في أقل من اسبوعين ينال الموت،عزيزاً جديداً على القلب، إنه الكاتب والمفكر الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس، رحمة الله تعالى عليه، إذ توفاه الله تعالى مساء الجمعة الماضي ففارقني النوم لليلتين وتسارعت إلى الذهن صور متماسكة مرتبة حيناً وغير ذلك أحياناً أخرى، فبعد الفنان الإنسان (رمضان خاطر) ها أنا أفقد صديقاً آخر، كل في مجاله، وإن تباعدا ظاهرياً أو حتى حقيقة إلا إنهما خالطاني في وقت لا أنساه من حياتي حتى ألقاهما لدى رب العزة الرحمن الرحيم، وقد كانت للحقيقة معرفتي القريبة بالدكتور عبد الحليم عويس مغايرة لغيره ممن لقيت من أناس أحبوني وأحببتهم، أو صاروا على النقيض من ذلك، وليست الغلبة للآخيرين والحمد لله في طرفي المعادلة ممن أحببتهم بعمق وممن لم استطع، أو لم يصبروا حتى أفهمهم دقيق أمور وقفت ما بيني وما بينهم، إنني منذ الكلمات الأولى أقر بإني لم أكن على وفاق في فترات متعددة مع الراحل لأمر صارحته فيه أكثر من مرة فتحمل ثورتي وهمس لي في معزل من الناس: سيكون لك شأن يا محمد لكن أتمنى عليك أن تحجم من الفنان بداخلك ذلك الذي يقودك لأجمل ما فيك (الإبداع) وأيضاً للصراحة المطلقة فيما ترى من آراء، والأخيرة تدفعك للاصطدام حتى مع البعض ممن أحبك وفيهم من يحدثك. أمران لا أخفيهما منذ بداية كلماتي(في ظلال دوحة معرفتي به ضمن زمرة من أعز من عرفنني، وسمحت لي، سبحانك، بأن أعرف وأقترب من أناس بالحياة ايام صفوها، تلك الأيام الحلوة التي لا أسأل الله أن يعيدها بملابساتها إلا للقاء صحبة منهم وفيهم: الراحل، والصديق الذي قذفت به الغربة لشاطئ آخر خالد خالوي الأديب النشيط، وبلدياتي وأحب بني الاحياء من زمرة أقراني الدكتور نبيل فولي، الاستاذ المشارك بالجامعة الإسلامية بباكستان، والصديق الدكتور الشاعر وجيه يعقوب الأستاذ بكلية الألسن البالغ الدماثة ولا أدري كيف فرقتنا سبل الحياة، وأقران الدكتور عبد الحليم عويس برابطة الأدب الإسلامي بمقرها آنذاك ( من عام 1994م حتى عام 2003م) الدكتور الراحل المبدع الجميل الشهير نجيب الكيلاني، وإن لم نلتقه إلا لماماً، والدكتور عبد المنعم يونس، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف ومدير مكتب الرابطة بالقاهرة، والدكتور الجميل سعد رضا، وآخرون تعجز الذاكرة عن الآتيان بهم الآن. اعترف بأني كنت على خلاف مع الراحل حول أمر، كان يثور ما بيننا أحياناً، ولكنه دفن في قلبي منذ عرفت بوفاته، ولكنه لم يمنعنا من اللقاء والتهاتف من جانبي وأحياناً جانبه حتى قبيل مغادرتي للقاهرة بسنوات بسيطة ، أما الأمر الثاني فإني حاولت ألا أكتب عن الراحل ولكن نبضاً وفياً له داخلي غلبني، ثم لأني أعرف أني لن استطيع أن أبكيه، وأفرغ تلك الرغبة المضنية بداخلي حرمتني حتى المنام إلا بعد نهاية هذه الكلمات، أما عن المفاجأة في رحيله فلها السطور التالية في تفصيلها.
