بعدما حدث في الأوانة الأخيرة بشأن الطلب العربي لإعلان دولة فلسطين والانضمام للأمم المتحدة وما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية بالتهديد والوعيد وإشهار حق الفيتو ضده، وأيضا بعد تهديدها لمنظة اليونسكو علي لسان وزيرة خارجيتها بتقليص تمويل المنظمة إذا أيدت سعي فلسطين إلي نيل صفة دولة مستقلة، لا أجد في أبجديات اللغة أكثر تعبيرا للإيصال من هذا العنوان الذي عنونت به المقال، فما يحدث من الجانب الأمريكي لا يدع مجالا للشك بأنها لا يعنيها في المنطقة سوي الدولة الصهيونية، وأنها تكذب علي نفسها عندما تدعي رعايتها للسلام، لأن الحقيقة ظاهرة جلية للعيان. فمنذ عام 48 حتي الآن والإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تخفي ولاءها للعنصرية الصهيونية، ولا تخفي كرهها لكل ما هو عربي - وإن كان البعض يعزو ذلك للمصالح لا للكره - وهذا لم يعد مطاقا في الآونة الأخيرة لا سيما ونحن في ربيع الثورات العربية التي قوبلت ببرود وميوعه من أمريكا، ولم تحزم أمرها إلا بعد تأكدها من احتراق كروت عملائها، ومن ثم ركبت موجة المد الثوري العربي. المهم؛ فتاريخ الفيتو الأمريكي تجاه العرب لا يخفي علي أحد؛ ولكننا ننسي ونتغلب علي مشاكلنا بالنسيان لا المواجهة.. لذا آليت علي نفسي تقليب دفاتر السياسة الأمريكية تجاه العرب وطرحها في عدة مقالات.. واليوم أبسط أمام القارئ العربي الحر بعض استهزاءات أمريكا بالعرب والمجتمع العالمي، وتسلطها باستخدام صولجان السخرة؛ حق (وليس هو بحق) الفيتو، في عالم تحرر من استعماره وأبي فرض الوصاية. الفيتو الأمريكي استخدم أكثر من ثمانين مرة لإفشال مشاريع قرارات تدين إسرائيل في مجلس الأمن تتعلق بالقضية الفلسطينية والأراضي العربية. ومن أبرز استخدامات الفيتو الأمريكي ضد العرب كان في يونيو 67 عندما اعترضت علي القرار الدولي الذي قضي بانسحاب القوات المتحاربة الي خطوط الهدنة السابقة. في عام 1973 اعترضت الولاياتالمتحدة علي مشروع قرار تقدمت به عدد من الدول يؤكد حق الفلسطينيين في الأرض ويطالب الاحتلال بالانسحاب منها وفي عام 1980 اجهضت مشروع قرار تقدمت به تونس نص علي حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه المشروعة وفي عام 1982 استخدمت الولاياتالمتحدة الفيتو أربع مرات، ضد مشروع قرار عربي بإدانة حادث الهجوم علي المسجد الأقصي، ومشروع قرار بمعاقبة الصهاينة علي ضمها الجولان دون وجه حق، ومشروع قرار فرنسي بسبب اجتياحهم للبنان، وعرقلت قرار يدين الصهاينة جراء سياستهم التصعيدية في لبنان وصوتت في عام 1983 ضد قرار يستنكر مذابح الاحتلال بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا بلبنان. وفي عام 84 حال الفيتو الأمريكي دون صدور قرار دعا إلي التأكيد علي تطبيق نصوص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 49 في الأراضي اللبنانية التي احتلها الصهاينة في عامي 78، 82 أما في عام 1986 فكان فيتو أمريكي جديد ضد مشروع قانون لمجلس الأمن يدين انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحرمة المسجد الأقصي ويرفض مزاعمه باعتبار القدس عاصمة له، وفي عام 1988 اعترضت الولاياتالمتحدة بالفيتو علي قرار يستنكر سياسة القبضة الحديدية وتكسير عظام الأطفال الذين يرمون الحجارة خلال الانتفاضة الأولي. وفي عام 1995 فشل مجلس الأمن بالتواصل إلي قرار يطالب الاحتلال بوقف قراراته بمصادرة الاحتلال لأراضي الفلسطينيين في شرق القدس ووقف الأنشطة الاستيطانية فيها. وحتي أن الولاياتالمتحدة استخدمت الفيتو في عام 2003 ضد مشروع قرار لحماية رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات عقب قرار الكنيست الإسرائيلي بالتخلص منه وفيتو أمريكي آخر في نفس العام ضد قرار يطالب بإزالة جدار الفصل العنصري الذي يقيمه الاحتلال ويقطع الأراضي الفلسطينية وينتهك حقوق الفلسطينيين، وفي عام 2004 صوتت الولاياتالمتحدة لإسقاط مشروع قرار يدين الاحتلال لاغتياله أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية حماس واغتياله عبدالعزيز الرنتيسي القيادي في الحركة، وفي عام 2006 فشل مجلس الأمن في تبني قرار يطالب بإطلاق سراح الأسري الفلسطينيين في سجون الاحتلال ووقف الحصار الإسرائيلي وتوغل قوات الاحتلال في قطاع غزة وذلك بسبب تصويت الولاياتالمتحدة ضد القرار. وغيرها من القرارات و(الفيتوهات) التي تشعرنا بأن مجلس الأمن لا حول له ولا قوة إلا علي العرب، وما مجلس الأمن هذا إلا حيلة وغطاء تمارس به الدول الدول القوية سياستها لفرض النفوذ والسيطرة ولكن بطريقة حضارية تناسب عصر الألفية. ولتعلم الإدارة الأمريكية أن في أيدينا الكثير من المقومات الرادعة لتغيير سياستها تجاهنا وعليها مراجعة حساباتها جيداً إذا كانت تضع مصالحها في المقام الأول، لا الصهيونية، التي باتت تدير شئون أمريكا حسب سياسة مرسومة لا يحيد عنها حاكم حتي لو جاء عربيا متأسلماً.