ما زالت الورش الصغيرة أو ما تعرف بصناعة «بير السلم» تشكل صداعاً للحكومة وأصحاب المصانع على السواء، فالأولى ترفض استمرارها خارج منظومة الإنتاج والاقتصاد الرسمى، مما يؤثر على الناتج القومى للدولة، أما أصحاب المصانع فيعتبرونها تهديداً لمنتجاتهم وأكبر مزاحم غير محمل بالأعباء فى السوق المحلى رغم عدم الجودة. ومنذ أسبوع أصدر وزير المالية قراراً بمنحها إعفاءات ضريبية وحوافز تأمينية تستهدف جذبها للاندماج فى الاقتصاد الرسمى. وفى التحقيق التالى يستطلع «الوفد» آراء الاقتصاديين بشأن هذه الحوافز ومدى تأثيرها على أصحاب الحرف. أكد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى الاقتصادى أن مسألة الحوافز الضريبية شيء جيد وسوف تصب فى صالح الناتج القومى للبلاد. لافتاً إلى أن الحوافز التأمينية لا تكفى لاجتذاب هؤلاء ودمجهم فى الاقتصاد الرسمى، فضرورى معاملتهم معاملة أصحاب الصناعات المتناهية الصغر ومنحهم الفرصة للاستفادة من البرامج الحكومية التى تستهدف أصحاب الصناعات الصغيرة. وأضاف: أول هذه الخطوات تأهيلهم من خلال برنامج تدريبى وتحفيز البنوك والجهات المانحة على منحهم قروضاً ميسرة بفوائد منخفضة تتناسب مع حجم أعمالهم ومدى احتياج الاقتصاد لوجودهم كركيزة مهمة يعتمد عليها فى زيادة الدخل القومى وتجويد المنتج المصرى. موضحاً: هناك طرق للتمويل ممكن تطبيقها على هؤلاء، أو إدماجهم فى برنامج الرئيس الذى رصد من خلاله 100 مليار جنيه تقوم بالتمويل البنوك بفائدة لا تتجاوز 5٪، أو تمويلهم من جهة أخرى، وليكن الصندوق الاجتماعى للتنمية مع مراعاة تطوير أساليب تمويله. أشار أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية إلى أن أى خطوة تتخذها الحكومة تصب فى صالح العمالة والاقتصاد تلقى ترحيب الجميع. موضحاً أن الحوافز الضريبية والتأمينية يجب ألا تقتصر فقط على الصناع، بل يجب أن تشمل التجار. ومن الضرورى أن توفر الحكومة البيئة الأساسية لهؤلاء من خلال توفير أراضٍ لإقامة منشآتهم بأسعار مخفضة وإعداد دراسات جدوى قوية بالإضافة لتحديد نوعية الصناعات والمنتجات التى يحتاجها السوق، ومع مراعاة إعادة تأهيل هؤلاء بتدريبهم بهدف تحديث إنتاجهم وتجويده. مستطرداً: فهؤلاء اعتادوا تصنيع منتجات تفتقد الجودة، بالإضافة إلى أهمية احتواء إنتاجهم من قبل الحكومة والجهات المانحة سواء من خلال الصندوق الاجتماعى أو أى جهة، وذلك بوضع خطوات تمويلية جادة وعمل دراسة جيدة، ومنحهم فرصاً للتسويق من خلال جهات تتولى تسويق منتجهم مع مراعاة توفير مستلزمات الإنتاج والآلات لخدمة مصانعهم. وأوضح الدكتور عادل رحومة رئيس الاتحاد العربى لتنمية المجتمعات العمرانية للمدن الجديدة أن هذه المنشآت لن تنضم للاقتصاد الرسمى تحت عباءة الحكومة إلا بحوافز عدة، أبرزها تسهيلات ضريبية وإعفاء من التأمينات لفترة لحين توفيق أوضاعهم، وهو ما قامت به الحكومة من خلالها قرارها. مستطرداً ولكن ذلك لا يكفى فهى منشآت بالفعل تعفى نفسها من الضرائب أو دفع تأمينات لعمالها