(1) حينما وهبني الله أكبر أبنائي ووحيدي من الذكور إسلام طفت على الذاكرة كلمات لأبي، رحمة الله عليه، الأستاذ المبدل، أي مرتدي البذلة الأفرنجية، والشيخ المعمم، من قبل، خريج كلية اصول الدين عام 1964م إذ تعي الذاكرة ولن تنسى حتى يحقق الله لي أمنيتي بلقاء معه، بعد عفو عن تقصيري وخطئي في شأنه تعالى وذنوبي: سأرحل وأتركك فإنما الواحد منا يضاف لعمره حتى ينجب فإذا ما رزقه الله بأحب ما في الحياة لدى العقلاء الأبناء صار كل يوم يمر به يزيد في أعمارهم وينقص من عمره هو. وإن كنت لا أدري من أين استقى أبي هذه الكلمات، إلا أنه كان كثيراً بما يتحدث أو يكتب ما أعده فلسفة خاصة به في الحياة، ثم إنني إذ أتلقى خبر وفاة الدكتور بعيداً عن وطني، وفي مفارقات ملتبسة أمسها معلوم وغدها في علم الله تعالى، أشعر إن الغربة قد نقصت من عمري كثيراً إذ حرمتني من أحباب لم يكن في الدنيا شئ أحب إلي من لقائهم، على النحو الذي كان وإن أتفقنا وإن لم، وهل الحياة كتاب متساوي الصفحات بلون واحد حتى لا نلقى إلا الاحباب المتشابهين تماماً فيها. داهمني شعور منذ أسابيع بأني إذ أخطو لبدايات الاربعينيات من العمر فلربما كان أوان مفارقة الأحباب قد حان، وأحبابي اللصيقين لا يتجاوزون العشرة بكثير، وهؤلاء حرصت عمري على القرب منهم، ولما تعديت ثلثي العمر، فيما هو افتراضي طبقاً لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم:أعمار أمتي بين الخمسين والستين، وقد حسبت على الأكثر، وذلك في المجمل لا في المثال النادر الذي يزيد أو ينقص، وردتني نفسي لما قالت لي الكلمات التي أمدني بها الصديق المفارق لبلده مثلي محمد عيد إبراهيم المترجم المعروف والشاعر وهي (رسالة الأفراح) للأديب الراحل والمفسر سيد قطب، وقد وجهها لأخته يقول لها بأن الحياة تمضي وما ينهش الموت منها إلا نهشة بسيطة كل حين، ويالها من نهشة، وكانت الكلمات قبيل ذهابه لربه سبحانه، غفر الله له وألحقه بجنانه، فأحب أن يترفع عن الزعم بأن الدنيا ستفقد مثله، وهو من هو أتفق من اتفق معه أو اختلف ويكفيه إنه مفسر لكلمات الله على نحو أدبي فريد، كما كان مكتشف الأديب الراحل نجيب محفوظ على النحو المعروف قبل هذا. ولما جاءت وفاة رمضان ملت لاحتساب الامر نهشة من نهشات الموت ستنصرف عن احبابي ممن يضنون قلبي برحيلهم، فما لبثت الأيام أن دارت فأتت براحل آخر، أسأل الله تعالى أن يتجاوز عنه ويلحقه بجنانه، وهو الأمر الذي ثبت لدي على مدار أكثر من يوم إن العد التنازلي قد بدأ جدياً لا بمجئ الابناء فقط بل برحيل الأحباب، أيضاً، ولم أتمنى حينها إلا أن استطيع الكتابة عنهم في حياتهم كجزء من دين طوقوا عنقي بهم بحسن ظنهم في، وتلبية دعواتي لهم للقاء ولو مرة بعد مرة، واستثني من الأمر أبي، رحمة الله تعالى عليه، لمرور ذكرى وفاته بما هو معاكس لما أعرف من آية في الراحلين، بكسر النون، فقد بكيته بالدمع الثخين في ذكرى مرور ثمانية وعشرين عاماً على وفاته وسأقرنه بغاية الحياة لدى أمثالي، مما وعدت القارئ في مقالي السابق، وهي (الحياة لدي) نفس من روح الرحمن في أرواح البعض،عن أمانة الكلمة المكتوبة مقالي القادم الذي وعدت به إن طال العمر ولم يصرفني صارف، حمى الله بقية الأحباب ومتعهم بالصحة والعافية.
