ناقض وزير الصحة، د.أحمد عماد، تصريحاته التى أطلقها فى مايو الماضى، مؤكدا فى حواره مع إحدى الصحف القومية أن شركات الأدوية تحقق أرباحا سنويا تصل إلى 2000%، ونسى ما خرج من لسانه إبان قيام الحكومة برفع أسعار الدواء بأن شركات الأدوية تخسر، وأنه لو لم يتم رفع أسعار الأدوية فستتوقف الشركات عن الإنتاج، وستختفى أصناف عديدة من الأدوية، ووقتتها تمت زيادة أسعار الأدوية الأقل من 30 جنيها بنسبة 20%. وهكذا يضع وزير الصحة المصريين أمام الشىء وعكسه، ولا ندرى أيهما أصدق الدكتور أحمد عماد وزير الصحة فى مايو 2016، أم الدكتور أحمد عماد وزير الصحة نوفمبر 2016؟!.. وعلى كل حال فإن وزير الصحة سيسقط فى الكذب فى إحدى المرتين على الأقل!.. ويبقى السؤال: هل شركات الدواء تخسر أم تكسب؟.. من المهم فى بداية البحث عن إجابة لهذا السؤال، أن نشير إلى أن سوق الدواء فى مصر، هو الأكبر فى الشرق الأوسط.. وهذا السوق الضخم تعمل فيه 2500 شركة دواء و150 مصنعا منها 9 شركات قطاع أعمال.. ونحو 20 شركة مالتى ناشونال و121 شركة خاصة و1089 شركة «تول» (تصنيع لدى الغير).. وجميعها تنتج 14 ألف صنف دواء، وتعتمد فى إنتاجها بشكل رئيسى على الاستيراد، ف90% من التصنيع المحلى يعتمد على الاستيراد.. فتستورد شركات الدواء المواد الخام التى يصنع منها الدواء، وتستورد الورق، ومستلزمات الطباعة، والجزء المعدنى الذى يستخدم فى تغليف الكبسولات، وأيضا تستورد البلاستيك، وعلبة الأدوية.. نعود إلى السؤال: هل شركات الأدوية فى مصر تكسب ام تخسر؟.. يجيب الدكتور محمود فؤاد- مدير المركز المصرى للحق فى الدواء- بأن الأرقام وشهادة المؤسسات الدولية تتفق على أن سوق الأدوية فى مصر هو الأكبر فى الشرق الأوسط، حيث وصلت المبيعات إلى 41 مليار جنيه.. ويقول «شركات الأدوية فى مصر تكسب طبعا، وبصراحة مش عارف هما جابوا حكاية الخسارة وانهيار صناعة الدواء منين.. وسبق لوزير الصحة أن قدم معلومات خاطئة لرئيس الوزراء فى مايو الماضى نتج عن تلك المعلومات الخاطئة صدور قرار بزيادة أسعار الأدوية بنسبة 20%، ووقتها أيضا تم رفع أسعار 100 صنف مكمل غذائى مع أن أسعار المكملات الغذائية فى العالم كله لا تتم زيادتها، وتم أيضا رفع أسعار 50 صنف دواء، كانت تباع للصيادلة بتخفيضات تصل إلى 30% وكانت المفاجأة أن الوزير قرر زيادة سعرها!». ويضيف «صناعة الأدوية المصرية هى أكثر نموا بنسبة 12% سنويا، ووصفت مؤسسة ماكينزى سوق الأدوية بأنه سوق شهى للشركات، وتتراوح أرباحه بين 150% و300% لذلك هى الأكثر جذبا للاستثمارات العربية والأجنبية، وهناك استثمارات جديدة بنحو 780 مليون جنيه سنويًا». ولكن- والكلام لا يزال للدكتور محمود فؤاد- يبدو أن هناك مشكلة حالية بين وزير الصحة وشركات الأدوية، وأغلب الظن أن شركات الأدوية تهدد الوزير، وأنه يرضخ لها، بدليل أنه يقف حاليا عاجزا، لا يقدر على اتخاذ أية قرارات فى مواجهة تقليل أغلب الشركات لطاقتها الإنتاجية، وهذا التقليل سيدخل مصر فى كارثة دوائية مع مطلع ديسمبر المقبل، خاصة أن نواقص الدواء حاليا وصلت لدرجة كبيرة، فهناك 2000 صنف دواء ناقص، من بينهم 180 دواء بلا بديل». ويضيف «إذا كان وزير الصحة يرى أن شركات الأدوية تربح 2000% فلماذا إذن رفع أسعار 8 أصناف من الدواء قبل أيام قليلة، بعضها ارتفع سعره من 55 جنيهًا إلى 95 جنيهًا، وآخر ارتفع من 44 إلى 85 جنيهًا، كما رفع سعر جلسة الغسيل الكلوى من 140 جنيهًا إلى 250 جنيهًا». ويواصل رئيس مركز الحق فى الدواء « تسعير الدواء ظل لسنوات طويلة فى مصر سداح مداح، حتى أن بعض الأدوية تحقق أرباحًا لمنتجها تصل إلى 500% وبعض الأدوية تباع فى مصر بأغلى من