قلة من موظفى المحاكم تسعى إلى الاستفادة من موقعها الوظيفى، فنجد بعضهم يتقاضى الإكراميات والرشاوى، ويفرض سطوته على الضعفاء، ويناصرهم فى ذلك بعض ضعاف النفوس من محامى «بئر السلم». ألاعيبهم القانونية تكون لصالح الطرف الأقوى، مما نجم عنه زيادة المشاكل وكثرة القضايا بالمحاكم، التى تزداد تعقيداً، وأعطى الفرصة لظهور فساد الذمم وانتشار كل أنواع التجاوزات القانونية.. وفى النهاية المواطن البسيط يظل ضحية الفوضى المستمرة! والمؤسف أن هذه الدراما السوداء تنتشر.. فوضى وتخبط.. وتلاعب بالقوانين.. وابتزاز.. وعدم انسياب فى أداء الخدمات العامة. والأسوأ من ذلك أن محضرى وزارة العدل تناسوا أن مثل هذه الأفعال اللاإنسانية تضر بحقوق الأبرياء، وتهدر العدل الذى هو أساس القانون، حتى صار قلم المحضرين.. آفة النظام القضائى.. مثلما أكد تقرير صادر عن المركز العربى للنزاهة والشفافية، خلال عام 2015، بعنوان: «مقياس الرشوة المصرى». «زنانيرى».. أم الكوارث فى «زنانيرى»، المشهد العام سيئ للغاية، مكتب المحضرين عبارة عن غرفتين مكتب للتوثيق يخدم دائرة شمال القاهرة، والمكتب الآخر ببدروم المحكمة، ولا توجد مصادر للتهوية. ولضيق المساحة وضعف الإمكانيات، تكثر التعقيدات وتتكدس القضايا، وعذاب لا ينتهى على أبواب المحاكم. التقينا عددًا من محضرى وزارة العدل، أولهم (ل. ع) حاصل على دبلوم تجارة «57 عاماً»، ويعمل محضر تنفيذ، قال: «المكتب يستقبل 20 ألف دعوى قضائية شهرياً، منها 1000 حكم قضائى واجب النفاذ، ويقوم المحضر الواحد بالإعلان عن قرابة 400 دعوى يومياً، مما يؤثر على كفاءته فى العمل، والمدهش أن مبلغ 2 جنيه هو بدل الانتقال عن الإعلان الواحد، فى حين يتكلف المشوار الواحد 30 جنيهاً، ورواتب حديثى التخرج 2000 جنيه، بينما كبير المحضرين يصل راتبه لمبلغ 5000 جنيه. وأضاف: لدينا 22 موظفًا، منهم 4 محضرين تنفيذ، و5 محضرين معلنين، يتعاملون مع 4 آلاف سجل مدونة به الأوراق الرسمية عن كافة قضايا الأحوال الشخصية التابعة لمحكمة شمال القاهرة. والتقط طرف الحديث (م. ص) «43 عاماً»، ويعمل محضر إعلان، قائلاً: عملنا يبدأ منذ الساعة 8٫5 صباحًا حتى الساعة الرابعة عصراً، ونعتمد على الأتوبيسات الحكومية للانتقال من عنوان لآخر، مما يجعلنا نضطر إلى توصيل باقى إعلانات القضايا أو تحصيل الغرامات إلى أقسام الشرطة فى المناطق المذكورة لتسليمها لأصحابها، كما لا يوجد بدل مخاطر، لذا نطالب المسئولين بالنظر إلى أوضاعنا المالية المتردية، والعمل على إصلاحها. حماية قانونية يقول المستشار عبدالله الباجا، رئيس محكمة استئناف القاهرة، إن محضرى وزارة العدل من أهم الجهات المعاونة للقضاء، ولكن هناك تجاوزات مقصودة تصدر عن معظمهم، إما عن طريق تسجيل قيامهم بإعلان الخصوم دون أن يعلنوهم فعلياً، أو يتعمدوا إرسال الإعلان عن بعد موعد الجلسة، أو الادعاء بانتقال المحضر للعنوان المذكور فى الإعلان، ولم يتم تسليمه، وهو لا يعلم إلا بعد فوات الأوان، وبذلك يسجلون الإعلان فى الأوراق المعتمدة، مما يتسبب عنه تأخر الفصل فى نظر القضايا، وبطء إجراءات التقاضى الذى قد يمتد لأعوام طويلة. وفى النهاية، يصدر القاضى حكمه وفقًا لما لديه من أوراق رسمية، ليفاجأ المشكو فى حقه بصدور أحكام ضده لا يعلم شيئًا عن مجرياتها القانونية، لأنه لم يعلن بالقضية إلا بعد موعد الجلسة، ومن ثم يضيع حق الأبرياء. وأشار إلى أن غالبية المحضرين ينقصهم التأهيل الكافى والخبرة اللازمة من أجل العمل فى هذه المهنة، التى لا تستهلك الكثير من الوقت والجهد مقابل إتمام الإجراءات، وأضاف: نحن تحدثنا كثيرًا عن أهمية