عندما نسمع أو نقرأ عن مائتي معارض سوري ذهبوا إلى بلد ما ليمثلوا الثورة السورية، ويطالبوا بدولة بالمنفى، يصيبنا القلق حرصا على ما يفيد سوريا وينفع شعبها، لأن هذا العدد الهائل من الممثلين، والمهرولين، لا يثق أحدهم بالآخر، ولذلك لم يكتفوا باثنين أو ثلاثة أو حتى عشرة، ليكونوا صوتاً لذلك الشعب، الذي ترك وظائفه ومدارسه وتجاربه مطالباً بالحرية، وقد أناط بهذه المعارضة مسؤولية تمثيله في الخارج، ولكن على ما يبدو أن الممثلين أنفسهم بحاجة إلى ثورة تغير مفهومهم حول المعارضة، وتعيدهم إلى رشدهم، وتصحيهم وتقول لهم إن المعارضة لنظام حكم ما لا تعني الذهاب بعيداً، حيث تسكن المصالح الشخصية، ولا تعني أيضاً أنها ركض لقطف الثمار، وسباق من أجل اقتناص الفرص على حساب الآخرين، ولا تعني التناحر والتنافر، وتشتيت الرؤى وتفتيت الأهداف، وكل يريد أن يسدد ضربة قاصمة ضد الطرف الآخر، وكل يريد أن يقول أنا ومن بعدي الطوفان، وكل يعتقد أنه الإله الجديد الذي سيجلب المن والسلوى لسوريا، وأن سواه لا يساوون طربوشاً سورياً عتيقاً من زمن العثمانيين.. حقيقة إن سوريا تواجه مأزقاً خانقاً ليس في نظامها فحسب، وإنما في معارضتها، وكل ما نخشاه أن تصير هذه المعارضة إلى ما صارت إليه المعارضة في ليبيا، وأن تصبح القضية مجرد محاولة لإزاحة حاكم من أجل اقتسام الكعكة، وليذهب الشعب إلى جحيم معاناته ومأساته التي بدأت مع نظام ولن تنتهي مع معارضات متفرقة ممزقة موزعة إلى طرائق مترو.. وسوريا ليست ليبيا، سوريا تكتظ فيها التنوعات والاثنيات كما تكتظ البيوت والمدن والقرى، لذلك فإن ما تغفله المعارضة اللاهثة إلى الضوء، لا يختلف كثيراً عما يفعله النظام، فالكل يريد أن “يجر النار صوب قرصه”، والنار التي تفلت من القرص، قد تحرق الأصابع، وقد تتعدى الأصابع لتحرق الجسد كله، وبعدها لن ينفع الندم، ولن يشفع البكاء على الأحلام المهدرة، والدماء المغدورة، والمصالح الوطنية التي أصابها رعافاً ونزيفاً. نحن نعرف هذه المعارضات تظل تتقافز هنا وهناك، كالضفادع في المياه الضحلة، وعلى حين غرة، تأتي من خلفها ومن تحتها، خلايا مبرمجة، ومنظمة تنظيماً محكماً، وتهاجم الفريسة، وتأكل اللحم، وتنخر العظم، ولا يبقى للجياع غير البقايا والحثالات وينتهي المصير إلى فراغات مدلهمة، معتمة، قاتمة، مرعبة، ولا يخسر غير الوطن والمواطن “المعتر”.. ولا نقول إلا “الله يعثر كل انتهازي لا يفكر إلا بمصلحته”.