«لقد انتهى الزمن الذى كانت الزعامة فيه تعنى العضلات.. الزعامة الآن تعنى التجاوب مع الناس».. أنها مقولة شهيرة أطلقتها السيدة الفولاذية التى غلبت شيطان الشر والفقر والتفكك فى بلادها، ونجحت فى النهوض بالهند وإحراز تطور فى مختلف المجالات بتلك الدولة الكبيرة من خلال منصبها كرئيسة وزراء على مدى ثلاث فترات متتالية (1966-1977) وفى الفترة الرابعة (1980-1984)، اغتالها رصاص التطرف الدينى الذى كانت سبباً فى تفجيره فى 31 أكتوبر 1984، فلقيت حتفها على يد أحد المتطرفين السيخ، أنها أنديرا غاندى، ثانى سيدة تشغل منصب «رئيسة وزراء» فى العالم بعد «سيريمافو باندرانايكا» فى سريلانكا، لتثبت أن المرأة قادرة على شغل كل المناصب. ولدت أنديرا غاندى فى 19 نوفمبر 1917 بمدينة الله آباد وكانت الطفلة الوحيدة لجواهر لال نهرو أهم قادة الكفاح ضد المستعمر فى الهند وأول رئيس وزراء بعد استقلال بلاده، تلّقت تعليمها فى بون، وشانتينى كيتان وفى المدارس السويسرية، والإنجليزية، وبدأت تجربتها السياسية وهى مراهقة من خلال عضويتها فى جناح الشباب من حزب العمّال البريطانى، فيما ساهم والدها وجدها بشكل كبير فى تشكيل شخصيتها السياسية من خلال انخراطهما فى كفاح الهند من أجل الحرية، وعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها نظّمت جيشاً من القردة جعلت منه رمزاً لهدفها فى القتال من أجل استقلال بلدها، وانتسبت إلى حزب المؤتمر الهندى عام 1939م، وفى عام 1942 تزوجت من فيروز غاندى الذى غير اسمه من «فيروز خان» وكان صحفيًا، ومن أتباع الديانة البارسية الزرداشية وأنجبت منه ولدين، وقد ألح عليها والدها نهرو لتحمل عبء الحكم، وبخاصة بعد موت زوجته التى كان يخطط لها كى ترث الحكم بعده، لكنها رفضت، وفى عام 1966 عندما مات رئيس الوزراء لال باهادور شاشترى خليفة والدها نهرو، فقرّر حزب المؤتمر الحاكم تعيينها رئيسة للوزراء كأول امرأة فى هذا المنصب بالهند. تميز عهدها بإنجازات عظيمة لبلدها؛ فى مجال تأميم البنوك وبرنامجها المؤلف من عشرين بندًا لانتشال الفقراء كان أخطرها تعقيم الرجال ضد الانجاب لمواجهة خطر الزيادة السكانية؛ كما بنت جيشًا قويًا، وتمكنت من إنتاج القنبلة النووية الهندوسية، وجعلت جميع جيران الهند يخشون بأسها، وفى عام 1971م، قامت بغزو باكستانالشرقية، وأقامت فيها دولة بنجلاديش، وأحرزت أول نصر ضد باكستان، هذا بجانب ترؤسها لحركة عدم الانحياز، كما أضفت نوعًا جديدًا من النشاط على السياسة الدولية بدفاعها عن البلدان الفقيرة والمتخلفة فى العالم، وكانت من المكافحين لتحقيق السلام العالمى أيضًا. استمرت الأمور طيبة حتى عام 1975م حين انتشرت روائح الفضائح، وأعلنت المحكمة العليا فى مدينة الله آباد أن انتخابات تعرّضت للتزوير، وطالبت المحكمة أنديرا بالاستقالة لكنها كانت تمهّد لولدها سانجاى ليكون وريثها فى الحكم، فأعلنت حالة الطوارئ بدل أن تقدم استقالتها، واعتقلت ألوف الخصوم السياسيين، وعلّقت الحقوق المدنية، وفرضت الرقابة على الصحف، وبدأت حكمًا دكتاتوريًا، وكان هذا بداية لخسارتها الانتخابات، وفوز حزب جاناتا، فقام رئيس الوزراء الجديد بإلغاء حالة الطوارئ، ثم تنحّى عام 1980م، وعادت أنديرا لتصبح رئيسة الوزراء من جديد، وفى تلك السنة لقى ولده سانجاى مصرعه، سقطت به طائرته الصغيرة الخاصة، وكانت ضربة قاسية لأحلام أنديرا فى الاستمرار والبقاء على كرسى الحكم وممارستها سياسة القبضة الحديدية تجاه الطوائف الأخرى فى الهند، وبخاصة طائفة السيخ، وكان تمييزها الطائفى الرصاصة التى انطلقت لتقضى عليها وذلك عقب إضرابات واعتصامات شنها السيخ اعتراضاً على سياستها ضدهم، واقتحام الجيش لمعابدهم ومقتل 500 من السيخ، فكان رد تلك الطائفة قيام أحد حراسها الخاصين المنتمين للسيخ بإطلاق الرصاص عليها، وهى التى ولم يخطر فى بالها أن تعزل أحداً من السيخ المتواجدين من ضمن حرسها الخاص لشعورها بمحبتهم لها، لكن سياستها الديكتاتورية وقهرها لطائفة السيخ حركت رصاص الغدر ليقضى عليها.