تعرضت ليبيا لمآسي كثيرة كتلك التي تعرضت لها سائر الدول العربية، ونتيجة لذلك ثار عدد كبير من الشعب الليبي ضد من صنع هذه المآسي وهو الرئيس الليبي معمر القذافي وأعوانه، وكان نتاج هذه الثورة مقتله ومقتل عدد منهم، ويتساءل البعض عن مدي قانونية قتل هذا الرئيس وما فعله به الثوار بعد مقتله، وهل ستكون هناك مسئولية علي من قتله؟. للإجابة علي هذا التساؤل لابد من التفرقة بين قتل الرئيس الليبي، وبين الأحداث التي أعقبت ذلك، فبشأن القتل لا يمكن الجزم في الوقت الراهن إذا ما كان هناك مسئولية أم لا، وكذا لا يمكن الجزم علي من تقع المسئولية، حيث أنه لابد أن يكون هناك تحقيق عاجل وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق تكون مهمتها معرفة الحقيقة وما حدث بالفعل لتحديد من تقع عليه المسئولية في قتل الرئيس الليبي ومحاسبته. وهناك راويتين في هذا الشأن أحدهما قالت أن الرئيس الليبي حاول استخدام مسدسه المصنوع من مادة الذهب فقام أحد الثوار بالرد عليه باطلاق النار عليه فقتله. وفي هذه الراوية سنكون بصدد حالة دفاع شرعي ولن تكون هناك مسئولية، وذهبت الراوية الأخري إلي أن الثوار اختلفوا فيما بينهم علي من يأخذ الرئيس الليبي فقام أحد الثوار علي آثر هذا الخلاف بإطلاق الرصاص عليه فقتله، وهنا سنكون بصدد جريمة قتل أسير، وهي جريمة حرب من الممكن في هذه الحالة أن يحرك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الدعوي ضد مرتكبيها، وفقا لنص المادة الثامنة من النظام الأساسي التي نصت علي أنه من ضمن جرائم الحرب التي ترتب المسئوليه علي مرتكبها جريمة قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً، يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع. وقد أيد ذلك ما ذهبت إليه الأممالمتحدة في تصريحها أمس الأربعاء حيث قالت "أن جرائم القتل التى ارتكبها المقاتلون المناهضون للقذافى والمقاتلون الموالون له خلال المعركة النهائية للسيطرة على مدينة سرت الليبية يمكن اعتبارها جرائم حرب، ورحبت فى الوقت نفسه باعتزام الحكومة الانتقالية فى ليبيا إجراء تحقيق فى هذه الجرائم". وكذلك قال إيان مارتن، رئيس بعثة الأممالمتحدة فى ليبيا، لمجلس الأمن الدولى خلال جلسة مفتوحة فى نيويورك "إن جرائم القتل التى ارتكبتها قوات الثوار فى سرت تمت بمخالفة أوامر المجلس الوطنى الانتقالى. وأن معمر القذافى وابنه معتصم تعرضا "لمعاملة سيئة وقتلا" بعد اعتقالهما فى الأسبوع الماضى فى ظروف تتطلب إجراء تحقيق، لافتا إلى أن "الأدلة ترقى إلى القتل العمد للسجناء على يد نظام القذافى خلال فترة الصراع، بما فى ذلك الأيام الأخيرة فى طرابلس، فضلاً عن بعض التجاوزات من قبل مقاتلى الثورة". وهذا كله قد يعرض الثوار للمساءلة الجنائية خاصة أن القرار رقم 1970 الصادر من مجلس الأمن في فبراير الماضي بإحالة الحالة في ليبيا إلي المحكمة الجنائية الدولية لا يشمل فقط الجرائم التي ارتكبها نظام القذافي في حق الشعب الليبي بل يشمل أيضا الجرائم التي ارتكبها الثوار في حق السلطة الحاكمة، وهو ما حدث بالفعل من قبل أمام ذات المحكمة في خصوص الحالة في السودان حيث لم يحال للمحاكمة الرئيس السوداني وأعضاء حكومته فحسب عن الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب السوداني، بل شملت المحاكمة أيضا قادة حركات التمرد في جنوب السودان عن الجرائم التي ارتكبوها في حق السلطة الحاكمة، وتجري نحاكمتهم في الوقت الراهن أمام المحكمة. أما ما حدث للرئيس الليبي بعد قتله من تشويه لجثته وتصويرها عاريه ووضعها في ثلاجة لحوم ثم عرضها علي الناس بعد بدأت رائحتها تفوح، فهذا في الأساس مخالف لشريعتنا الإسلامية وتعاليم ديننا الحنيف الذي هو مختلف عن كافة الديانات، وأتساءل هنا ما الفارق بيننا كمسلمين فيما فعلناه في هذا الأسير حتي لو كان مجرما وبين ما يفعله اليهود في الفلسطينين، أو ما يفعله الأمريكان في أفغانستان، وما فعلوه في العراق، وأنا هنا لست ضد محاسبة الرئيس الليبي حتي لو وصل الحكم للإعدام، بل علي العكس أنا أؤيد محاسبة كافة الحكام العرب الذين ارتكبوا في حق شعوبهم جرائم يندي لها الجبين، ولكن أنا ضد أي ممارسات تظهرنا كمسلمين بشكل مخالف لتعاليم ديننا الحنيف وتظهر الدين الإسلامي علي أنه دين التشفي أو المعاملة المهينة. أما من ناحية القانون الدولي فما حدث لجثة الرئيس الليبي مخالف لاتفاقيات جنيف التي حظرت سلب الموتي، وتشويه جثثهم، كما أنها نصت علي ضرورة أن تعامل جثث الموتي بطريقة تتسم بالإحترام، وتحترم قبورهم وتصان بشكل ملائم، كذلك فقد أوجبت هذه الاتفاقيات دفن الجثث وفقا لطقوس الديانة التي ينتمون إليها، وفي ضوء ذلك قد يتعرض الثوار للمساءلة الدولية عما فعلوه بجثة الرئيس الليبي المقتول. --------------------- الخبير في مجال القانون الجنائي الدولي