(2) عام 1994م هبطت القاهرة منتقلاً بوظيفتي الحكومية التي لم يكن لها مكان بقلبي، وفي يومي العاشر ذهبت لرابطة الأدب الإسلامي وهناك قرأت قصة لي من تلك النوعية التي شغفت فيها بحب(استبطان الذات وصرفه أو إلحاقه بالآخرين، في المواقف المناسبة من أصوات القصة وبخاصة بطلها ذي القدرة على التعبير عن نفسه بشدة) وكان هذا رأي الدكتور عبد الحليم بعد سماعه أول قصة، ثم ساقني لميدان عبد المنعم رياض، وهو على بعد خطوات من مبنى الشبان المسلمين حيث مقر الرابطة آنذاك بالقاهرة، كان عمر الدكتور آنذاك يزيد على الأربعين بقليل، فقد توفي منذ قرابة ثلاثة أيام، مساء الجمعة عن 61عاماً فقط، بعد رحلة من الصراع مع المرض، ولكنه كان، حين عرفته ولعله طوال حياته، شعلة من النشاط واتقاد الذهن وحيوية الأخذ والرد في أي نوع من أنواع الحوار ولو تطرق للأدب أو اللغة أو الدين أو السياسة أو المجتمع أو واقعه التعليم، وذلك في إطار جذاب من سلاسة اللغة المشافهة، والقدرة على حسم الحوار وفقاً لجدول كل لقاء من لقاءات رابطة الأدب التي لم يكن يحب أن تولى إليه، وإن كان فارسها بمشاركة الدكتور عبد المنعم يونس، أما أجمل ما كان في الدكتور عبد الحليم فهو قدرته على استنكاه، ومعرفة جوهر كل واحد من أعضاء الرابطة جيداً من خلال اللقاء الثاني أو الثالث، أما من كان يحضر صامتاً فكانت له لازمة قولية حياله تتكرر مع كل صامت لائذ بأحد أركان الغرفة التي كنا نلتقي بها: تكلم ولا تقلقنا بصمتك هذا منك، تكلم يا أخي أو تركت العاصمة الصاخبة، وركبت اتوبيساً أو تاكسياً إلينا لتشرفنا ثم تجلس صامتاً؟ وهكذا لم يكن من محيص من أن يتلكم (كل من يزور مجلسنا برأي الراحل) فإذا ما تكلم أخذه الدكتور الراحل بسلاسة للسؤال عن الأبناء (جاءوا أم لسه؟) وكان متحدثاً بالعربية في جمال لا تمله الأذن ولا تستغربه، ويكمل سؤاله للجديد عنا بالأسرة ونهاية بأساتذته، أما أستاذه هون والذي كنت لا تشك في محبته الطاغية له من الناحية الاجتماعية على الأقل فالدكتور محمد سليم العوا، ومن قبل الدكتور محمد عمارة، ومن قبل الشيخ محمد الغزالي، وكلما استمعت للمرشح المحتمل أو المفترض لرئاسة الجمهورية الدكتور العوا تذكرت الدكتور عبد الحليم كان شيئاً من أنسه في الحديث وإعصار الأفكار المرتبة، والجمل المنمقة، وعدم الاستسلام للفرضيات الاجتماعية التي كان يراها(دقة قديمة) من بعض المقولات الدارجة، والأمثال غير الحكيمة برأيه، أما وسطيته في التناول فحدث ولا حرج كان يحب القول للأصدقاء الملتحين المتواجدين معنا باجتماع الرابطة مساء كل ثلاثاء: أنتم تطبقون سنة ترقى للفرض برأي الأئمة كلهم ولكن لا تدللوا علينا فنحن نحب الله ورسوله اكثر منكم. وكانت كلماته تثير ابتسام الجميع، وكان يقطن الهرم، ويعقد مجموعات عمل من الشباب لمساعدتهم وإعداد الأبحاث تحت إشرافه فلما قال له احد الأصدقاء أكثر من مرة: يجب أن نصلي في المسجد عندما يجئ ميعاد الصلاة. اغتاظ، رحمة الله عليه، فقال في علو صوت محبب: لأفاجئنك بما لا يخطر لك ولا لشيخك على بال في المرة القادمة. أما المفاجأة فقد كانت بتحويل (الصالة) في إحدى الشقتين اللتين كان يسكنهما على الطرف الآخر من ملهى الليل بمسافة كافية للابتعاد عنه كما كان يحلو له القول، فاجأ الجميع بتحويل الردهة لمسجد بقبلة مميزة وأتى بعمال في المعمار لتنفيذ ذلك وفاجأ صديقنا بالقول: هاهنا مسجد فماذا بوسعك أن تقول؟ ومع ذلك فقد كنت شاهداً على نزوله للصلاة بمسجد الحي لمجرد إنه علم إن هناك من يؤمهم للصلاة ممن هو غير مؤهل ثم لمفاجأته من قال له بالصلاة في المسجد: نحن أغير على دين الله تعالى منك. وسبب تنفيذه المسجد في بيته بهذا الشكل، الذي عاينته، فقد علمته من صديقي الدرعمي مثله، خريج كلية دار العلوم بجامعة القاهرة لكن مع تفاوت في سنة التخرج بالطبع، الدكتور نبيل فولي، وكان يحضر للماجستير آنذاك تحت إشراف الدكتور العالم الفاضل حسن الشافعي، المدير الفني لمكتب شيخ الأزهر اليوم. أما حينما تعرف إلى صنو روحي نبيل فولي فقد شن علي حملة شعواء لما علم من الأخير إنني (أغشى) برأي الراحل بعضاً من المسارح (التجارية) برأيه، وايضاً السينمات، فكان يحلو له على مرأى ومسمع من الآخرين أن يقول لي: الإبداع يا سيدنا ليس أن تضيع الليل في المسارح والصباح في السينمات، تكتب نقداً فنياً على العين والرأس لكن أنت مؤلف حياتك ليست كلها للنقد الفني، ثم ماذا في وظيفتك الحكومية يغريك بتركها أنا عضو نقابة الصحفيين ومفكر ومؤلف رائق وأستاذ بالجامعات فلماذا تقصر الإبداع على العمل الإعلامي أو الفني، ولمن تترك موقعك لما تتركه؟ ولما لم تجد معي الكلمات كان يفاجئني متى لقيني أو هاتفني بالقول: توب يا محمد.. فلما كنت أرد على الفور: عن ماذا؟ كانت الكلمات تخرج في مزيج من الجد والهزل: لا حول ولا قوة إلا بالله الرسول، صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، وفلان لا يريد أن يتوب مرة. ومرة بعد مرة كنت أرد بهدوء: تبت إلى الله تعالى. ففاجأني بالقول: قلها من قلبك لا من أجلي.. فصرت أقول: لم أقلها لأجل أحد من قبل ولكنني أكررها الآن :تبت إلى الله تعالى من قلبي. فيردد: رغم أنف الدكتور عبد الحليم فقد يعفو الله تعالى عنك لما بك من شطط للفن . وللحقيقة فقد كان الراحل متذوقاً جيداً للفن قارئ لتاريخ حتى الغربي منه، ولست في حل من أن استشهد بما رأيت لديه، ولكنه لا يكن يحب ابتذال الفن فيما يسمى بالمسارح التجارية ودور العرض على النحو المعرف، مع إعلانه إنه محب لكل عمل فني أو أدبي أو أدبي فني، وكان يحبذ الأخير، هادف كفيلم أو مسرحية أو رواية أو شعر.. وهذه واحدة من طرفاته فقط، الكلمات السابقة، أما فيضها، فحدث ولا حرج، كان يحلو له أن يقول وهو يتبع الدوران المقابل لملهى الليل ليدور بالسيارة متجهاً لسكنه: هاهنا شريفة فاضل، ويشير للملهى الذي كان يخصها آنذاك، ثم يشير لنفسه مضيفاً وأصبعه متجه نحو ناحية سكنه، وها هنا شريف فاضل، ويزيد (ولا أريد القول وسيان ما بينهما). ولما عرفته ب نبيل ووجد فيه صمت العالم المفكر، إذ الدكتوراة الخاصة به في أحد فروع الفلسفة الإسلامية، ووجد فيه صورة مصغرة لابن العالم، ولكنه كان يحلو له أن يمازحني بخاصة لما دب الخلاف ما بيننا، وهو الأمر الذي لم أعرج عليه في مقالي هذا على أي نحو: عرفنا محمد بصديقه وكاد ييئسنا من نفسه. أو يقول: ماذا لو أن سمت نبيل كان في محمد أكانت الدنيا ستنعدل، إذا كان يلذ له في أوان المزاح أن يقر بإنها مائلة، ويضيف:( كنا سنكسب فيض حكمة نبيل وفيض إبداع محمد). كنت في ذلك الحين أحب الجهر بكلمة