شوارع شبه خالية من المارة وأبواب حديدية مفرغة ومغلقة مغطاة بورق الكرتون وأخرى بالأكياس الملونة حتى لا تستطيع رؤية ما بداخلها، وغيرها أبواب شاهقة وضخمة يكسوها التراب من كل جانب ليغطي معالمها، ولا تسمع سوى السكون الذى يحيط بكل جانب من مصانع المعروف عنها الضجة والحركة والنشاط لجني الأموال لتتحول بمرور الوقت لمجرد حوائط وبقايا إنتاج عاش لسنين، ليغلق أبوابه أمام عماله لعدم قدرته على الاستمرار وتعثره مادياً وإقتصاديا سواء قبل قيام ثورة يناير 2011 بسنين، أو عقب الثورة، وغيرها من العوامل والأسباب وراء غلق مئات المئات من المصانع بمدينة 6 أكتوبر. تجولت "الوفد" بالمنطقة الصناعية الثانية والأولى بأكتوبر للسؤال عن المصانع المغلقة وأسمائها وخاصة مصانع الملابس والمنسوجات والصناعات الجلدية المصرية، وذلك في ظل الحملات والمحاولات المستمية لوقف الاستيراد وعودة المنتج المصري لينافس مثيله المستورد تحت عدة شعارات منها "شجَّع منتج بلدك"، و"بكل فخر صنع في مصر"، وخاصة مع زيادة إقبال المستهلك على المستورد بسبب جودته العالية والنظيفة. . ومع البحث عن أحد للتحدث معه، تلتقط عدسة بوابة الوفد لقطات لتلك المصانع المغلقة بعضها خلسة والبعض الأخر من خلف أسوارها لمنع حراسها من مرورنا داخل تلك المصانع... وتمر السيارة بعدد من الشوارع وعلى الجانبين مصانع منها الضخم ومنها الصغير وبعضها يعمل وسيارات إنتاجه مصفوفة خارجه وغيره يعمل في صمت وضجته لا يسمعها سواه، والبعض الآخر لا تعلم هل هو متوقف أم أنه يعمل، وسألنا أحد رجال أمن تلك المصانع عن المغلق في تلك المنطقة ليرشدنا على بعضها، والذي أكد لنا أن هناك الكثير والكثير من المصانع المغلقة متفرقة بالمناطق الصناعية بأكتوبر. وبسبب كثرة تلك المصانع التى تصل للمئات لم نستطع الوصول لجميع المصانع المغلقة لكثرتها ولا يمكن المرور عليها جميعا، وذهبنا لبعض منهم ومحاولة الحديث مع أي عامل أو خفير بها. ولاحظنا بأغلب المصانع التى سألنا خفيرها وحراسها عن أحوال المصنع أنها تحولت لمبيت ومنزل لهم ولعائلاتهم، فيتخذون غرفة الأمن أو الخفير لتكون مسكنهم الجديد. ........................ بمنتهى الحرص نحاول رفع أحد الكراتين الملصقة على أبوابه، لنرى رجل أربعيني بداخله وسألناه عن مصنع " مصر فرنسا للملابس" ليجيب "عم محمود"، المصنع أغلق بعد الثورة لأسباب مادية. وخشى عم محمود تكملة الحوار ليتحدث مع مديره عبر الهاتف ثم تحدثنا مع المدير الذى كان متذمر من وجودنا وقال:" لا يوجد لدي أذن من مجلس الأدراة لإعطاء أي تصريحات"، وبسؤاله عن أسباب التوقف هل هى المديونات وحجز البنوك قال كلاهما فالأسباب مادية. صلاح عبد الجواد سنوسي رجل في الستينات من عمره والذي خرج لنا من أحد تلك المصانع المغلقة ليقول:" أنا بشتغل هنا من 1995، والمصنع كان شغال حلو في تصنيع الملابس الجاهزة، لكن بعد الثورة حصلت مشاكل واضطر صاحبه لغلقه، ثم عاد للعمل مرة أخرى وتوقف عدة مرات وبعدين اتقفل خالص والعمال مشيوا". ليستكمل عبد الجواد:" المصنع تراكمت عليه ديون كهرباء ومياه وغيرها من مشاكل مادية جعلته يقفل، ثم تحول بعد كده لمصبغة وبقى شركة مفيهاش غيري أنا العامل الوحيد، والماكينات الخاصة بالمصنع موجودة بس مش شغاله". خرجت أم محمود من غرفتها بأحد المصانع المغلق أبوابها بالجنازير الحديدية لتتحدث إلينا قائلة: "ده كان مصنع في الدور اللي فوق واتقفل وكان اسمه اعتقد الشركة المصرية للملابس". وتابعت أم محمود أنها انتقلت مع زوجها وأطفالها منذ خمس سنوات لتسكن بتلك الغرفة الموجودة بالمصنع لأن زوجها يعمل غفير به، موضحة أنها منذ وأن جاءت والمصنع مغلق أبوابه ولا يعمل ليتحول الدور الأرضي لمخزن". وتطلب "أم محمود" منا الانتظار حتى يأتي زوجها الذى ذهب ليحضر أطفاله من المدرسة، وهذا ما جعلنا نتأكد بأن هناك عدد من خفراء المصانع مستقرين بتلك الغرف كمسكن دائم لحياتهم. من خلف الأبواب الحديدية نوجه نداءاتنا "حد هنا مين موجود"، ولم يجيب أحد فالمكان شبيه ببيوت الأشباح خالي تمام وبه بقايا حاوية كبيرة تأكلها الصدأ، وبمجرد النظر داخل المصنع المهجور نجد غرفة مصنوعة من ألواح الخشب في قبالة الباب الحديري وبعض أدوات منزلية وملابس ملقاه على الأرض مما يعني بوجود شخص بالمكان ولكنه لم يتواجد في نفس الوقت الذي نقف فيه، بجانب وجود غرفة أمن صغيرة بجانب الباب الحديدي مفتوحة ولا أحد بداخلها، لنلتقط بعض الصور للمصنع المهجور. لتنتهي رحلة تجولنا حول المصانع والتي توضح ليس فقط حال مصانع الملابس الجاهزة والمنسوجات فقط فهناك مصانع أخرى منها للمواد الغذائية وغيرها كيماويات وأخرى كراتين وأرضيات...، ليختلف الإنتاج والنتيجة واحدة ..مصانع مهجورة ومغلقة ومتوقفة عن العمل، رغم لهفة الاقتصاد المصري على فتح تلك المصانع لتدور عجلة الانتاج المحلي وينهض الإقتصاد المصري ويزدهر ويواجه نظيره المستورد بل وينافسه. وبتلك اللقطات للمصانع المهجورة حفرنا في الذاكرة فترة من الزمن عن مصانع طال إنتاجها محافظات مختلفة وجني أصحابها الأموال ولكن تتبدل الأحوال لتصبح بهذا الشكل المزري.