قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تنظم ندوات لنشر الوعى بين طلبة المدارس والجامعات    هيئة الشراء الموحد تعلن تخصيص 29 مليار جنيه لشراء الأدوية في موازنة 2024    وزير الاتصالات يفتتح المقر الجديد لشركة «أرتشر» الأمريكية في مصر    ورشة عمل لتطوير المنتجات الحرفية الخاصة برحلة العائلة المقدسة في الشرقية    رئيس «المصرية للمعارض» يفتتح معرض الأثاث والديكور بمركز القاهرة للمؤتمرات    مصرع 4 من حزب الله فى غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهم جنوب لبنان (تفاصيل)    «المصريين»: التنسيق المشترك بين مصر والأردن ضرورة لحماية الأمن القومي    ابن ترامب يدخل عالم السياسية رغم صغر سنه.. عُين مندوبا للحزب الجمهوري الأمريكي    مخطط باريس سان جيرمان لحرمان برشلونة من صفقة مدوية    الخطيب يحفز لاعبي الأهلي قبل السفر إلى تونس لخوض النهائي الأفريقي    ظهور أشياء غريبة في السماء لأول مرة.. ماذا يحدث خلال كسوف الشمس المقبل؟    سبب طارئ يؤجل عودة ياسمين عبدالعزيز ل أحمد العوضي    سلوفينيا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في موعد أقصاه 13 يونيو المقبل    تنفيذ 4 قوافل طبية للقرى الأكثر احتياجا في الدقهلية    نصائح مهمة لتقليل توتر الأبناء في فترة الامتحانات    عضو تضامن النواب تثمن دور القومي للمرأة في استقلالية إدارة المنح والمساعدات    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    فضل ذو القعدة وسبب تسميته وهل هو من الأشهر الحرم؟ معلومات تهمك    وزير الرياضة يلتقي سفير بيلاروسيا لبحث مجالات التعاون المشترك    أبونسب السبب.. أب يفارق الحياة حزنا على ابنه في المنوفية    تحذير عاجل لحاجزي شقق الإسكان.. مهلة شهر لسداد الأقساط المتأخرة    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    ثورة الفلاحين .. عرض مسرحي لفرقة قصر ثقافة المحلة    بنك ناصر يرعى المؤتمر العلمي الدولي ال29 لكلية الإعلام بجامعة القاهرة    حزب حماة وطن يكرم الآلاف من حفظة القرآن الكريم في كفر الشيخ    استفز لاعبي الأهلي | نص مرافعة دفاع حسين الشحات في قضية الشيبي    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    هل يقترب مدافع الوداد السابق من الانتقال للأهلي؟    الشعب الجمهوري يعقد اجتماعًا تنظيميًا لأمناء المرأة على مستوى محافظات الجمهورية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    هل تصح الصلاة على النبي أثناء أداء الصلاة؟.. الإفتاء توضح    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    عاجل| مصدر أمنى رفيع المستوى يكشف تطورات جديدة في مفاوضات غزة    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    البورصة المصرية.. «EGX70» يتراجع وحيدًا بمستهل تعاملات الخميس    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأمون فندي يكتب : رمضان وأنثروبولوجيا الطعام
نشر في الوفد يوم 13 - 06 - 2016

ما الذي يمكن أن تكتبه عن الطعام في رمضان الذي لم تتناوله الكليشيهات من
قبل؟ أعتقد أن البداية تكون في وضع الطعام في سياقه الأوسع، وعلاقة الطعام
خارج المسألة الفردية الخاصة بموضوع الجوع وربطه بالسياق الأوسع الحضاري،
ومن هذا السياق تنفتح بوابات فهم الطعام في رمضان. (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ).. الآية، فأساس الطعام محبة ونفَس.
بداية، الطعام لغة ودلالات، ويحمل رمزيات اجتماعية تحدد الموقع الاجتماعي
والثقافي أحيانا، وكذلك درجات الدخول من بوابة الطبيعة إلى عتبات الحضارة،
فبينما يكون المشوي طعام الرجال وطعام الخارج والخلاء، يكون المقلي طعام
المرأة وطعام الداخل في البيوت، وتلك تقسيمات بدائية تدخلنا إلى فهم الطعام
والمجتمع، وربما الطعام والسياسة والطعام ومفاهيم أخرى كالمحبة والتراحم.
