أصبح من شبه الراسخ في الذهنية المعرفية الحديثة أن ثمة فارق بين اليهودي بشكل عام والصهيوني الإسرائيلي، هذا الفارق يؤكد بجلاء أن الصراع العربي الإسرائيلي ليس صراعًا دينيًا، وإنما صراع وجود على أرض ومصالح وثروات ومكتسبات، اتخذ من الدين قناعًا. وتضم المكتبة العربية الكثير من العناوين الموضحة للفوارق بين اليهودية والصهيونية، نذكر منها الدراسة الرائعة لعبقري مصر الدكتور جمال حمدان والمعنونة ب"اليهود أنثروبولوجيا"، والتي فند فيها المقولات القائلة بنسب يهود الكيان الصهيوني لبني إسرائيل، الذين عاشوا في شبه الجزيرة العربية. بالإضافة إلى العديد من الدراسات، منها: "الصهيونية غير اليهودية" لريجينا الشريف، و"مقدمةٌ لدراسة الصراع العربي- الإسرائيلي: جذورُه ومسارُه ومستقبُله"، "الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى"، "من هو اليهودي؟"، "الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" للدكتور عبد الوهاب المسيري. ومن ثم لا يجد البعض إشكالية في التعامل بكافة الأشكال مع اليهود من غير الإسرائيليين، وانطلاقًا من هذا المبدأ قام الباحث الفلسطيني والقيادي السابق بحركة فتح مصطفى الحسيني بتأليف وترجمة كتاب "حيرة عربي.. وحيرة يهودي" والذي صدرت طبعته الثانية عن دار العين، بعدما طبعت منذ سنوات دار الهلال الطبعة الأولى للكتاب. والدافع لنشر الطبعة الثانية هي المتغيرات الدولية التي طرأت في العشر سنوات الأخيرة؛ والمؤلف قطعا لا يؤمن بالتطبيع، ورغم ذلك لا يعتبر الحوار مع العدو تطبيعًا ولكنه بمثابة وسيلة لكشف نواياه, والمهم أن يكون هناك هدف سياسي نسعى لتحقيقه ونحن في مركز القوة. يتكون الكتاب من قسمين: الأول "حيرة عربي"، ويضم توثيقًا لمقالات كتبها الحسيني في أوقات مختلفة حول القضية الفلسطينية، وسبل التعامل معها ولهذا التوثيق غرضان؛ وضع المقالات في سياق بعض التفكير العربي في تلك القضية، التي شغلت حياتنا السياسية، بل حيزًا غير قليل من مجريات حياتنا العادية على مدى ما يزيد من نصف قرن ومازالت. وإظهار حيرة المؤلف نفسه حيالها، وقد شغلت من حياته واهتمامه ردحا وقسما غير قليلين. وهي حيرة يعتقد المؤلف في أنها شاملة لا تخصه وحده. والقسم الثاني: هو ترجمة المؤلف لكتاب صغير للمفكر الماركسي البولندي الأصل بريطاني الجنسية "إيزاك دويتشر"، عنوانه "اليهودي اللا يهودي" نشر سنة 1970، بعد وفاته في أواخر العام 1967؛ حيث يعرض لما عاناه ذلك المفكر من حيرة بين أمانة حسه الإنساني، وما اضافت إليه ثقافته العميقة من ناحية، وبين يهوديته التي لم تنجُ تماما من الظلال الكئيبة للمحرقة النازية الألمانية لليهود إبان الحرب العالمية الثانية، ومن الابتزاز الوحشي للعالم كله، إنما لليهود بالذات استغلالا لتلك المحرقة. لهذا الغرض أضاف المؤلف إلى الكتاب فصولا ترصد تلك المعالم، وتجتهد حيالها بالتحليل، كما ألحق به نص "مشروعين" لمعالجة المسألة الفلسطينية، أرفقهما ب"البيان" المعنون ب"من التسوية إلى إعادة توحيد فلسطين". عنوان أول المشروعين المذكورين يدل على تاريخ نشره، "تصور لبيان فلسطيني في مؤتمر السلام" مدريد 1991. أما الثاني فعنوانه "نحو مؤتمر دستوري لفلسطين"، وقد نشر في صحيفة الأهرام، في ربيع 1997، ويرى المؤلف أن ما ورد فيها من أفكار، مازال يستحق تقليب الفكر والنظر.