«سعد إسكندر عبد المسيح» كان هذا اسمه، ذلك الشاب الوسيم -بمقاييس عصره-، ذو الشخصية الجذابة الذى لم يتوقع أحد أن يصبح ذات يوم أكثر الأشخاص رعباً وإجراماً فى تاريخ الإسكندرية. على قصته تنطبق مقولة «ابحث عن المرأة»، فجاذبيته كانت سبباً في تعدد علاقاته النسائية، إلا أنه أحب ثلاث نساء أذقنه من العذاب كؤوساً، فكانت عقدته التي انصبت على نساء العالمين وقرر الانتقام من كل امرأة يوقعها في شباكه حتى إذا آمنته استولى على أموالها وقتلها شر قتلة. كانت أولى ضحاياه أرملة ثرية تعرف عليها في بلدته أسيوط، ونشأت بينهما علاقة عاطفية استطاع من خلالها أن يكسب قلبها وثقتها، حتى إذا استطاع أن يصل إلى أموالها ويستولى عليها كان مصيرها طعنات نافذة باغتها بها من الخلف أودت بحياتها، ثم نزح هارباً إلى الإسكندرية ليبدأ مشواراً إجرامياً هز جنبات عروس البحر. وهناك استأجر «سعد إسكندر» مخزناً صغيراً للقطن وغزل النسيج فى أحد أحياء «كرموز» الذى حوله فيما بعد إلى مسرح لجرائمه التى تعددت، ومقبرة لبعض جثث ضحاياه التعساء من الفتيات اللائى كن يقعن فى براثنه. وفي أوائل سبتمبر عام 1948 بدأ السفاح يخرج إلى العلن، ويعلن الرعب فى حى «غبريال الشعبى»، فكان المجرم الوسيم يتردد على منزل فتاة تدعى «فاطمة»، وكانت تدعي أمام الجيران أن «سعد إسكندر» شقيقها، وفى إحدى الأمسيات علم السفاح من «فاطمة» أن المنزل المجاور لها تسكن فيه السيدة «بمبة»، وهى عجوز فى التسعين، وتعيش بمفردها وحالتها ميسورة للغاية، وفى الليلة التى تليها لم يدخل «سعد إسكندر» منزل «فاطمة»، بل دخل منزل الست «بمبة»، وصعد إلى الطابق العلوى وطرق الباب، ففتحت الست «بمبة»، ظناً منها أن أحد أبنائها جاء ليطمئن عليها، ففاجأها «سعد» بوضع يده على فمها، وجرها إلى الداخل وضرب رأسها بالساطور فصرخت صرخة مدوية، فأجهز عليها بضربة ثانية، فتناثر الرأس فى كل مكان، أسرع بالاستيلاء على المال من الشقة وهم بالخروج، وعندما فتح الباب وجد أمامه فتاة تدعى «قطقوطة» تقيم فى الطابق الأرضى من المنزل، سمعت صوت الصرخة وجاءت لمعرفة السبب، فسألته عن الست «بمبة»، فأجابها: «اطمئنى إنها تصلى فى الداخل»، وأشار إليها بالدخول، وما إن تخطت عتبة الباب وأدارت ظهرها له حتى هوى على رأسها بالساطور، فسقطت على الفور غارقة فى دمائها، وهرب السفاح من المنزل دون أن يراه أحد. وعندما عاد أحد أبناء السيدة «بمبة» إلى المنزل وجد أمه وقد تناثر رأسها ، بينما كانت «قطقوطة» غارقة في دمائها، فنقلت الأخيرة إلى المستشفى، واستطاع الأطباء إنقاذها بأعجوبة لتروى ما حدث لرجال المباحث، مؤكدة أن القاتل شاب رأته من قبل يتردد على منزل جارتها «فاطمة» وأغلب الظن أنه شقيقها، فألقت الشرطة القبض على شقيق «فاطمة»، وتم عرضه على «قطقوطة» فلم تتعرف عليه، فاستجوب