سعرها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها، بل إن فى مصر دواء لعلاج السيولة تمكنت احدى شركات إنتاجه من تسعيره ب250 جنيهًا، وذات الدواء تنتجه شركة أخرى تسعيرته 10 جنيهات فقط والسر أن الشركة الأخيرة بلا نفوذ». ويعتقد مدير مركز الحق فى الدواء أن هجوم الوزير الأخير على شركات الدواء هو مجرد مجاراة للمزاج العام فى الدولة.. ويقول «الوزير ليس جادا فى مواجهة شركات الدواء، وهجومه الأخير عليها، وحديثه عن أرباحها ليس سوى مجاراة للمزاج العام فى مصر حاليا، ولكنه فى حقيقة الأمر لا يواجه هذه الشركات بشكل حقيقى، بدليل زيادة نواقص الدواء فى مصر». وفى ذات الاتجاه كشف الدكتور هانى سامح- خبير شئون الدواء- أن وزير الصحة فى مايو الماضى لم يكن يقول الحقيقة عندما زعم أن شركات الدواء تخسر، فالحقيقة أن شركات الدواء تحقق أرباحا بالمليارات». وأضاف «شركة دواء شهيرة باعت أدوية فى العام الأخير ب3 مليارات و500 مليون جنيه.. وكانت تكلفة إنتاجها لهذه الأدوية 800 مليون جنيه فقط أى أنها ربحت فى عام واحد 2 مليار و700 مليون جنيه.. ولو قلنا إن هذه الشركة تعمل 24 ساعة يوميًا بما فى ذلك أيام الجمع والعطلات الرسمية، فسنجدها تحقق 7 ملايين و400 ألف جنيه يوميًا، أى 308 ألف جنيه كل ساعة و5 آلاف و136 جنيهًا كل دقيقة! وشركة أخرى شهيرة- يواصل «د. سامح» ربحت فى العام الأخير 400 مليون جنيه رغم أن تكلفة إنتاجها أقل بكثير عن 100 مليون جنيه، وقبل شهور قليلة أصدرت هيئة سوق المال تقريرًا عن شركات الدواء المسجلة فى سوق المال، وقال التقرير بوضوح إن شركات الدواء تحقق أرباحًا صافية تتراوح بين 20 مليونًا و40 مليون جنيه، حتى الشركات الصغيرة تحقق أرباحًا كبيرة، وإحدى هذه الشركات أقامت 3 حفلات فى احدى الفنادق الشهيرة، استضافت فى كل حفل 500 طبيب، وأحيت الحفلات راقصة شهيرة، وكان الهدف من تلك الحفلات جميعًا الترويج لمكمل غذائى تبيعه هذه الشركة على أنه دواء للأنيميا! وحتى شركات الدواء التابعة للشركة القابضة للأدوية حققت تصل الى 231 مليون جنيه عن سنة 2014 وفقًا للشركة القابضة.. أما الشركات الحكومية التى تحقق خسائر، فخسائرها سببه الفساد وسوء الإدارة وليس ارتفاع تكلفة تصنيع الدواء. ويبقى السؤال الأخطر إذا كان الوزير يرى أن شركات الأدوية تربح حتى 2000% فكيف تركها لتحقق هذه الأرباح الضخمة وهو المسئول الأول عن أسعار الدواء فى مصر؟ فالمعروف- كما يقول الدكتور على عبدالله- رئيس مركز البحوث الدوائية- أن وزير الصحة هو الوحيد كوزير ومعه الإدارة المركزية لشئون الصيدلة يعرفون بدقة الحسابات التى تتبنى عليها قرارات تسعير الأدوية، فإذا كان لديه ما يثبت أن الشركات ربحها 2000%، فلماذا لم يسعر الأدوية على أساس هذه المعلومة؟!.. حتى لو كانت المعلومة قد وصلته متأخرة فلماذا لم يصدر قرارا بخفض السعر إلى النصف حتى تربح الشركات 1000% فقط؟!» والسؤال الآخر هل تحصل الضرائب من الشركات على هذا الأساس؟ أم تتواطأ مصلحة الضرائب مع الشركات؟ أيضا .. وقال «المفروض بعد الأرباح التى أعلن عنها الوزير أن تزيد الضرائب التى يتم تحصيلها من شركات الأدوية، ولكن المتوقع ألا يحدث ذلك، خاصة ان أغلب الشركات تتلاعب فى دفع ما عليها من ضرائب، فهناك شركات لا تسجل فى دفاترها سوى 60% فقط من إنتاجها، وبالتالى لا تسدد ضرائب سوى على هذه النسبة، بل إن هناك شركة توزيع عملاقة توزع أدوية قيمتها نحو 20 مليار جنيهًا سنويًا، هذه الشركة اشترت نظام كمبيوتر بمبلغ 60 مليون جنيه، هذا «السيستم» يضم شاشتين إحداهما يعرض حجم المبيعات الحقيقية، والثانى يعرض أقل من نصف المبيعات، والشاشة الأخيرة هى التى تسدد الضرائب على أساسها».