علا عطا الله .. الصحفية والكاتبة والأديبة الفلسطينية.. لطالما حلمت بأن تبث بشرى إلى ذوي أسير.. تقول لهم: إنه بخير.. أو ربما ستحدث معجزة ويخرج ابنكم أو ابنتكم أو أبوكم أو طفلكم.. ولكن تمر الأيام والشهور والسنوات ولا خبر يعلن أن سجون الصهاينة ستفتح ويخرج منها فلذات الأكباد.. حتى جاءت الصفقة 38 لتبادل الأسرى لتحمل معها البشرى المنتظرة.. أبرز قصص هؤلاء الأسرى وأغربها.. ومدى معاناة الأمهات والزوجات في غيابهم.. تسردها الكاتبة الفلسطينية "علا عطا الله" في حديثها لبوابة الوفد.. - كونك صحفية ميدانية.. ما رأيك الشخصي في صفقة الأسرى الأخيرة وما قبلها؟ صفقة "وفاء الأحرار" الأخيرة ،التي حملت الرقم (38 ) في سجل الصفقات منذ العام 1948، لا يمكن وصفها إلا ب"المعجزة"، وبمفردات تليق بحجم ما تركته من أثر جميل هي صفقة ناجحة بكل المعايير عكست إرادة المقاومة الفلسطينية وترجمت صمودها . وهي من أفضل صفقات التبادل مع الاحتلال والسبب عائد لنوعية الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم، حيث تم الإفراج عن 450 أسير من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات , كما أنها صفقة المقاومة التي استطاعت أن تحتفظ بالجندي الإسرائيلي لمدة خمسة أعوام, هي ضربة أمنية للاحتلال، ونجاح لصمود الشعب الفلسطيني، وهدية السماء لأمهات وزوجات التحفن بالصبر على مدار عقود وأعوام شابت فيها قلوبهن على رصيف الانتظار. - كيف يشعر الفلسطينيون بخصوص الصفقة ونجاح إتمامها؟ يوم الإعلان عن نجاح الصفقة كان كما لو أنه يوم عيد, صغير فلسطين وكبيرها كان يغني ويزغرد فرحا ...تكبير المساجد وتهليلها لم يتوقف, طلقات الفرح والألعاب النارية سكنت الشوارع والطرقات . أما يوم إتمامها فكان يوما جبارا لا يمكن لكل مفردات اللغة أن تفي بجماله وعظمته, كان عرسا وطنيا ويوما مشهودا لن تنساه الذاكرة الفلسطينية أبدا ..هم الآن يعيشون تفاصيل الفرح ويتمنون الإفراج عن باقي الأسرى والمعتقلين. - ما هي أبرز القصص التي شاهدتها بنفسك بخصوص صفقة الأسرى.. ؟ هناك قصص لا تنسى، كقصة الأسير "روحي مشتهى" الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة، وبعد 25 عاما خرج ليجد أمامه زوجته "رائدة" تصافحه وتجدد أمامه قسم العهد والولاء، هذه الزوجة التي كانت عروسا عندما سجن زوجها ورفضت فكرة التخلي عنه وظلت تحتسي شراب الصبر لأعوام وأعوام , الناس كانوا عندما يستمعون فصول حكايتها تنتابهم دهشة عدم التصديق ويسألون كيف لفتاة لم يمض سوى ستة أشهر على زواجها أن تختار طريقا تنبت أشجاره في عالم الخيال فقط. هناك أيضا زوجة الأسير "نافذ حرز" التي تزوج جميع أولادها وبناتها وزوجها داخل الأسر، خرج بعد 25 عاما ليجد 25 حفيدا في انتظاره ... خرج وفي جيبه نقود عمرها بعمر أسره تفاجأ أنها عملة انتهت صلاحيتها.. تماما كما حدث في قصة أهل الكهف، وللعلم الاحتلال داخل السجون كان يمنع أي أسير من رؤية النقود أو التعامل بها. القصص في مجملها كان عنوانها أبطال غيبتهم سجون الموت لعقود وأعوام وخرجوا ليصطدموا بحياة اختلفت بكافة تفاصيلها . - بعد قراءة مقالك بعنوان "إلى أبطال الانتظار" بعد صفقة الأسرى .. شعرت بمدى الأسى الذي كانت تشعر به كثير من الزوجات والأمهات الفلسطينيات..؟ ما هي أغرب قصة لأسير لاقى أسرته أخيرا؟ كل قصة كانت تحمل كل أنواع الدهشة والاستغراب يعني أن يخرج أسير بعد 31 عاما وعمره قد صار 51 عاما، كان شابا صغيرا خرج وقد أضحى كهلا , هذه قصص كلها تستحق التدوين والتسجيل في ذاكرة التاريخ , قصص لأمهات رحلوا دون أن يكحلوا عيونهم برؤية قرة أعينهن , هي قصص بطولات الانتظار والألم والقوة كقصة الأسيرة "أحلام التميمي ،التي حكموا عليها ب16 مؤبد بعد مشاركتها في عملية القدس في 9 أغسطس 2001 وقالوا لها :" لن تخرجي في أي صفقة وستموتين داخل السجن " فردت بثبات وقوة :" ورائي رجال بفضل سواعدهم سأخرج .." وها هي تتنسم عبير الحرية رغم أنف جبروتهم وسجلات أرقامهم . - كيف تحيا الزوجة التي كان زوجها في الأسر لمدة طويلة؟ وكيف تعيش الأم وتطمئن على حال ابنها في الأسر؟ كيف كانوا يتحملون ذلك؟ كل كلمات الوجع والحزن لم تكن تعبر عن قلب أم شابت سنوات عمرها وهي تبكي فراق فلذة كبدها , أو زوجة ظلت تنتظر رفيق دربها وبقيت وحدها تصارع الحياة وتربي الأولاد يكبرون ويتزوجون وينجبون وشريك العمر غائب عن ناظريها . تحملوا ذلك لأنهم مؤمنون بقدر الله وبحكمته وبأن يوما ما سينفتح الباب كاشفا عن أحبائهم، وأنه مهما ازدادت حلكة الأيام لا بد من نور قادم , تحملوا ذلك بصبر وثبات رغم ما عانوه ولاقوه من أسى وعذاب . - كيف كنتِ تقومين كصحفية بتفقد حال الأسرى ومحاولة إيصال أخبارهم لذويهم قبل الافراج عن بعضهم؟ أخبار الأسرى كانت مقطوعة بالنسبة لذويهم ونحن لم نكن بأحسن حال منهم , المؤسف في الأمر أن أمهات الأسرى كانوا يجدن في الصحفيين السلوى لظنهم أننا نملك الأخبار , ولكن الاحتلال كان يتكتم على أخبار الأسرى وتم منع الأهالي من زيارة أبنائهم طيلة خمس سنوات أي منذ أسر الجندي الإسرائيلي . كان كلما خرج خبرا عن الصفقة يتهافتون إلينا لسؤالنا :هل اسم ابني موجود .متى الصفقة ؟ هل سيخرجون ومتى؟ كانوا في عذاب حقيقي لا يسمعون عن أولادهم أية أخبار ولو سمعوها عن طريق هواتف محمولة يتم تهريبها داخل السجون يكون ذلك لدقائق أقل من المعدودة . وحتى رسائل الصليب الأحمر لا تصلهم إلا في فترات متباعدة وقد يمر على الرسالة أعوام وأعوام. - ماذا عن الأسر التي مازالت تنتظر الإفراج عن أبنائها؟؟ ولم يخرجوا في صفقة التبادل الأخيرة؟ بالتأكيد الجميع كان يعلم أن جندي واحد لن يخرج مقابله كافة الأسرى والبالغ عددهم سبعة آلاف , ولكن اليوم والمقاومة تحتفل بخروج 20% من الأسرى مقابل جندي واحد بالتأكيد تفكر في إخراج من تبقى وهي وعدت بذلك , وعلى أمل تحقيق هذا الوعد تعيش الأسر التي لم تفرح بأولادها في صفقة التبادل الأخيرة تنتظر هدية السماء ووعد المقاومة . - في رأيك ما السبب في نجاح تلك الصفقة بين الاحتلال وبينكم أنتم الفلسطينيون؟ وهل يمكن للربيع العربي أن يكون سببا من تلك الأسباب؟ المقاومة وصمودها هي من أنجحت الصفقة , المقاومة التي احتفظت بالجندي في ظروف أمنية معقدة وحافظت عليه طيلة خمسة أعوام بعيدا عن الاحتلال وأعينه وظلت متمسكة بشروطها وهي إطلاق مئات الأسرى من أصحاب الأحكام العالية وتبييض السجون من النساء. الصفقة خرجت للنور بفضل صمود الأسرى وذويهم وابتهالاتهم للسماء ليل نهار , وبالطبع الربيع العربي وثورات الشعوب التي أزهرت خارطة سياسية جديدة وعن عناوين تختلف عن عناوين لطالما أرهقت القضية الفلسطينية كانت سببا واضحا في تفعيل هذا الملف ونجاحه , خاصة تغيير النظام في مصر إذ لم يكن خافيا على أي مراقب أو متتبع كيف كان النظام المصري السابق يقف حجر عثرة أمام فرحة الفلسطينيين وانتصار المقاومة . شاهد الصور: