مصر تعود للصندوق.. الخبر رددته مصادر حكومية مؤخراً، مؤكدة أن الحكومة عرضت العودة للتفاوض مع صندوق النقد الدولى على القيادة السياسية وتنتظر قرارها، القرض هذه المرة قد يتجاوز ال 4.8 مليار دولار التى سبق وتفاوضت عليها مصر فى عهد الرئيس المخلوع محمد مرسى. الداعون للعودة يرون أن توقيع اتفاق مع الصندوق يفتح المجال أمام الكثير من المؤسسات العالمية لدعم ومساندة مصر باعتبار أن الاتفاق فى حد ذاته شهادة ثقة دولية، فضلاً عن أن الفائدة المقررة لا تتجاوز 1.5% وهى أقل كثيراً من تكلفة الاقتراض المحلى أو طرح سندات دولية. المشكلة أن الصندوق يضع اشتراطات مُشددة بشأن السياسة المالية والنقدية بما يعتبرها مسئولو البنك المركزى تدخلاً فى الشئون النقدية لمصر، وطبقاً لمصادر مقربة من الملف فإن مسئولى البنك المركزى - وهو الجهة المنوط بها التفاوض على الاتفاق - يعتبرون الاستجابة لتوصيات الصندوق بمثابة مغامرة غير محسوبة العواقب خاصة أنها تتضمن التزامات صعبة تجاه المواطنين. والواقع أن رؤية الصندوق لحال مصر الاقتصادى تدفع مسئوليه إلى طرح تصوراتهم حول كيفية مواجهة نقص النقد الأجنبى ومواجهة الارتفاع الكبير فى عجز الموازنة المصرية، والتعامل مع الزيادة المخيفة للدين العام، الذى تجاوز ال 90% من الناتج الإجمالى بينما تدور الحدود الآمنة عالمياً عند 60%، فضلاً عن زيادة معدل النمو وتوفير وظائف جديدة للمتخرجين كل عام إلى سوق العمل. ويشترط الصندوق على مصر للوصول إلى اتفاق ضرورة إحداث مرونة كبيرة فى التعامل مع الصرف، وهو ما يعنى خضوع سعر الدولار للعرض والطلب تماماً، وهو ما يعتبره الاقتصاديون التقليديون فى مصر خطراً كبيراً، خاصة أن هناك نقصاً بين العرض والطلب، وهو ما يعنى أن يواصل سعر الدولار - فى حالة تحرير الصرف - إلى الارتفاع حتى 12 و13 جنيهاً وربما أكثر. كذلك وطبقاً لمناقشات الربيع الماضى التى شارك فيها طارق عامر محافظ البنك المركزى وعمرو الجارحى وزير المالية فإن هناك اتفاقاً على ضرورة مواجهة ارتفاع عجز الموازنة بنسبة لا تقل عن واحد فى المائة خلال العام الحالى، لكن هناك اختلاف بشأن آلية ذلك، فالحكومة تعتمد على قانون القيمة المضافة، بينما يرى الصندوق أن أفضل سبل لخفض العجز هو التحرك فى قضية الدعم والعمل على تخفيضه، وهو ما تعتبره الحكومة عاملاً سلبياً قد يؤدى إلى خفض شعبيتها لدى الشارع المصرى. كذلك يرى الصندوق ضرورة احتواء بند الأجور فى الموازنة من خلال عدم زيادته، مؤكداً أن ذلك يمثل خطراً كبيراً، ولكن الحكومة لا تجرؤ على إيقاف الارتفاعات فى أجور موظفى الدولة كل عام، فضلاً عن فقدانها من الناحية القانونية آلية إقرار ذلك بعد رفض البرلمان لقانون الخدمة المدنية. المشروعات الكبرى هى الأخرى من القضايا التى طرحت من جانب الحكومة فى اجتماعات الربيع كوسيلة لتوفير وظائف جديدة وزيادة معدل النمو، وكان رأى مسئولو الصندوق أن القضية ليست فى إن كانت المشروعات الكبرى مناسبة اقتصادياً لمصر فى الوقت الراهن أم لا ولكن فى ضرورة معرفة إن كانت تلك المشروعات لها عائدات مالية سريعة، وقادرة على توفير وظائف لعدد كبير من العمالة أم لا. وأوضحت الحكومة المصرية، أن معظم المشروعات الكبرى المطروح تنفيذها حالياً ممولة من خارج الموازنة، لكن رد الصندوق جاء محذراً من اتساع فكرة تمويل المشروعات من خلال قروض فى ظل ارتفاع كبير للدين العام للدولة.. وبشكل عام فإن الدخول فى مفاوضات حقيقية مع الصندوق لا تحتمله الأوضاع فى مصر، لأن الظروف الاقتصادية قاسية.