رجال الشرطة «فاطمة» عن الشاب الذى كان يتردد عليها، فاعترفت بأنه «سعد إسكندر تاجر الغزل»، فألقت الشرطة القبض على «سعد » داخل مخزنه، وهو مطمئن ألا أحد يعلم بأمر جريمته، ولا يعلم أن قطقوطة كتب لها عمر جديد. إلا أن محامى «سعد» استغل التناقض الذى ورد على لسان «قطقوطة»، وأقنع القضاة بعدم وجود مبرر لإيقافه على ذمة القضية، وبالفعل تم الإفراج عنه مؤقتاً بضمانة مالية، واختفى «سعد إسكندر» لعامين كاملين، حتى كاد الناس ينسوه تماماً، ولكنه لم يكف عن جرائمه، ففى أكتوبر 1951 استأجر «سعد» شونة على ترعة المحمودية لتخزين الغلال وخيوط النسيج، وشاء القدر أن يمر من أمام الشونة تاجر أقمشة متجول ببضاعته على عربة خشب، فاستدعاه «سعد» للداخل بحجة أنه يمتلك خيوط غزل، دخل الضحية وجلس على الكرسى وأعطاه سعد الخيوط لكى يفحصها، وعندما أحنى تاجر الأقمشة رأسه ليفحص الخيوط هوى سعد بساطوره الثقيل على رقبته، وكانت ضربة كافية لتجعل الرأس يتدحرج بعيداً عن الجسد، ثم دفنه فى أرض الشونة. وفى نوفمبر 1951 كان موعد السفاح مع آخر ضحاياه تاجر الحبوب الذى استطاع الإفلات منه، وهو مصاب بجرح نافذ، وركض محاولاً الهرب إلى الصالة غير المغطاة خارج الشونة، فأسرع السفاح خلفه وأجهز عليه، لكن أحد العمال رأى ما حدث، وهو راقد فوق سيارة نقل مرت بالمصادفة أمام الشونة فى ذلك الوقت، فأبلغ العامل الشرطة عما رأى، فأسرع البوليس إلى المكان، ووجدوا الضحية رجلاً مضرجاً بدمائه فى أرض الشونة، واختفى السفاح، وعثر رجال الشرطة على حفرة غريبة فى الأرض، وحين حفر الرجال وجدوا جثة متعفنة وعظاماً آدمية، ومنذ تلك اللحظة أطلقت الصحافة عليه لقب «سفاح كرموز»، واحتل جميع العناوين فى الصحف والمجلات. وبعد أن افتضح أمره فكر في أن يعود إلى بلده، ليختبئ هناك عن عيون الشرطة، ولكن كان القدر بانتظاره، فعلى مشارف مسقط رأسه «أسيوط» كان هناك كمين شرطة برئاسة الملازم «فخرى عبدالملك»، يقوم بتفتيش روتينى على السيارات، فاستوقف الملازم أتوبيس الركاب الذى كان يستقله «سعد إسكندر»، فرأى شاباً ملامحه ليست غريبة، فباغته بالسؤال عن اسمه، فأجاب السفاح مرتبكاً: «اسمى جورج عبدالسلام»، أعاد الضابط السؤال بحدة: «ما اسمك»، فأجاب السفاح بارتباك أكثر «اسمى جورج عبد الملك»، هنا انتبه الضابط إلى اختلاف الإجابة، فترك الضابط سائر الركاب، وحدق إلى محدثه جيداً، ثم وضع يده على كتفه بعنف صائحاً: «أنت سعد إسكندر» سفاح كرموز، وألقى القبض عليه فوراً، وتم نقله إلى الإسكندرية لاستكمال التحقيقات معه. يوم الأحد 25 فبراير 1953، دلف المتهم «سعد إسكندر» إلى حجرة الإعدام فى سجن الحضرة بالإسكندرية، ليمثل أمام لجنة تنفيذ الأحكام الموكلة بتنفيذ الحكم، وعند سؤاله إذا كان يريد شيئاً قبل الإعدام أجاب: «كوب ماء وسيجارة».