أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الإلحاد يعنى نفى الإله، وعدم الاعتراف بوجود الله تعالى، ويترتب على ذلك عدم الاعتراف بوجود الدِّين؛ لأن الدِّين مرتبطٌ بالإله دائمًا. وأشار"الطيب" إلى أن الملحد يرفض الاحتكام إلى عقله ليعرف مَن المدبِّر والمحرِّك والخالق لهذا الكون، وهو فى الوقت ذاته يرضى أن يركن إلى لا نهائيات من الأوهام، وأن تكون هناك مادة عمياء صماء بكماء وراء هذا الكون الملىء بالعلم والحكمة والضبط والمعارف التى تثبت وجود ذات قادرة عالمة تحركه. وأوضح «الطيب» أن الملحد هو الذى لا يؤمن بإله سواء أكان هذا الإله هو الله كما تحدثت عنه الأديان أو هو الإله الوثن أو غير ذلك من الآلهة التى تعبد من دون الله. وأكد الإمام الأكبر أن النقطة المركزية فى فلسفة الملحدين - إذا صح أن لهم فلسفة - هى أنهم ينكرون الأديان، ويقولون إنها من صنع البشر. وفى معرض الرد على هذه الفلسفة طرح فضيلته سؤالًا: إذا كان الدين كما تقولون فكيف نشأ إذًا؟! وكيف هو موجود؟ وكيف يدير ويحكم هذه الملايين من عقول المفكرين والعلماء؟!، واستكمل الرد قائلًا: إن الدين شيء قديم، وموجود ومستمر، وهو يغزو عقول العلماء المتخصصين فى أدق العلوم الحديثة أو الكونية، فلا بد لهم من أن يفسروا هذه الظاهرة. وأشار إلى أن الإلحاد قبل القرن الثامن عشر كان إلحادًا فرديًّا، لكن بعد ذلك نشأ الإلحاد الفكرى المنظم الممنهج نتيجة لظروف كثيرة، أهمها: انحراف رجال الدِّين فى ذلك الوقت، وتقديم الدِّين على أنه سلطة مطلقة، وإلزام العلماء بأن يخضعوا للنصوص المقدسة، وبالتالى ظهرت تفسيرات علمية تخالف نصوص الكتاب المقدس، جعلت الناس يديرون ظهورهم للدين ثم شيئا فشيئا يكذبونه ويلجأون إلى العلم، وأصبحت المؤسسات الدينية تساند القصور والحكام والإقطاع ضد الجموع البائسة والفقيرة، إضافة إلى أن ظهور العلم فى القرن الثامن عشر وتفسير العلماء للظواهر الكونية تفسيرًا علميا، جعل الدين – كما يفسرونه- نقيضًا للعلم كما أصبح ظهيرًا للظالمين. وفرق فضيلته بين الإلحاد والعلمانية، وأوضح أن العلمانية هى فصل الدِّين عن الدولة، بمعنى أنَّ الدِّين لا يقود الدولة، ولا يتدخل فى حياة الإنسان ولا فى الأنظمة، ولا فى توجيه الناس، وهذا لا يستلزم إنكار وجود الله؛ لأن الإلحاد هو إنكار وجود الله، والعلمانى قد يكون متدينًا، وخاصة مَن يسمون أنفسهم بالعلمانيين المسلمين، فهم مسلمون متديِّنون، وكثير منهم يصلى ويصوم، لكنهم غير مقتنعين بأن يكون فى هذا العصر حرام وحلال، مضيفًا أن مَن أنكر أصول الدين، يعنى ما عُلم مِن الدِّين بالضرورة، وانطلق فى دعوته لعزل الدِّين عن المجتمع بأن يقول هذا الدِّين "مصلحة وانتهت" وليس حقيقة - فهذا ملحد. وأكد الإمام الأكبر أن الإلحاد موجود قبل الإسلام، حيث كان الدهرِّيُّون الذين أشار إليهم القرآن الكريم فى قول الله تعالى فى سورة الجاثية : مَا هِى إلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْرُ- ينكرون وجود إله يُهلك ويحيى ويميت، وينسبون الإحياء والإماتة والإهلاك إلى الدهر، كما أنه وُجِدَ فى الفلسفات القديمة، فالفيلسوف اليونانى ديموقريط يعد رأسًا فى الإلحاد؛ وقد كان يفسر عملية الكون والفساد تبعا لنظريته الذرية، ويرى أنه باتحاد الذرَّات ينشأ الكون، وبافتراقها يتم فساده وزواله، فالذرات حين تجتمع تتكون الأشياء ويتكون الإنسان.