من الملاحظ أن البرلمان القادم سيكون عبارة عن خليط من جميع التيارات الفكرية والسياسية وهذه هي طبيعة الشارع المصري خليط من هذه التيارات بل هناك تقسيمات وتنوع حتى بين المنهج الواحد فهناك تيارات ليبرالية مختلفة المنهج وتيارات دينية مختلفة الأسلوب حيث يوجد التيار السلفي والإخواني وهذا مؤشر جيد لتطبيق الديمقراطية فالبرلمان للجميع والعبرة بمن يحقق مطالب الشعب و مطالب الثورة ويساهم في حل كثير من المشكلات المزمنة في الشعب المصري وبمن يمتلك كفاءات و آليات حقيقية وخطة عمل لمواجهة المشكلات والنهوض بالمجتمع في جميع المجالات وبمن يحسن الترجيح بين الأنسب والأفضل وعلينا تقديم أصحاب الكفاءات قبل مرددي الشعارات فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يولي قيادة الجيش لأصحاب الكفاءة والأكثر خبرة في فنون القتال وكان يعين الإمارة للقادرين على متابعة أعباء الرعية والذين يتصفون بالحكمة والرحمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ولي أمر الناس ثم أغلق بابه دون المسكين والمظلوم وذي الحاجة أغلق الله تبارك وتعالى أبواب رحمته دون حاجته وفقره أفقر ما يكون إليها) والبرلمان مناخ جيد لعمل حوار مثمر وتفاعل مباشر بين هذه التيارات التي ظلت سنوات كثيرة بعيدة عن المواجهة والحوار المثمر وهو ما أنتج فجوة وخلافات في وجهات النظر ومما يميز التفاعل والحوار بين هذه التيارات هذه المرة أنه فرصة جيدة لخلق مناخ منظم للحوار تحت مظلة القانون وتحت هدف واحد وهو مصلحة الوطن وهذا بدوره سيجعل الحوار بين هذه التيارات مخصص لأمرين أولاً الاتفاق على صياغة قانون يخدم الجميع والأمر الثاني فرصة لتبادل الاقتراحات حول كيفية تحقيق التنمية وحل مشاكل المواطن البسيط وبهذا لن يكون الحوار مجرد جدال وتبادل للاتهامات التي لا تسمن ولا تغني من جوع بل سيتفق الجميع على حلول وسط تخدم الصالح العام بدلا ً من إهدار الوقت والمجهود في تبادل الاتهامات وحملات التشويه التي تمارس تجاه الإسلاميين عبر وسائل الإعلام وكنت قد اقترحت في مقال سابق بعنوان "عشرة بنود ميثاق شرف بين الشعب والحزب الفائز بالأغلبية " وهذا الميثاق حتى لا يحيد حزب الأغلبية أياً كان عن تحقيق مطالب الشعب أو تهميش الأحزاب الأخرى أو احتكار الرأي والساحة السياسية كما فعل حزب مبارك الوطني فأهلاً بالإسلاميين في العمل السياسي إذا استطاعوا تحقيق التنمية وخدمة المواطنين وحل مشاكلهم فالجميع لا يعترض على الدين في حد ذاته ولكن البعض يختلف مع بعض الإسلاميين حول بعض السلوكيات والمصطلحات في العمل السياسي وهناك أيضاً شخصيات محترمة وأفكار تنموية جيدة في الفكر الليبرالي المعتدل وتلتقي مع تعاليم الإسلام في نقاط كثيرة وأيضاً هناك نقاط خلاف أما الفكر العلماني الذي ينادي بفصل الدين عن الدولة فأنا أرفضه جملة وتفصيلاً وأعتقد أن أي إنسان مهما كان انتمائه أو ديانته لا يرضى أن يموت الفقراء جوعاً ومرضاً وأعتقد أيضاً أن قلب أي إنسان سيرق عندما يشاهد قرية كاملة تشرب مياه مختلطة بمياه الصرف الصحي وعندما يشاهد الأب الذي يتجول في الطرقات بعربة صغيره في ليالي الشتاء الباردة وفي نهار الصيف الحارق ليبيع بعض السلع ليحسن دخله ويرجع بما يكفي لضروريات حياته لأن مرتب الشركة أو المصنع الذي يعمل فيه لا يكفي احتياجاته وعندما يشاهد سيدة عجوز تحمل جراكن المياه على رأسها وتعبر بها مسافات طويلة لتملئها من المدينة المجاورة لأن قريتها لا يصل إليها الماء أعتقد أن هذه المشاهد لابد أن تتصدر مشاعرنا وأفكارنا قبل أن نتحدث عن الفائز والخاسر والمناسب والغير مناسب فالعبرة ليس بالانتماءات والتيارات ولكن العبرة بتحقيق مطالب وتلبية احتياجات الشعب فعلى مر التاريخ سقطت كثير من الشخصيات بسبب عدم تطبيق ما دعت إليه رغم أن الجميع تقبل أفكارها الأولى بالحب والترحاب ونتمنى التوفيق للجميع في هذه المهمة الصعبة