"مدفع الإفطار ... إضرب" إرتبطت هذه الجملة في أّذهان المصريين بحلول آذان المغرب في كل يوم من أيام شهر رمضان الكريم ، وحتى الآن يسمع المصريون صوت المدفع عبر الراديو أو عبر شاشات التلفزيون. وتعود قصة ظهور مدفع رمضان وفقا لكتب التاريخ إلى أن والي مصر في العصر الإخشيدي "خوشقدم" كان يجرب مدفعًا جديدًا أهداه له أحد الولاة، وتصادف أن الطلقة الأولى جاءت وقت غروب شمس أول رمضان عام 859 ه وعقب ذلك توافد على قصر "خوشقدم" الشيوخ وأهالي القاهرة يشكرونه على إطلاق المدفع في موعد الإفطار، فاستمر إطلاقه بعد ذلك. وفى رواية أخرى تقول أن محمد علي والي مصر ومؤسس حكم الأسرة العلوية في مصر من عام 1805 كان يجرب مدفعًا جديدًا من المدافع التي استوردها من ألمانيا في إطار خططه لتحديث الجيش المصري، فانطلقت أول طلقة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، فارتبط صوته في أذهان العامة بإفطار رمضان، لارتباطه بشهر رمضان، وكان مكانه في قلعة "صلاح الدين الأيوبي". وفي منتصف القرن التاسع عشر وتحديدًا في عهد الخديوي عباس الأول عام 1853م كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة: الأول من القلعة، والثاني من سراي "عباس باشا الأول" بالعباسية- ضاحية من ضواحي القاهرة- وفي عهد الخديوي "إسماعيل" تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولا على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود بعد نهاية شهر رمضان والعيد إلى مخازن القلعة ثانية. وبدأت الفكرة تنتشر في المدن الإسلامية وعلى رأسها القدس ودمشق ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، ثم إنتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944. وتطورت وظيفة المدفع فكان أداة للإعلان عن رؤية هلال رمضان، فبعد ثبوت الرؤية تنطلق المدافع من القلعة ابتهاجًا بشهر الصوم علاوة على إطلاقه 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة. إلا أن هيئة الآثار المصرية طلبت في بداية التسعينيات من وزارة الداخلية وقف إطلاقه من القلعة خوفًا على المنطقة التي تعد متحفًا مفتوحًا للآثار الإسلامية، إذ تضم قلعة "صلاح الدين الأيوبي" ، ومسجدى "السلطان حسن"، و"الرفاعي"، و"متاحف القلعة الأربعة". وحذرت الهيئة من أن إطلاق المدفع 60 مرة في سحور وإفطار رمضان و21 طلقة كل أذان في أيام العيد الثلاثة تؤثر على العمر الافتراضي لتلك الآثار بسبب الإهتزازات الناجمة عن إطلاقه. واخيرًا تم التفكير في نقله إلى مكان آخر، واستقر الرأي على جبل المقطم مرة أخرى، حيث تم نقل مدفعين من المدافع الثلاثة الباقية من أسرة محمد علي إلى هناك، وتم الإبقاء على المدفع الثالث كمعلم سياحي في ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين يطل من ربوة مرتفعة على القاهرة، وتتعدد القصص التي تروي موعد وقصة بداية هذه العادة الرمضانية التي أحبها المصريون وارتبطوا بها ونقلوها لعدة دول عربية أخرى.