تراكم تلومنا يوم نكتب، ونقول: لم يحد مجتمعاتنا العربية نحو التغريب إلا خلوها من التعريب بالبديل السليم والصالح، ونلوم أولادنا حين نراهم يميلون نحو ما يقدم لهم حديثاً وعصرياً ومتفرنجاً، لأننا غير قادرين على تقديم البديل لهم، وإن أقدمنا على تقديم شيء، قدمناه عائداً ألفاً وخمسمائة سنة للوراء أو مقلداً ومستعرباً بطريقة يضحك منها الأطفال أو أنه لا يتناسب وعقلية الجيل الجديد الذي يفهم، ومتاحة له المعارف أكثر من يعتقدون أنفسهم أنهم أوصياء عليه، وعلى المجتمع، مرد الحديث أنه قبل يومين تجولت مع الصغيرة التي تحجل في الأربع من عمرها، وكنت طوال الوقت أراقبها بطريقة غير أنها تعبر عن الحب، ولكن لأرى مدى جنوح عقول أطفالنا الجدد الذين توافرت لهم أشياء كنا نتمنى لو أن ربعها كان متاحاً لنا، غير رغيد العيش، ورقيق الثياب، ووفرة المال، ولكن حجم المعرفة السهلة، كانت جولة، ومثلها حظى بها أطفال كثر شاركوها، كانوا يتوقفون عند أشجار عيد الميلاد المتوافرة في الأمكنة ويتصورون معها، ويحبونها، ومنبهرين منها، والأضاءة المنبعثة منها، تصادف وجود “بابا نويل أو سانت كلوز” وتراكضوا عنده، يتلمسون ثيابه الحمراء، ولحيته الطويلة البيضاء، وفي محل تجاري آخر كان هناك مهرجون بوجوههم المصبوغة، يحتفلون بعيد الميلاد، وكيف كان شغف الأطفال بالحديث واللعب معهم، وكيف أخرجوا تلك الضحكات البريئة من قلوبهم الصغيرة البيضاء، وتساءلت لِمَ تمر السنة الهجرية مكتئبة، والناس تقول يمشون في جنازتها المبكرة؟ لِمَ لا نزرع على الأقل شجرة، ولو كانت شجرة غاف؟، لنعلم أولادنا عادة جميلة قد ترافقهم وينقلونها بدورهم، أن ختام السنة التي لا يدري عنها أحد، لولا أنها إجازة رسمية، ولادة شجرة جديدة في الوطن، أو عمل أي شيء يذكر الناس، ويجعلهم فرحين بهجرة رسول الإنسانية الكريم، خلال تلك الجولة تذكرت شيئاً حدث قبل شهور مع تلك الصغيرة نفسها، دخلت محل ألعاب، ورأيت دمية، مكتوباً على صندوقها”أول دمية إسلامية، تنطق بالعربية، وتقرأ القرآن” فقلت يا فرحة قلبي، لقد وجدت للصغيرة منفذاً جميلاً للعربية والقرآن، يستقيم به لسانها، ويمكنها من نطق العربية كأبيها، فاشتريت الدمية، غير سائل عن ثمنها، لكن الصغيرة خيبت ظني، ورفضتها، بل خافت منها، فقلت في نفسي: كنت أتمنى أن أكحلها، فرمدتها، وبقيت أتفكر لِمَ كان الرفض؟، وحين تأملت الدمية، رأيتها صغيرة ترتدي السواد، ومحجبة، وحيّاتها طائرات، ووجهها عبارة عن قطعة جورب محشو، رديئة الصنع، وصوتها يبعث على الفرق في النفوس الصغيرة، في حين تلك الصغيرة كانت لا تتعب في مدينة ألعاب “ديزني باريس” ولا تمل ولا تخاف من الحيوانات، ولا الدمى الكبيرة المتحركة، لأنها مصنوعة لتكون قريبة من القلب، أنيسة مع النفس، وفيها مباهج وحضور ألوان الحياة الجميلة!