاقتصاديات السوق. ولكن التحرك نحو إصلاح الحزب الشيوعى وتحويل الاتحاد السوفيتى إلى شكل جديد يقوم على أساس فكرة اتحاد الجمهوريات المستقلة كان متأخرا. وأضاف أنه كان هناك اعتقاد أساسى أن انهيار الاتحاد السوفيتى لن يحدث بفعل قوة أجنبية، وإذا حدث سيكون بفعل تطورات داخلية. ويقول إن أول شىء حدث كان فى أغسطس 1991 عندما قادت القوى المحافظة المعارضة ل" البرستريوكا " انقلابا ، ضدى ، إلا أنه فشل ولكن أضعف قيادتى للبلاد . وفى الثامن من ديسمبر من نفس العام ، تحدى ثلاثة زعماء هم رئيس روسيا "بوريس يلتسين" ورئيسا أوكرانيا وروسياالبيضاء، رغبة المواطنين فى تجديد الاتحاد، والتى تأكدت فى الاستفتاء الذى أجرى فى مارس 1991، واستبعدوا الفكرة تماما عقب لقاء سرى جمعهم. وأكد "جورباتشوف" أن هذا الحدث جعل الغرب يشعر بالنشوة والانتصار، ولم تستطع الولاياتالمتحدة إخفاء مشاعرها بالفوز فى الحرب الباردة. وأنها أصبحت الزعيم الأوحد فى العالم والمتحكمة فى الشئون الدولية بمفردها، وكانت تلك بداية المشاكل والأخطاء التى وصل إليها العالم الآن. وقول "جورباتشوف" إنه كثيرا ما قال لشركائه "ريجان" و"بوش" والزعماء الغربيين، إنه يجب على الجميع أن يغير من تفكيره وليس الاتحاد السوفيتى فقط ، لأن هناك العديد من المتغيرات السريعة التى ستحدث فى العالم ولن يكون أمامنا خيارات. إلا أن الغرب أصر على أنه انتصر فى الحرب الباردة وظل يتعامل بنفس مفاهيم الحرب الباردة القديمة ولم يغير من نمط تفكيره وأساليبه ، ومنها استخدام القوة العسكرية أو الضغوط السياسية والاقتصادية فى فرض نموذج أو وضع معين على طرف ما. وتحول مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة إلى مؤسسات مشلولة ، لا تقوم بدورها ، وبدأت أمريكا وحلفائها يتصرفون كما يشاءون، وقد حدث ذلك فى حرب يوغسلافيا فى التسعينيات من القرن الماضى وفى حرب أمريكا على العراق عام 2003 ، وتخيل الأمريكيون أنهم ليس قوة عظمى بل قوة جبارة وعملاقة ، وأنها تتجه نحو تشكيل إمبراطورية كبرى. والتفكير بهذه الطريقة هذه الأيام ماهو إلا وهم ، كما أن حلم الإمبراطوريات انتهى. وقد أثبت الفشل فى الحرب على العراق وأفغانستان ، والخسائر الكبيرة ، أن من يفكر بهذه الطريقة مخطئ. وقد بدأ العديد من القادة الغربيين يدركون هذه الحقيقة. فلم يتحقق الأمن ولا الرخاء ، بعد انتهاء الحرب الباردة. وقال "جورباتشوف" إن اختفاء الاتحاد السوفيتى كدولة لها رؤيتها الخاصة وقوتها العالمية، وضعف روسيا الحالية ألقى بظلاله على أوروبا المنهكة حاليا وعلى العالم كله. وقال إن أوروبا التى تعانى الآن، كان من الممكن ان تنجح لو انها اختارت منذ البداية التوحد بين االشرق والغرب الاوروبى ، ولم تنجرف وراء الرغبة الامريكية وحلف شمال الاطلنطى وفكرة الاتحاد الأوروبى ومجموعة العشرين ومجموعة الثمانية ، وغيرها من التحالفات والتجمعات الاقتصادية والسياسية ، ولا يمكن أن تنجح إلا بوجود روسيا . وختم "جورباتشوف" حديثه بأن التجارب خلال العشرين عاما الماضية ، أثبتت أن العالم أصبح فى حاجة إلى تبنى أخلاقيات جديدة، والتخلى عن الافكار القديمة ، والتعامل بشكل مختلف مع الأحداث العالمية ، ونبذ فكرة استخدام القوة فى حل النزاعات. مضيفا أن من يقول إن السياسة أصبحت لعبة قذرة ، ليس محقا ، لأن السياسة تكون لعبة قذرة فقط عندما نتخلى عن الأخلاق .