تبسيط الإجراءات ورفع كفاءة تقديم الخدمات للمواطنين، عن طريق إدخال النظام المعلوماتى فى عمل المحاكم والنيابات، لتبسيط الإجراءات ومواجهة السلبيات، مع أهمية إجراء تعديل تشريعى سريع يمكنه معالجة العجز القضائى بسبب قانون المرافعات المدنية الذى يعود لعام 1923، بما يضمن عقاباً رادعاً للمخطئ، وسرعة فى التقاضى، لافتًا إلى وجود ما يزيد على 20 محضرًا فى كل محكمة، معظمهم يصدر عنهم مخالفات كبرى. القانون الغائب الحاضر قال الدكتور محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إنه يجب مراجعة قوانين الإجراءات، التى تحتاج إلى تعديل عاجل، بما يتناسب مع معايير الشفافية والحيادية والاستقلالية التى هى أساس العدل فى مصر. وأشار إلى أن مافيا المحضرين تؤثر سلبًا على سير القضاء الشامخ، وتفتح أبواب الفساد بأشكاله المختلفة، وهناك شواهد كثيرة على ذلك، وحال الإبلاغ عن ارتكاب جريمة الرشوة يتم فى الحال عمل محضر بالواقعة، بعد إثبات الجرم، ويحول بعد ذلك مرتكبها، إلى النيابة العامة التى تتولى سلطة التحقيق معه. وطالب رئيس مجلس الدولة الأسبق بتوفير رقابة وإشراف مستمر من جانب وزارة العدل، حتى يمكن محاسبة المتلاعب بمصالح المواطنين. إنجاز القضايا وبحثًا عن حلول للمشكلة، تقول الدكتورة هدى زكريا، خبيرة الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة الزقازيق: يجب إصلاح السياسات الإدارية الخاطئة المتبعة من قبل وزارة العدل، من خلال 6 خطوات أساسية: أولاً: ضرورة توافر خدمة سريعة لوصول الأوراق الرسمية للوزارات والهيئات الحكومية ومقار القانونيين والمدعى عليهم، للحضور إلى المحكمة فى المواعيد المحددة، وهو ما يستلزم تفعيل دور مكاتب المحضرين بالمحاكم، بالتنسيق مع مركز المعلومات القضائى لميكنة جميع المحاكم، وذلك بالاعتماد على التكنولوجيا والإنترنت، بما يسهم فى سرعة التقاضى، والبت فى القضايا، وتعزيز العدالة الناجزة، ودولة القانون. ثانياً: يجب إدخال التعديلات التشريعية اللائقة على قانون المرافعات المنظم لعملهم، حتى يمكن تطوير منظومة العدل والأداء فيها. ثالثاً: تفعيل دور جهات الرقابة القضائية على المحضرين، وذلك عن طريق تشكيل لجان تفتيش ومتابعة مستمرة، لرصد وتسجيل المخالفات أولًا بأول، وإزالة كافة العراقيل القانونية والأمنية لتحسين عملهم الدعوى والتنفيذى، بشرط توافر الحيادية والشفافية فى عملها. رابعاً: تطوير أداء الموظفين داخل المحاكم، عن طريق دورات تدريبية لرفع كفاءتهم وأدائهم فى العمل، وخامسًا تحسين الرواتب والأجور، بما يضمن حياة لائقة لهم ولأسرهم، وسادسًا توفير وسائل مواصلات آدمية أو زيادة بدل الانتقال، حتى لا يتحمل الموظف أى أعباء إضافية فى توصيل الدعاوى المتعلقة بمصالح المواطن البسيط». مفيش رقابة وتقول فريدة النقاش، الكاتبة الصحفية، عضو مؤسس لحزب التجمع: إن تشكيل لجان تفتيش ومتابعة على عمل المحضرين –تعد خطوة مهمة– وإنما تحتاج توافر إرادة سياسية للتطوير والتنفيذ، وتهيئة السبل أمام الجهات الرقابية للقيام بالأدوار المنوطة بها فى رقابة ومساءلة المحضرين، وضبط المخالفات والتجاوزات، للتأكد من سير العملية القضائية بشكل سليم. وأضافت: «لا بد من مراجعة قانون المرافعات المدنية العتيق، نظرًا لوجود خلل تشريعى كبير فى بعض مواده، ويغيب عنه آليات الردع أو المحاسبة للمخطئ، لذلك تزداد التجاوزات القانونية فى هذا الشأن». وأشارت إلى ضرورة إصلاح منظومة أجور الموظفين سواء للمحضرين أو المخبرين، بما يتناسب مع تكاليف المعيشة، وتعويض أعباء العمل، وحياة مؤمنة بالكامل، لأن ضعف أجورهم يغرى على الفساد.