مجلس الشعب ليس هو المكان الذي يجذب أعضاءه للسعى وراء الثراء أو الشهرة وإنما هو عقل الأمة وقلبها وبصرها.. هو - حقًا وصدقًا - بيت الحق والعدل والقانون. ما السر وراء الإقبال المنقطع النظير لمجلس الشعب؟ إنها حقًا تمثل ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية جديرة بالبيان والتحليل.. هذا الإقبال اللا مسبوق صوب الترشيح لمجلس الشعب، هذه الدورة تكاد تكون في حد ذاتها تمثل «ظاهرة اجتماعية وسياسية» قبل أن تكون ظاهرة تشريعية حسب مواصفات سلطة المجلس باعتباره إحدي السلطات الثلاث وهي ممارسته «السلطة التشريعية».. ولما كان هذا المجلس التشريعي حسب تشكيله وحسب وضعه الدستوري يدور وجودًا وعدمًا في هذا الإطار المحدود وهو «صياغة التشريعات» التي تهم الأمة وتطبق علي الشعب كافة وتدور من حيث المبدأ ومن حيث التطبيق في هذه الدائرة المحدودة - إلا أنه لوحظ في السنوات الأخيرة أن مجلس الشعب المصري بدأ يتدثر في ثوب قشيب وأصبح ذا «جاذبية وبريق خاص» بموجبه يجذب إليه شتي طبقات الشعب من مثقفين وعمال وفلاحين وأصحاب المهن المختلفة، ولا نبالغ حين نقرر أن هذه الجاذبية امتدت إلي «أصحاب المصالح الخاصة» والتي عندها نتوقف كثيراً كثيراً لإعطاء تكييف حقيقي للممارسة داخل البرلمان، وأنماط الذين كُتب لهم سواء بالمال أو السلطة أو «الفتونة» أن يشقوا طريقهم صوب «مجلس الشعب - كل الشعب». وكانت الظاهرة المدمرة التي كشفت عنها تحقيقات النيابة العامة والقضاء المصري بشتي تشكيلاته.. ما بين تجار للمواد المخدرة تسللوا في غفلة من الزمن لتمثيل الأمة ونواب القروض وأخيراً نواب «العلاج علي نفقة الدولة» ومنها نواب «النقوط» و«نواب سميحة الشهيرة» وغيرهم وغيرهم ممن كتبوا تاريخاً أسود في مجلس التشريع، هذا أمر والأمر الآخر.. ومن ضمن الخروج عن دائرة التشريع وعظمة اختصاصه باعتبار أن «التشريع هو فن الخير والعدل» إلي محاولة طمس هذه المعاني الفاضلة فكان التشريع الاستثنائى في ظل «قانون الطوارئ» أو «قانون البلطجة» هو الذي اهتمت به «اللجنة التشريعية» إلي آخر ما قيل عنه في فترة زمنية حرجة «بالقوانين سيئة السمعة».. وفي مصر فقهاء للقانون عالميون وذوو سمعة في الفقه والقانون تلألأت في سماء العدالة العالمية، ومحكمة العدل الدولية خير شاهد علي ما نقول. نعود - إذن - إلي الإجابة عن السؤال الذي طرحناه ما هو السر وراء هذا الاندفاع اللا مسبوق صوب تبوء مكان تحت قبة البرلمان: يا هل ترى من أجل مزيد من الثراء؟ أم من أجل تحقيق مصالح شخصية والعيش في أمان واطمئنان لأن العضو المحترم سوف يتمتع ب «الحصانة» ويصبح بموجبها صاحب امتيازات في كل مرافق الحياة، وهل تعرف من أنا؟ يقولنا لسان العضو أنا «ممثل الشعب وأنا عضو بمجلس الشعب؟» هل من أجل هذا يفكرون في دخول مجلس الشعب أم أن الغاية أسمي وأروع مما يذهب إليه أمثال هؤلاء؟ يا أيها الشعب المصري العظيم يا صاحب حضارة القرون والسنين: مجلس الشعب هو «عين الأمة التي بها تبصر».. هل عقل الأمة التي تزن الأمور من أجل صالح البلاد والعباد.. هو النور الكشاف الذي ينير دياجير الظلام.. هو القانون وهو الحق وهو العدل، هو القانون الذي يعطي لكل صاحب حق حقه دون الافتئات علي حقوق الآخرين.. هو ميزان العدالة في أيدي ممثلي الشعب «وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان». هو ترمومتر عظمة الأمة صاعداً بها - بعقول ممثلي الشعب - صوب آفاق من السمو والرقي ومواكبة متطلبات العصر.. ولذلك كانت الكلمة الأولي في حلف يمين الولاء للوطن: أن أحافظ علي الدستور والقانون وأن... وأن «أراعي وأحافظ علي حقوق الشعب بالذمة والصدق...» مثل هؤلاء تعلو بهم الأمة ولمثلهم «تضرب الأمثال». ومن هنا أصبح حتماً مقضياً أن توضع معايير وأسس من أجل الأهداف التي تصبو إليها الأمة لتتبوأ من جديد مكانها في صدارة الحضارة، وتعود مصر في حمي الحق والعدل والقانون منارة مشعة إلي العالم أجمعين.