فلسفة الطعام تدخلنا في مساحات التفاصيل التي تميز البلدان عن بعضها بعضا،
وربما الحضارات وبعضها بعضا، حيث نتحرك في مساحة (spectrum) أطرافها الملح
والسكر كونها محددات ثقافية وحضارية، حيث يكون إضافة الملح والسكر أو الزيت
نوعا من التحضر ومدخلا تفسيريا لقراءة المجتمعات. وقد قسم كلود ليفي شتراوس
العالم على طرفي نقيض النيئ والمطبوخ، وكانت رؤيته أن عملية الطبخ
والانتقال من النيئ إلى المطبوخ، هو بمثابة نقله من الطبيعة إلى الحضارة،
ودرجات الطهي أيضا تمثل درجات في التحضر، وهذه من عندي وليس لشتراوس دخل
فيها؛ ولهذا يمكن أن يكون طعام أي مجتمع مدخلا لقراءة الاجتماع والسياسة،
وربما الروحانيات فيه؛ فالطعام ثقافة وسياسة وروحانيات أيضا.
حدود الطعام أيضا هي حدود الثقافات، فمثلا لم تنتشر المسيحية بشكل أوسع،
إلا عندما سمحت بأكل ما حرمته اليهودية؛ لذلك ترى دائرة المسيحية أوسع، كما
أن الإسلام أيضا ينتشر في دوائر يرسم حدودها الحلال والحرام من الطعام
والمشروبات. إذن الطعام يحدد مساحة التمدد الحضاري أيضا، وتتوقف الحضارات
عن الانتشار، عندما ترتطم بجدار ما حرمته منظومتها الثقافية من الطعام والشراب.
الهدف من الحديث عن الطعام ومن قبله العمارة هو فتح مداخل جديدة لقراءة
المجتمعات. فهناك مجتمعات، مثلا، تنكر التعددية في داخلها، وتدعي أنها
مجتمعات موحدة، ولكن عندما نقرأ الطعام فيها مكانيا وزمانيا نكتشف أنها
مجتمعات شديدة التعدد. فإذا أخذنا مصر مثالا، حيث يدعي المصريون
والمستشرقون معا أنها مجتمع مصمت وموحد، نكتشف أن طعام أهل الدلتا مثلا
يختلف عن طعام أهل الصعيد، وأن طعام القرى يختلف عن طعام المدن. ففي تجربتي
الشخصية، مثلا، لم أتعرف على الفول المدمس بصفته وجبة صباحية إلا في
القاهرة، حيث كان إفطارنا فلاحيا يتكون من البيض والجبن والبليلة. كما أن
وجبتنا الرئيسية في الصعيد كانت وجبة العشاء وليس الغداء، كما عادة أهل
القاهرة مثلا، ومن هنا نكتشف أن الوجبات تختلف زمانيا من حيث الأهمية
(إفطار وغداء وعشاء) ومكانيا (الشمال والجنوب)، وتنصهر الاختلافات في
القاهرة. إذن من حيث الطعام مصر بلد متعدد ثقافيا وليست ثقافة واحدة.
أما في بلد، مثلا، مثل المملكة العربية السعودية فتتضح التعددية الثقافية،
إذا ما قارنت طعام أهل الحجاز أو المنطقة الغربية، بطعام أهل نجد وطعام أهل
الجنوب أو الجوف وحائل. ولكل طعام تاريخه، فمثلا الانفتاح الحضاري لأهل مكة
والمدينة يبدأ بانفتاحهم على تنوع الطعام، فمتى شهدت تنوعا في الطعام
وانخراط أهل البلاد المحليين في تناوله، فاعلم أنك أمام بلد منفتح حضاريا
أو قابل للانفتاح على الآخر. أهل المدينة، مثلا، من أكثر الشعوب انفتاحا
على الطعام القادم من بعيد من مصر وبلاد الشام (التميس والفول والبيض) أو
وجبات مثل «المنتو» القادمة من بخارى، وربما من الصين؛ لقربها مما يعرف
بال(Chinese dumplings) والمعجنات الصينية المحشوة باللحم أو الخضرة. كذلك
وجبات مثل المندي القادم من اليمن، الخ. الطعام في مكة والمدينة معولم كما
في نيويورك ولندن، فهنا كانت بداية العولمة الأولى من خلال الحج؛ كونه موسم
اختلاط حضاري بامتياز. النقطة هي لو قارنت طعام أهلَي مكة والمدينة، مقارنة
بالوسط أو الشمال أو الجنوب أو الشرق، لاكتشفت أن المملكة مجتمع متعدد
الثقافات، على عكس الصورة النمطية التي تقدم السعوديين وكأنهم كتلة واحدة
صماء لا تنوع فيها.
نوعية الوجبة التي تحددها ثقافة ما على أنها الوجبة الرئيسية تحدد أيضا
علاقة المجتمع بالعمل، فمثلا المجتمعات التي تركز على وجبة الغداء الدسمة،
هي مجتمعات غالبا لا تعمل بعد الظهر، مجتمعات تصيبها التخمة والكسل بعد
الوجبة الكبيرة.