الحق في الوقت الذي أراه مناسباً، وكانت بعض كلماتي لا يحبها الدكتور، وإن كنت حين أخلو به كان يلاطفني قائلاً: أنت مختلف عن الآخرين حس الفن يجعلك أكثر قلقاً وتحفزاً للإبداع فلا تبتعد عن واقعنا المعاش فهو أحق بأن تكتبه كي تكون لدينا روايات ذات خصائص مميزة كإبداع نجيب الكيلاني، انظر لفيلم ليل وقضبان ، لا أرضى عنه كله، ولكن في المجمل كبداية نريد هذا الفن، احرص على تميزك واستثمره وأرح الناس على مقدار ما يحبون أن يفكروا. (3) كان يعرف كل من يدخل المكان الذي يقيم فيه وكذلك يدخله ويمد يداً بالخير أو التوصية لمن هم في موقف صعب في الوقت الذي يراه مناسباً، دعباته لا تنتهي، وآراءه يحرص على ان تكون رائقة ومنها: لو أن صلاح الدين الأيوبي قتل اسراه عقب الحروب الصليبية وكانوا سبعين ألفاً لأهلك نصف أوربا اليوم، وهاهم يجزوننا على الإحسان بفيض الإساءات. رجل الشارع العادي يجبر كارهي الدين على عدم الجهر بمعتقداته بصوت صاخب أكثر مما يفعل فهو يغير على اللإسلام بأكثر مما يخطر على بالهم، وفيما هم يحتقرونهم يجري الله على أيديهم من الخير ما لا يحسبون. نحن بحاجة للفن والإبداع ليقيم ما أعوج من حياتنا شريطة أن يجئ سائغاً للشاربين لا تقليداً لما هو سائد ولا مخاصم له. (4) عند عملي بالقناة الثقافية فكرت في عقد حلقة من المنتدى يقدمها رئيس القناة جمال الشاعر آنذاك تحت اسم: الدوران الحضاري، وهي ندوة تمتد لزيادة عن الساعة ودعوت إليها الدكاترة: محمد عمارة، سيد الشاهد، محمد سليم العوا، والراحل عبد الحليم عويس، وأذكر قبل بداية الحلقة أن انتزع ضحكات الجميع لما قال للضيفين الأول والثالث: نحن هنا على مائدة حوار فلا يستأثرن احدكم بالكلام فيأكل لحم الحلقة كله ويدع لنا الخبز بالمرق. وعقب الحلقة نزلت أودعه مع ضيوفي الآخرين وبرفقة رئيس القناة فضربني رحمة الله في كتفي مباغتاً وقال: حلقة رائعة حملت كل ما أردت قوله، وكان طرحك لها بالغ الجمال ،كل هذا يصدر منك ؟ لقد أتضح إنك على حق وإني لم انزلك منزلك، وأردف (فنان بالفعل يا محمد) كانت هذه المرة قبل الاخيرة التي ألتقيه فيها، وفي المرة الأخيرة كان العدد غفيراً وكان بعض المرض، فيما أذكر، قد تسلل لجسده فلم نتحدث كثيراً. (5) فليغفر لي الدكتور عبد الحليم عويس أن خلطت كلماتي عنه بشئ من ذكر نفسي، وهو في دار الحق ونحن في دار الباطل، ولكن هكذا حدثت الأمور، كما أتذكرها، وكما ألتقينا عليها في بدايات شارع الهرم، وفي معروف مقر الرابطة، وفي شارع طنطا حيث أقام بعد أن ترك سكنه بالهرم قائلاً: أحب مكانين إلي المحلة الكبرى،فقد ولد بإحدى قراها، وشارع(طنطا). أما ما لا استطيع أن أترك مقالي دون قوله فهو إن الراحل قد كان واسطة لي ولقرابة أكثر من عشرين كاتباً مصرياً منهم: عبد التواب يوسف، أحمد سويلم،الدكتور أحمد عمر هاشم، وخالد خلاوي وآخرين في نشر سلسلة كتب للفتيان والاطفال كانت باكورة إصدارات مكتبة العبيكان السعودية في بداية هذا القرن، وقد كان نصيبي من تللك السلاسل ثلاثة سلاسل كونت خمسة وعشرين كتاباً أسأل الله تعالى أن أجدها في ميزان حسناتي يوم ألقاه وأن يغفر لمن كان واسطتها وأصلها حتى مقر طباعتها بالمملكة.