بكل صراحة ووضوح، أكدت الدكتور آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر، عضو البرلمان المصرى أن المجتمع المصرى بعد الثورة تحديداً أصبح مجتمعاً كثير الكلام قليل العمل، وأن هذا هو أخطر الآفات التى من الممكن أن تضر بأى مجتمع، وطالبت الشعب المصرى بأن يخرج من شهر رمضان بعلاج لمثل هذه الآفات التى بدأت تتجذر فى الشخصية المصرية، وبالنسبة لوضع المرأة المصرية فقالت: إننا للأسف نعانى من الثقافة الذكورية فى مجتمعنا الذى حرم المرأة من كثير من حقوقها، وهذا هو سبب اتهام الغرب للإسلام بأنه حرم المرأة من حقوقها. وأن هذا لم يستقر فى أذهان الغربيين إلا نتيجة للصورة التى وصلت لهم من خلال الأفكار والآراء الشاذة والمغلوطة عن المرأة فى الإسلام، على جانب آخر حيت د. «آمنة» فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لتحركه العقلانى والمحمود فى دول وأوروبا والفاتيكان وإفريقيا لتصحيح الفكر المغلوط عن الإسلام، وعن موقفها من قولها إن «النقاب شريعة يهودية» أصرت على قولها مشيرة إلى أن هذا القول مبنى على أسس وأصول علمية، ولم تقل به من تلقاء نفسها بالرغم من تعرضها للهجوم الشديد بسببه، وأشارت عضو البرلمان إلى أن العمل السياسى حرمها من تفرغها للعلم وطريقها فى الدعوة وضيّق عليها وقتها حتى فى الحياة الشخصية، آراء كثيرة فى هذا الحوار مع «د. آمنة نصير» فماذا قالت؟! فى البداية هناك أمراض مجتمعية وهموم ومشكلات يعانى منها المجتمع المصرى فما أبرزها فى رأيك؟ - المجتمع المصرى بعد الثورة أصبح مجتمعاً كثير الكلام قليل العمل، وهذه آفات أعدها أخطر الآفات التى تجتاح أى مجتمع، وللأسف لا الطبقة المثقفة ولا أساتذة الجامعة ولا الوعى الإعلامى انتبه إلى هذه الأمراض ووجه المجتمع أن يخرج منها بشكل سليم، فتأصلت الآن فى الناس وأصبح الكل يتكلم دون علم أو بعلم، فهناك سفسطة كلامية، بنوع من المزحة السخيفة، فهناك حالة من «التهريج السمج» على كل شىء، فشتان بين المجتمع الآن فى الفكر السياسى مع الدولة ومع قيادات الدولة وما كان فى عهد عبدالناصر وعهد السادات نفسه، وأتمنى أن أجد الآن من يدرك هذه الأمراض خاصة اننا فى نهاية شهر رمضان، فالنفوس تهيأت للإصلاح من ذاتها، وأن تبتعد عن الآفات اللسانية أو الآفات السلوكية أو التى تفسد الصوم، فيا ليت طبقة المثقفين وطبقة الإعلاميين سواء المرئى أو المقروء ينتبهون إلى هذا الأمر، ويعتبرون شهر رمضان شهر روشتة أخلاقية وسياسية وإنسانية وعلاجاً لهذه الآفات التى بدأت تتجذر فى الشخصية المصرية. كيف ترين وضع المرأة المصرية الآن، خاصة بعد التحاق عدد كبير منهن بالبرلمان؟ - هى خطوة جيدة وإيجابية، لكننى أتمنى أن أراها فى إطار أكثر نضجاً وأكثر مسئولية ولا يكون النجاح لهذا العدد الذى دخل إلى البرلمان أو بهذا النجاح ألا يغرى المرأة فى أمور لا تقوى بدور المرأة وتجعله ينمو ويستمر للغد، أنا أرى فى كثير من بناتنا حالة من «النزق» و«الشجن» أنهن وصلن لهذا العدد لهذه المراكز إلى الاعتداد بدورهن دون المقابل بقوة الإرادة وقوة التماسك وقوة وجهة النظر وماذا بعد، وهذا ما أخشاه أنهن لا يدخل إليهن الشجن والفرح الذى يتصورن أنهن وصلن إليه أنه أقصى المراد، وهذا ليس نهاية المطاف، وعندما نتأمل دور المرأة العربية فى عصر النبوة أو عصور الخلفاء الراشدين وكيف كان دور المرأة الفارسة فى الحروب والعلم، حتى أن هناك شيخات تكلم عنهن الإمام الذهبى فقد كتب فى موسوعته أنه لم يعرف عن امرأة أنها كذبت فى رواية الحديث، ورواية الحديث كانت أعظم معيار للأمانة عند الإنسان، المرأة التى شاركت الرأى فى الفقه بمدراسه المختلفة وفى مجال عمل الخير والبر، أما الآن فنجد بعض المتعصبين الذين يستكثرون أى دور للمرأة سواء فى العلم أو فى الريادة أو فى مجال السياسة أو الجامعة، فإلى الآن مازال هناك انتقاص لدور المرأة كما يجب فى مجالات كثيرة. هل تؤيدين حصول المرأة على مقعد فى المجامع الفقهية مثل مجمع البحوث الإسلامية؟ - ولم لا.. فما الذى يمنع ذلك، لكننا للأسف نعانى من الثقافة الذكورية، فهل هذه العضوية مقصورة على الرجال فقط، وما هو الحصاد العلمى الذى لا يرقى لأى مستوى من خلال هذا المجمع العلمى، فلماذا يستكثرون أن يعينوا إحدى الأستاذات فى مثل هذه المجامع. ما رأيك فى الدور الخارجى الذى يقوم به الأزهر الآن؟ - أحيى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع، على هذا التحرك المحمود سواء فى أوروبا أو فى منطقتنا فى الشرق الأوسط أو فى قارتنا الرائعة، إفريقيا، التى أهملناها كثيراً، وأثنى على كل خطواته وآرائه المحتضرة التى يقولها فى فرنسا وفى الفاتيكان بإيطاليا أو فى إفريقيا، وأتمنى أن هذه الآراء المضيئة المستنيرة التى ذكرها فضيلة الإمام فى جولاته أن تجد صداها فى مصر، خاصة ضد الجماعات المتطرفة التى لا يردها الأزهر عن تطرفهم، فأين تأثير الأزهر حتى الآن على هؤلاء المتطرفين؟. تعرضت لهجوم شديد بسبب قولك إن «النقاب شريعة يهودية» فهل مازلت تصرين على رأيك؟ - بالتأكيد.. فليس هذا منطقى الآن، فهذا موقف علمى مؤسس على أصول علمية. البعض يرى أن القلق الكبير الآن يتمثل فى التيار السلفى، فكيف ترين آراء هذا التيار؟ - أنا فى حالة تعجب وحيرة ما بين لماذا ترفض الآراء التى تخرج على حد الاعتدال وقضايا المجتمع فى هذه المرحلة أن يفتى فيها بفتاوى كلها شذوذ عن طبيعة الواقع، فعندما يشغل هذا الرجل الرأى العام أو الشباب بطول الشارب أو تقصيره، فهل وصلنا فى مجتمعنا المصرى إلى هذه السطحية وهذه التفاهة فأطالب هؤلاء بألا يتمادوا فى التسطيح لقضايا العصر، فقضايا العصر كثيرة ورهيبة، فهذه فتاوى تؤذى الناس، فهذا الفكر لم نشهده منذ العهد النبوى، فهذا الفصيل أستعجب لهم، واستغرب أيضاً من مؤسسة الأزهر أنها تصمت عليهم وترحب بهم وتستقبلهم استقبال المودة والقبول لما يفعلون. هناك اتهام للإسلام بأنه حرم المرأة من حقوقها؟ - هذا لم يصل إلى الغرب إلا من خلال الأفكار الشاذة والمتطرفة والصورة التى وصلت للغرب من خلالها. فالمرأة فى الإسلام وفى العهد النبوى مارست أعمالاً قيمة فى الحروب والغزوات، فالمرأة مخلوق كامل الأهلية، لكن كون أن العادات أو التقاليد أو الفتوى التى جاءت من أمثال هؤلاء المتشددين هى التى حجبت المرأة فى كثير من القرون المتأخرة بعد القرن السابع الهجرى، وهناك أمران باختصار وهما أن هؤلاء القوم مازالوا يتكلمون عن المرأة بما لم يأت لا فى قرآن ولا سنة فى ممارسة فى العهد النبوى منذ باكورة الدعوة ومع تقدم الزمن ومع هذا يتكلمون ويهرفون بكلام لم يأت به نص، وإنما هم الآن يحيونه وكأنهم أهل دين حقيقيون. بعد التحاقك بالبرلمان هل شغلك العمل السياسى عن العمل الدعوى؟ - بالتأكيد.. فقد أزعجنى، فأنا فى الأساس أستاذة جامعية تفرغت للعلم واخترعت قسم الفلسفة بسبب متعتى فى تدريس هذا العلم، لكن السياسة حرمتنى من استمتاعى بالمدرج، ومشاركتى فى الإعلام المشاهد والمقروء، وليس هناك شك أنها ضيقت عليّ وقتى حتى فى حياتى الشخصية، فالعمل السياسى ضيّق مساحة العمل الذى أهواه حقيقة وهو عملى الجامعى أو العلمى سواء فى مصر أو خارجها. أخيراً.. ماذا عن كتابك الأخير «إنسانية الإنسان فى الإسلام»؟ - فى هذا الكتاب أبين إنسانيته فى الإسلام الوجه الحقيقى للإسلام، بسماحته وإنسانيته وحقيقته التى ضيعها المتأسلمون الجدد، الذين اختصروا الدين فى المظهر، وتناسوا الجوهر، وبالأدلة والبراهين القرآنية الإسلام دين سماحة ومحبة وحرية، وأن التكفير والعنف ليس من صحيح الدين فى شىء.