وعندما حاولت البحث عن الطعام والمجتمع في العالم العربي، لم أجد إلا نذرا
يسيرا جدًا من الكتابات المتناثرة وغير الجادة، مع أن موضوع الطعام والمجتمع
من أكثر الأمور كشفا لفكرتي الانفتاح الاجتماعي، وكذلك فكرة انخراط الوافد
في المقيم (integration).
الطعام في بدايته كما ال(ضوء)، والضوء أو النور كما ترى جزءا أساسيا في
كلمة وضوء، والطعام يبدأ بالنية والطاهي عندما ينوي الطبخ بنية الغذاء يحسه
متذوق الطعام، وهو ما نسميه بالعامية «النفَس» ونفَس الطعام هو ما ذكرته في
البداية، كما جاء في الآية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ)، وهنا تكون نية المحبة
هي الأساس في الطعام.
ترى ما علاقة كل هذا التنظير بفكرتنا عن الطعام في رمضان؟ البداية في رمضان
هي تذكار لفكرة الطعام كونه تفكيكا من طعم ورائحة، وعلاقات روحية واجتماعية
تنقرض في أيام السنة، حيث يتعامل الناس مع الطعام كما تتعامل السيارات مع
البنزين: «تفول أو تعبأ كي تتحرك» دونما إحساس بتذوق وشم وطقوس طعام.
ثانيا، تغير الوجبات في رمضان من إفطار وغداء وعشاء إلى إفطار وسحور هو في
المقام الأول، تغير في محددات الزمان. فكما في اليوم العادي يتم تقسيم
الزمان على أساس الشروق ومنتصف النهار والعصر والغروب يتغير التقسيم
الزماني في رمضان إلى شروق وغروب، إمساك وإفطار، ومعهما يجب أن تتغير
العلاقة الروحية بالنفس والمجتمع، ومع ذلك يتصرف الناس عندنا فقط على أساس
تغيير الوجبات ونوعيتها وساعات النوم دونما إدراك للمعاني الأعمق لتغير
علامات الزمان والذائقة.
ثالثا، يتحول رمضان إلى حالة تشبه الكريسماس أو الكرنفال الاجتماعي من خلال
موائد الرحمن والإفطار الجماعي، ويبدو في فكرة الموائد والإفطار الجماعي
محاولة للتواصل والتراحم الإنساني، ولكن هذه المعاني تختفي وسط كرنفالية الحدث.
أنثروبولوجيا الأكل الجماعي تمت دراستها في بعض المجتمعات مثل المجاعة
الصينية (1958 - 1961)، أو مجتمعات الكيبوتزيم في المجمعات الاشتراكية
الدينية في إسرائيل، أما عندنا فالحديث عن الطعام لا يظهر إلا في رمضان
دونما تركيز على الأبعاد الاجتماعية للطعام.
الطعام هو جزء من هوية المجتمعات وتجديد هذه الهوية، وفي رمضان تجد هناك
عودة إلى الأصالة في التمور واللبن مثلا، ولكن هذه الأصالة محاطة بحداثة
وتنوع لم يدرس بعد، حيث يتنوع الطعام الرمضاني من الحلويات، مثل الكنافة
والقطايف وغيرهما، دونما إحساس بعولمة الطعام بصفته جزءا من العولمة
المبكرة للإسلام.
وحتى في الإفطار الجماعي تغيب فكرة إعادة ترسيم حدود الهوية، فمن يقيمون
موائد الرحمن لا يجلسون عليها؛ فهي للفقراء في الخارج مقابل طعام
البرجوازية المانحة التي تتناول إفطارها في الداخل، وبهذا تنعكس فكرة
الحضارة على الداخل والبدائية على الخارج، وفي هذا تقسيم للهوية وترسيم
حدود الطبقات الاجتماعية ضد ما هو مقصود من موائد الرحمن.
نقطتان هنا، الأولى هي أن تجديد الهوية موسمي عندنا، ولا يؤدي الغرض،
والإفطار الجماعي لا يرسم ملامح المساواة والتراحم، بقدر ترسيمه حدود
الطبقات الاجتماعية. إن قراءة جادة لعلاقة الطعام بالمجتمع في رمضان خصوصا
قد تكشف الكثير ليس عن أمراضنا البيولوجية، بل عن أمراضنا الاجتماعية، وتلك
دعوة لشباب الباحثين لأخذ فكرة الطعام والمجتمع مأخذ الجدية لأنها كاشفة.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.