بإرادتها، ولذلك من الضرورى البحث عن وسائل تمويلية تغريهم وتحفزهم على الاندماج فى المجتمع والاقتصاد مثل استفادتهم من مشروع الرئيس الذى رصد خلاله 100 مليار جنيه للشباب وأصحاب المنشآت الصغيرة. وأشار إلى نقطة أخرى يراها مهمة جداً وأساسية لدمجهم ألا وهى توفير منشآت صغيرة لإقامة مشروعاتهم فى المدن الجديدة يحصلون عليها بمقدمات وأقساط فى غاية من اليسر والتسهيلات، بالإضافة إلى تمويل مراحلهم الإنتاجية مثل تمويل استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج من أى جهة مانحة سواء كانت حكومية أو غيرها من الجهات المانحة الخارجية بموافقة الحكومة. أما يحيى زنانيرى نائب الشعبة العامة للملابس بالاتحاد العام للغرف التجارية فيرى أن هناك مشكلة ستظل قائمة وربما تؤثر على اندماج هذه المنشأة، فمثلاً كيف سيتم تقييم وتحديد المنشآت الصغيرة، فالمفترض حتى تندمج وتسرى عليها الإعفاءات أن يقوم هؤلاء بإعطاء بيانات للحكومة عن حجم أعمالها ونوعية أعمالها، وهو ربما يجدون صعوبة فى إعطائها بالإضافة إلى تحديد معاييرها ومدى سريان مسمى منشأها أو مصنع عليها هل سترتبط برأس المال أو دوران المال وحجم الأعمال. وهناك نقطة مهمة أن جزءاً كبيراً من المجتمع الصناعى الرسمى وغير الرسمى، بعض من أصحاب الورش الصغيرة، فما سينطبق على الرسمى سينطبق على غير الرسمى، وهنا ستجد الحكومة من الضرورى عدم التفرقة بينهم، وربما يؤدى ذلك لتحمل الحكومة أعباءً تفوق قدرتها بمراحل وربما تهدد المنظومة بأكملها. وللدكتور جمال عابدين عضو شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية وجهة نظر أخرى، وهى أن أى قرارات أو حوافز سواء ضريبية أو جمركية، أو ما يتعلق بالنظام التأمينى لن تجدى مع أصحاب هذه الحرف غير الرسمية، فهم بالفعل معفيون بإرادتهم من كل هذه النظم.. والسؤال الذى سيفرض نفسه عند محاولة دمجهم ما النفع الذى سيعود على صناعتنا بل العكس فربما يظنون أن منظومة الحكومة سوف تحرمهم من مكاسب باستطاعتهم تحقيقها بعيداً عنها، فهو فى رأيى حافز سلبى، لافتا إلى أهمية البحث عن حافز إيجابى من خلال البحث عن طرق وبدائل تمويلية بعيدا عن جهات التمويل الرسمية التى أنشئت فى السنوات الأخيرة كالصندوق الاجتماعى للتنمية، فهو لا يتناسب مع هؤلاء نهائياً، فمثلاً كرئيس لمستثمرى مدينة السلام حاولت أن أقوم بدور لدمج أصحاب ورش فى الجمعية يصل عددهم إلى أكثر من 1400 ورشة، وأخذت موافقات حكومية على تقنين أوضاعهم وحصولهم على قروض من الصندوق الاجتماعى. وجاءت مطالبات الصندوق عكس وضع الورش التى لم يحصل أصحابها على تراخيص، وأهمها أن يقوموا بعمل بطاقة ضريبية وسجل تجارى حتى يتسنى لهم الحصول على التمويل والذى يتم عبر البنوك وباءت المحاولة بالفشل بسبب هذه الشروط، بالإضافة لطلب البنوك ضمانات لا تتناسب مع إمكانيات أصحاب الورش. ويقترح عابدين تغيير مهام الصندوق على غرار بنك الفقراء فى الهند بجعله بنك الصندوق الاجتماعى حتى يتسنى لنا مساعدة هؤلاء ودمجهم فى المجتمع الاقتصادى.