أمام أقفاص فاكهته جلس في مواجهة قصر السكاكيني يرقب حالة الهدوء والصمت في حزن.. سياج من الحواجز الحديدية يحيط ب«تحفة» الضاهر وقبلة الاصالة المعمارية كأنها الاغلال تقيد التاريخ، أو كفوف العبث والاهمال تكتم أنفاس الذكريات التي سمع عنها من آبائه وأجداده من سكان الحي العريق في قلب المحروسة. «عبدالله» يعيش حالة عشق مع القصر الذي ولد في رحابه رغم فقر أسرته إلا أن المبني الاسطوري الفخم يخلق شعوراً لدي أهالي الحي الشعبي بالرقي والعظمة.. «عبدالله» بائع فاكهة من أهل السكاكيني. منذ طفولته يبيع مع أبيه الفاكهة بجوار قصر السكاكيني الي أن أجبرته الحكومة علي ترك مكانه بحجة انه يشوه الشكل الحضاري للقصر. قال «عبدالله» في أسي وحزن واضح: قلنا وماله هيهتموا بالقصر وينضفوه ويحولوه متحف الناس تزوره، لكن كل اللي حصل انهم قفلوه وسايبينه متكسر من سنين طويلة وبتوع وزارة الثقافة قاعدين فيه وعاملينه سبوبة يصوروا فيه الاغاني والافلام وأهل المنطقة ما يقدروش يقربوا منه. وأشارالرجل الي أن أهل الضاهر كلهم يعتبرون القصر جزءا منهم ويعرفون تاريخ صاحبه حبيب السكاكيني جيداً وهو راجل كبير من بتوع زمان، علي حد تعبيره، وهو صاحب فكرة محاربة الفئران في منطقة قناة السويس بالقطط وهو الامر الذي أعجب الفرنسي «دليسيبس» جداً وبالتالي الخديو صديقه الذي كافأ «السكاكيني» بمنح وعطايا كثيرة وحصل علي الباشوية، ويقال انه يهودي شامي واشتري منطقة السكاكيني وأصبحت معظمها ملكه وكان غنيا جداً واشتري أراضي عديدة في غمرة والقناطر وكان الاهالي يحبونه ويعتبرونه منهم لأنه جعل المنطقة كأنها قطعة من أوروبا. وبحسرة تحدث عاشق «السكاكيني» قائلاً أنا صحيح بياع فاكهة لكن أقدر الجمال وعارف قيمة القصر وكنت أنضف مكاني علي طول انما المشكلة ان القصر مقفول من سنين طويلة وما حدش عارف قيمته والتماثيل متكفنة ومكسرة والباشا كان طابع راسه علي الجدران ولما كنا ندخله كنا نتعجب من الجمال والخامات الغالية من رخام ولوحات مدهبة وكان فيه أثاث ما نعرفش راح فين؟ وبنفس الحسرة تحدث معنا محمود أحد شباب الحي قائلاً: القصر من أعظم وأروع القصور في القاهرة وبناه حبيب جبرائيل أنطون إلياس والسكاكيني لقب أبوه: وبناه عام 1897 وهذا مدون علي القصر، وقد سبق وقام شباب الضاهر بحملة للحفاظ علي هذا الاثر الذي يكاد يختفي وسط المباني المتهالكة في ميدان السكاكيني وهو مسجل برقم 647 أثر بقرار رئيس مجلس الوزراء وبناه «السكاكيني» على الطراز الإيطالي، عن طريق شركة إيطالية كلفها حبيب باشا السكاكيني، ليكون نسخة من القصر الذي شاهده في إيطاليا ووقع في غرامه، واختار لقصره موقعاً جذاباً يشع منه 8 طرق رئيسية، وبالتالي أصبح القصر نقطة مركزية في المنطقة ولم يكن الحصول على مثل هذا الموقع سهلاً في ذلك الوقت لكن علاقة «السكاكيني» باشا مع «الخديو» سهلت المهمة، وهو تحفة يظهر فيها التصميم الأوروبي حرف (S) أول حرف من اسم «السكاكيني» باشا بالإنجليزية، والقصر بقبة مخروطية الشكل وبتصميمه البيزنطي المنتمي للعصور الوسطى، ومبني علي مساحة 2698 مترا مربعا، وكل شباب الضاهر يحفظون تصميمه ويعتبرونه جزءا أساسيا في حياتهم ويتمنون أن يفتح للجماهير وبه حديقة محاطة بسور يطل عليها تمثال نصفى لحبيب باشا السكاكيني صاحب القصر، بجانب تماثيل وزخارف، وأسقف رائعة ونوافذ وجدران مرصعة بالزجاج الملون الذي احتفظ بألوانه الزاهية الي الآن، كما أن أشجار الحديقة شبه ميتة، ومن أهم معالمه تمثالان كبيران على هيئة أسد، مسهما الاهمال ولو أن أعمال الترميمات مستمرة لكن كل ما نرجوه أن تنتهى ويفتح القصر للناس ليستمتعوا بجمال المباني والتحف ويترحموا علي هذا الزمن الرائع. ويقال إن الارض التى بني عليها القصر كانت بركة تسمى قرجا التركمانى وهو أحد أمراء المماليك الذى وهب الارض من السلطان الناصر محمد بن قلاوون فى القرن الثالث عشر ليحصل عليها حبيب باشا عن طريق مزاد رسا عليه ويعتقد انه كان هناك بعض التسهيلات من «الخديو» لحصوله على الارض وتوجد حجة صادرة من محكمة مصر المختلطة مؤرخة بالعاشر من يونية سنة 1880 تثبت ملكية الباشا للارض عن طريق المزاد وقام «السكاكيني» بتجفيف البركة وتأهيل الارض ورصف الشوارع حول المكان الذى اختير لبناء القصر ومن حوله ثمانية شوارع كلها تؤدى اليه وسميت المنطقة على اسم «السكاكينى» باشا.