علي هامش معرض الكتاب الذي أقيم في مدينة أسطنبول التركية أقيمت ندوة حول العلاقات المصرية التركية، شارك في الندوة «أكمل الدين إحسان أوغلو» أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي والأديب المصري جمال الغيطاني، دار النقاش حول العلاقات بين البلدين التي تعود إلي القرن التاسع، أي أن عمرها يصل إلي أكثر من عشرة قرون. وخلال الندوة تم التأكيد والإشارة إلي ضرورة تنشيط حركة الترجمة بين البلدين، وقال «أوغلو»: لابد من تنشيط حركة الترجمة في كل مجالات الإبداع علي أن تكون من خلال اللغة الأم، العربية أو التركية وليس من خلال لغة أوروبية وسيطة كما حدث مثلاً مع أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ. لكن أخطر وأهم ما جاء في كلام «أوغلو» هو اعترافه بأن السينما المصرية كانت أكثر تطوراً في الماضي من نظيرتها التركية، وأضاف أن الجمهور التركي شغوف بالأفلام المصرية التي تم إنتاجها في النصف الأول من القرن الماضي وأكد أن هناك إعجاباً بالغاً بأفلام فريد شوقي وأمينة رزق حتي هذه اللحظة. هذا الاعتراف يؤكد أن السينما المصرية الآن في حالة تراجع وربما انهيار فلم يذكر الرجل أسماء النجوم الذين تمتلئ الشوارع بأفيشات أفلامهم، واكتفي بالإشارة إلي النجوم الذين فارقوا الحياة.. اندهش الحضور من الجانب المصري لأن «أوغلو» لم يذكر أحمد السقا أو أحمد عز أو كريم عبدالعزيز أو مني زكي.. وهذا ليس عيباً في هذه الأسماء ولكن العيب في منظومة الدولة التي أهملت السينما وتخلت عنها.. فكانت النتيجة ظهور كيانات إنتاجية هشة وضعيفة، وهذا منطق الاقتصاد الحر الذي أدي إلي ابتعاد السينما كصناعة عن حضن الدولة. ولا خلاف أن «أوغلو» لم يأت بجديد بالنسبة للمشتغلين بالسينما، فالفترة التي تكلم عنها كانت فترة لامعة ومتوهجة من عمر السينما المصرية ويكفي أن الإنتاج كان يصل إلي 150 فيلماً في السنة هذا بالإضافة إلي تنوع حالات الإبداع في الإخراج والتمثيل، لكن في الوقت الحالي لا يتجاوز الإنتاج في العام أكثر من ثلاثة أفلام، وأكبر دليل علي عمق الأزمة هو أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كان يعاني في دوراته الأخيرة من أجل إيجاد فيلم مصري يشارك في المسابقة الرسمية. وبينما تتراجع السينما المصرية تزدهر وتلمع السينما المغربية والتركية والإيرانية وفي الدراما أيضاً دفعت شركات الدبلجة السورية في الخمس سنوات الأخيرة بالمسلسلات التركية ونجحت هذه الأعمال بفضل الدبلجة العربية في فرض نفسها علي شاشات الفضائيات العربية، ولمعت أسماء لنجوم تركيا في الدول العربية لدرجة أن شركات الإعلان في العالم العربي من المحيط إلي الخليج راحت تستعين بهم في الترويج لزيوت الشعر والملابس والعطور.. ومنهم «توبة» بطلة مسلسل بائعة الورد وكيفانج تاتليتون وغيرهم كثيرين، وبينما تفرض نفسها الدراما التركية تتراجع وتنسحب الدراما المصرية. الكارثة أن الأحداث السياسية الأخيرة طالت السينما وجعلت كل شركات الإنتاج متخوفة من الإقدام علي أعمال فنية ربما تكتمل وربما لا. اعتراف الجانب التركي بأن سينما الأبيض والأسود مازالت عالقة في ذهنهم ومازالت هي الأفضل والأحسن أمر يعكس ويكشف انهيار مصر فنياً في السنوات الأخيرة.. والمطلوب هو أن ترجع السينماإلي حضن الدولة ويدخل التليفزيون مجال الإنتاج الدرامي بكل قوته كي يسترد الفن المصري مكانته وريادته علي الساحة الدولية. وبينما يحمل كلام «أوغلو» إدانة لحال الفن المصري يري ويؤكد عدد من الخبراء في صناعة السينما والدراما التليفزيونية أن الأزمة تكمن في التوزيع وأن السبيل الوحيد للوصول للعالم الخارجي هو الإنفاق علي التوزيع وفتح أسواق جديدة غير الأسواق العربية.. في الموضوع تحدث المخرج الكبير علي عبدالخالق قائلاً: لا يجب وضع كلام أوغلو في سياق كبير لأن السينما المصرية مازالت بخير، صحيح أنها تراجعت في الفترة الأخيرة لكن عدم وصول الفنانين المصريين إلي الجمهور التركي مؤخراً لا يعني أن الجيل الحالي لا يتمتع بالموهبة والمهارة، مصر «ولادة» ولديها أبناء علي مهارة وكفاءة عالية في التمثيل والإخراج.. وواصل المخرج علي عبدالخالق كلامه قائلاً: بالفعل سينما الأبيض والأسود كانت لها جمالها وذلك بسبب تعدد واختلاف المواهب في الكتابة والتمثيل والإخراج لكن ساعد علي وصول وانتشار هذه الأعمال شيء واحد فقط وهو جدية التوزيع وقتها والحرص علي فتح أسواق جديدة بعيدة عن السوق العربية.. وأضاف علي عبدالخالق: أنه في الماضي كانت الأفلام المصرية تشارك في المهرجانات العالمية وهذا كان كفيلاً بتعريف العالم بها وأكبر دليل علي ذلك فيلم «شباب امرأة» بطولة تحية كاريوكا وشكري سرحان فقد شارك في عدد كبير من المهرجانات وأهمها مهرجان «كان».. وأكد علي عبدالخالق، أن السينما شأنها شأن المسرح مرت في الستينيات بحالة من التوهج وتراجع هذا التوهج في السبعينيات، وأمر طبيعي أن تنتعش حالة الإنتاج الفني ثم تتراجع لكن في الفترة الأخيرة زادت وتفاقمت حالة التراجع للخلف.. واختتم عبدالخالق كلامه بأنه متفائل لأن مصر تبدأ صفحة جديدة وسوف تحتل فيها السينما مكانة وموقعاً مهماً. أشار إلي أن مصر تمتلك كل المقومات التي تؤهلها للتفوق واختراق الآخر. وفي القضية تكلم المنتج محمد فوزي قائلاً: لا يجب الاندهاش من هذا الكلام فقد ذكر «أوغلو» اسم فريد شوقي وأمينة رزق وهؤلاء النجوم سافروا إلي تركيا وشاركوا في أعمال هناك، لذا يعرفهم الجمهور التركي جيداً، وأكد محمد فوزي أن قضية الوصول للعالم الخارجي هي أزمة التوزيع، فالتوزيع الخارجي مكلف جداً والعائد منه لا يغطي تكاليفه لذا لا يغامر الموزعون بالرهان علي العائد من التوزيع الخارجي.. وأوضح محمد فوزي أن الجيل الحالي من الممثلين والمخرجين لديهم موهبة وحضور كبير ولا يجب تحميلهم مسئولية الوجود علي الساحة العالمية لأن هذا الأمر لا يخصهم وإنما يرجع إلي أزمة وقواعد لعبة التوزيع الخارجي.