«منهوبة يا مصر يا أرض المحن «مع اعتذارى لوديع الصافى وأغنيته الرائعة عظيمة يا مصر يا أرض النعم، ولكن القافية حكمت وانا اتابع الحشد الهائل من الوزارت فى التشكيل الجديد، و.. «زغردى ياللى انتى مش غرمانة»، أصبح عندنا الآن 32 وزارة منهما 5 وزارات جديدة هى : التأمينات والشئون الاجتماعية، وزارة الآثار، التموين والتجارة الداخلية، الشباب والرياضة، ووزارة رعاية مصابى وأسر شهداء الثورة. يا نهار مش أبيض وأى لون تانى 32 وزارة، للمرور بمصر من عنق الزجاجة فى تلك المرحلة السياسية الانتقالية، المرحلة التى تئن فيها مصر من الحالة الاقتصادية، وتكاد بنوكنا الوطنية وبورصتنا تركع على ركبتيها شكرا لانها لا تزال تعمل وتدور بها حركة المال والاعمال، وتكاد موازنة الدولة تربط الحزام الحديدى على بطونها وبطون كل المصريين الغلابة تقشفا، بسبب تراكم الديون الداخلية والخارجية، والعجز عن استرداد اموال مصر المنهوبة بالخارج، وتعطل عجلة الانتاج مع الاضرابات والاعتصامات وقطع الطرقات، فيما يسير الاستثمار متعثرا على قدم واحدة، كل هذا وأصبح لدينا الآن 32 وزارة. وما أدراك ما الوزارة، فى العهد اللامبارك، كانت الوزارة الواحدة تكلف الدولة قرابة 250 مليون جنيه فى العام، وكان هناك وفقا للتقارير اكثر من 26 ألف مستشار فى هذه الوزارات، يتقاضون مكافآت شهرية تصل إلى 100 مليون جنيه، أى ما يعادل مليارا و200 ألف جنيه سنويا، وكان الساده المستشارون غالبا من أقارب وأصحاب وأحباب الوزراء، ناهيك عن السكرتارية، حسناوات ورجالا، وبلغت اجور بعض السكرتارية 36 ألف جنيه شهريا، وكانت الوزاره الواحدة تضم أكثر من 30 سكرتيرا، واكثر من 20 مستشارا، بجانب تعدد مكاتب الوزير، والنفقات الباهظة لتجديد المكاتب والديكورات، وإضفاء اللمسات الشخصية لكل وزير يستجد بالمنصب، وبلغت تكية انفاقات الوزارات 5 و8 مليارات جنيه فى العام. أما فى عهد الثورة المبارك، فلم نعرف بعد تكلفة الانفاقات لهذه الوزارات، والتى ستكشف عنها الأيام القادمة، وهى بلا شك انفاقات لن تقل بكثير عن العهد البائد، فلم يتم بالطبع خفض رواتب الوزراء، كما لن يستغنى أى وزير عن عدد لا بأس به من المسشارين والسكرتارية والسعاه، ولنا ان نحصى بالتقريب كم ستتكبد موازنة الدولة فى العهد الحالى مع هذا الزخم والتعددية الوزارية التى اعتقد السيد الجنزورى أنها تعددية سياسية فى مصر الجديدة، مصر التى نأمل أن تصبح بالفعل دولة التعددية السياسية ودولة المؤسسات. وأتساءل مع غيرى، هل تحتاج مصر فعلا هذا العدد من الوزارات، وهل يجب اضافة مزيد من اعباء الانفاق الحكومى على كاهل الدولة، خصوصاً ان كثيرا من الوزارات ليست منتجة، أى لن يكون عملها مصدرا لادرار مزيد من الدخل، وهل من الضرورى انشاء وزارة لمصابى وشهداء الثورة، إذا كان السيد الجنزورى يرغب فى ترضية الثوار والتقرب منهم، كان يمكنه تشكيل لجنة تختص بمصابى وشهداء الثورة تحت عباءة وزارة الشئون الاجتماعية، وأنبه هنا إلى ضرورة توجيه وزارة الشئون الاجتماعية الى تفعيل المشروعات التى قتلها عهد مبارك، كالأسر المنتجة، لتشغيل سيدات البيوت والتوسع فى إعداد الأيدى المنتجة، لمحاربة الفقر، وتخفيف الاعباء المالية الملقاة على كاهل الدولة. فى تلك المرحلة الانتقالية الصعبة، كنا ننتظر دمج وزارات فى بعضها، وتحميل الحقائب الوزارية لبعض الوزارات الأخرى، وهو تقليد تنتهجه أكبر الدول المتقدمة اقتصاديا والدول الديمقراطية فى مراحل الحكومات الانتقالية، فبلجيكا على سبيل المثال عاشت 17 شهرا كمرحلة انتقالية منذ إجراء الانتخابات البرلمانية بسبب الخلافات السياسية، وقامت الحكومة الانتقالية بدمج وزارات بعضها داخل البعض، ترشيدا للانفاق الحكومى، ويساعد على ذلك وجود سياسيات واضحة رباعية أو خماسية بكل وزارة، أى ان أى شخص سيتولى الحقيبة الوزارية ليس عليه إلا ان ينفذ السياسية الموضوعة سلفا، ولا يقوم بالفتوى بتغيير تلك السياسة وتعديلها وفقا لشخصيته وأهوائه كما يحدث فى مصر، والتى تتغير بها سياسة وخطط كل وزاره مع قدوم الوزير الجديد، وكأن كلا منهم يريد ان يثبت انه الأصوب وسلفه خطأ، وتختفى فى كل هذه سياسيات الوزارات الواضحة وسياسة الدولة. فى اعتقادى ان أول خطأ ارتكبه الجنزورى فى حق الشعب هو المجئ بهذا الزخم الوزارى، وإضافة مزيداً من الأعباء على الدولة بسبب نفقات هذه الوزارات، فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى توفير كل جنيه وفى مقدمتها ترشيد الانفاق بل قل البذح الحكومى الهائل.