بعد 20 يوما أزيلت الحواجز من مداخل التحرير، وفتح أمام المرور. فالتظاهر والاعتصام بلغ منتهاه، ولم يعد لائقا ممن يغلقون الميدان أن يعطلوا الحركة فيه أكثر من ذلك، خصوصا وأن نتائج جيدة وطيبة قد تحققت في الأيام الأولى للاعتصام. لكل تصعيد مستوى من المعقولية يصبح بعده قفزة في الفراغ. والوصول لحافة الهاوية لن يكون في مصلحة المعتصمين، لذلك انتبهوا إلى ضرورة فتح الميدان ، لأن إقفاله أكثر من ذلك صار بلا معنى ،أو دعم شعبي ، بل رفض وتأفف ،خصوصا وأن الاعتصام يتناقص، ولا أحد صار يتذكر النائمين هناك، كما أن أيام الجمع لم تعد تشهد احتشادا . هتاف يسقط المشير توقف . لأنه مطلب غير معقول أيضا، ويتجاوز الحدود .فالمشير ليس الرئيس السابق . المشير موجود لمهمة انتقالية، وهذا الوجود فرض عليه، ولم يكن اختيارا ،وبعد تمام المهمة سينتهي دوره. وهذا ليس دفاعا عنه بل إقرار واقع. وعندما يسقط ، فمن سيقوم مقامه؟! قيل مجلس رئاسي مدني ، أي مجلس يحكم، ويدير، يكون رئيسا ومشرعا ، لكن من سيختار أعضاءه ، ومن سيوافق عليهم ؟ التحريريون وهم الذين ينادون بهذا المجلس أول من سيختلفون عليه، وسينقسمون شيعا وأحزابا كما هم منقسمون الآن، إلا الأيام ال 18 للثورة التي شهدت إجماعا مصريا نادرا. إذا كان المجلس الاستشاري عليه اختلاف ، رغم أنه لن يحل أو يربط ، فما بالنا بمجلس سيحكم؟!. هتاف يرحل المجلس العسكري توقف أيضا ، لأنه كان بلا معنى ، صوت في البرية ، وإذا حدث ورحل هو والمشير، فالبلد إذن سيدخل المجهول، فكل اثنين في مصر الآن على خلاف مع بعضهما البعض، وإذا اتفقا خارج التحرير، فانهما يختلفان بداخله. سر نجاح الثورة أن مطالبها كانت تحظى بتأييد شعبي واسع ، وكان التأييد يتسع كلما كان يخطئ النظام، فأخطاءه جاءت لمصلحة الثورة ، وكلما كان النظام يتراجع خطوة للخلف كانت الثورة تتقدم خطوات للأمام، لأن الناس في البيوت والشوارع الهادئة كانوا يقولون : طالما أن مبارك يقيل الحكومة، ثم يقيل قادة حزبه، ثم يعين نائبا، ثم يتعهد بعدم الترشح، وتعديل الدستور، والتحقيق في قتل المتظاهرين، وفي الفساد، وطرد النواب الناجحين بالتزوير، وإلى آخره ، إذن من في التحرير عندهم حق وعلى حق، وموقفهم قوى، لأنهم لولم يكونوا كذلك ما رضخ الفرعون، وما قبل أن يغادر الكرسي بعد ثلاثين عاما، وهو الذي قال قبل أشهر قليلة أنه باق حتى آخر نبضة في القلب. أما يسقط المشير، ويرحل المجلس العسكري، فلم يلتف حولهما الشعب، ولم يتعاطف معهما الكثيرون، كما حصل مع " الشعب يريد إسقاط النظام " لأنهم لم يمضوا إلا عشرة أشهر، وباق لهم سبعة أشهر أخرى، ثم يرحلون إلى بيوتهم غالبا ، فلا يليق بهم أن يكونوا محكومين بعد أن كانوا حكاما. التشدد والتصلب في هذه الفترة الحساسة في تاريخ مصر غير جائز، لابد من المرونة حتى تسير المركب وتصل إلى شاطئ الأمان وإلا ستغرق . تصلب المعتصمين ينتهي بالتراجع ، فالميدان يفتح، ويزوره المشير، ومطلب إسقاط المشير، ورحيل المجلس العسكري يدخل مخازن شعارات التحرير. لم يتبق إلا اعتصام مجلس الوزراء ، ومصيره إلى الانفضاض ، أو النسيان مهما قال المعتصمون أنهم صامدون ولا يتزحزحون . لأنه صار بلا معنى، والوصول لحافة الهاوية لن يكون في مصلحة المعتصمين، لأن حكومة الجنزوري تشكلت، وسقطت محاولة فرض حكومة من الميدان برئاسة البرادعي بطريقة هزلية تثير السخرية، والبرادعي نفسه رفض أن يأتي رئيس حكومة بهذه الطريقة، وأنصاره من حيث لا يدرون قد أصابوه بخسائر من هذه العملية، وهو ضاعف خسائره عندما كشف عن رغبته في تكليف المجلس العسكري له برئاسة الحكومة. مساء الجمعة الماضية استمعت إلى ثلاثة من المعتصمين أمام مجلس الوزراء،" هشام وشريف واحمد "، في برنامج حافظ المرازي. لم يكونوا على استعداد لتفهم وجهة نظر أخرى اطلاقا. تصلب في الرأي، ورؤوس أنشف من الحجر. يبررون موقفهم بكلام شديد العمومية غير مقنع. لو مثل هؤلاء سيكونون حكاما فلا يمكن أن اطمئن إليهم، بل سأخاف منهم ، حيث لا يمكن التفاهم أو التفاوض أو الحوار معهم للتوصل لحلول وسط. رأيت ثلاثة عقولهم مغلقة بمفتاح ، والمفتاح سقط في المحيط، والمرازي وجمهور المتصلين يبحثون عن المفتاح ، وكلما وجدوه واعطوه لهم ، فإنهم يقذفون به في الماء مرة أخرى . اقتراح حافظ المرازي جيد بأن يتم فتح باب مجلس الوزراء مع إستمرار الاعتصام بجانبه، لكنهم يرفضون ،بل قالوا إنهم يدرسون التصعيد. هذا هو الغلو الثوري الذي يشوه الفعل الثوري، ومن يقومون به . لكني اعتقد أنه كما فتح الميدان، وانصرف معظم من كانوا فيه، وكما صمتت مطالب رحيل المجلس العسكري ،وتشكيل مجلس رئاسي مدني وغيرها، فإن شارع مجلس الوزراء سيفتح، وسيذهب من فيه إلى بيوتهم ،فالمطالب المستحيلة لا تدوم أبدا.