ليست هذه هي وحدها ألقاب الملازم الشاب معمر القذافي.. الذي انتزع لنفسه رتبة العقيد، ليصبح أعلي رتبة من زعيمه المقدم أي البكباشي جمال عبدالناصر.. أم هو أقدم حكام العالم، بعد اليزابيث ملكة بريطانيا.. الذي حكم بلاده 42 عاماً ولا الحكام الجبابرة الكبار.. فهو يحكم بلاده منذ سبتمبر 1969 وظل يحكم حتي أطلق علي نفسه ملك ملوك أفريقيا.. وكأنه ما جاء إلي هذه الدنيا فقد ولد في مدينة سرت.. ومات في مدينة سرت، ولكن في حفرة أو في انبوب تحت الأرض. ولكنه فارق كبير بين يوم مولده.. ويوم مقتله. وبسبب غرور هذا الرجل أضاع بلاده.. وثروة بلاده.. وبترول بلاده الذي جعل ليبيا ثالث أكبر دولة منتجة للبترول في افريقيا بعد نيجيريا والجزائر.. ولكنه أضاع كل هذه الثروات.. مرة في مشروع وهمي لنقل المياه الجوفية في جنوب شرق ليبيا علي حدود مصر الجنوبية الي الشمال حيث البحر المتوسط وهو مشروع كان الأرخص منه تحلية مياه البحر بكثير.. ولكنه قدم الي كوريا كنزا من ذهب من جراء هذا المشروع. ثم مرات علي مشروعاته وطموحاته السياسية شديدة المرارة.. وتحت دعاوي مساعدة الثوار الطامحين الي الحرية فتح خزائن بلاده لمساعدة ثوار ايرلندا.. ومساعدة ثوار امريكا الوسطي والجنوبية.. ثم مد ذراعه الي افريقيا.. مرة لتحرير ما بقي من مستعمرات.. ومرات لانشاء مستعمرات له في قلب افريقيا.. وما حربه الشرسة مع تشاد علي اقليم تيزي أوزو واقتحامه بالجيش الليبي الا واحدة.. واخري عندما عبث ولعب في جنوب السودان.. متآمراً علي مصر وعلي السودان معاً.. وقدم الاسلحة الي حركة انفصال الجنوب وكان اسعد أهل افريقيا يوم انفصل الجنوب عن شمال السودان. وحاول الرجل شراء كل شيء.. وأي شيء!! كان يعتقد انه بالمال يستطيع أن يملك الدنيا.. فأضاع ثروات بلاده وما حصل علي شيء.. وبالمناسبة تزيد عائدات بلاده من البترول علي 60 ملياراً من الدولارات.. فماذا ترك لبلاده الا الدمار والا الخراب، في كل المدن الكبري والصغري: علي طول ساحل البحر المتوسط.. وفي داخل الصحراء حتي حدودها مع تشاد والنيجر.. ونتج عن أفكاره الشيطانية اكثر من قتلي يعدون بعشرات الالوف.. ومثلهم من الجرحي.. ومئات الألوف فروا مهاجرين الي تونس والجزائر ومصر.. والي أوروبا.. فأي خراب وأي دمار.. جاء - كما ادعي - في بياناته الاولي لثورة الفاتح من سبتمبر ليغير أوضاع بلاده.. ويسعد شعبه.. فدمر ما دمر من مدن وقتل من قتل.. وكأنه أراد ان يترك بلاده أسوأ مما تولي مسئوليتها منذ 42 عاماً. وكان يريد أن يصمد لكي يستمر علي رأس الحكم.. مهما حدث من دمار.. ولهذا وزع أولاده يقودون المقاومة ضد الشعب.. كان هو يقود المقاومة ضد الثورة في سرت بحكم انها مسقط رأسه.. حتي سقط هو في حفرة ربما تشبه حفرة صدام حسين، وكان ذلك بالقرب من مسقط رأسه أيضا، في شمال العراق. وكان سيف الاسلام ابنه المفضل ووريثه المتوقع يقود المقاومة في بني وليد. وهو هنا كان يدافع عن حلمه في حكم ليبيا بعد أبيه، اكثر مما كان يدافع عن أبيه نفسه. وكان خميس يقود معركتي مصراتة وطرابلس.. مدافعاً عن العاصمة لتظل رمزا لحكم والده.. وربما تسقط ثمرة الحكم في حجره، إذا سقط سيف الاسلام نفسه ويظل هو ملك ليبيا المتوقع!! وكان المعتصم يقود جانبا من قوات والده في سرت.. وكانت كل هذه المدن مراكز ثقيلة يتحرك فيها القذافي وأولاده علي امل اجهاضهم للثورة الشعبية التي انطلقت من بني غازي في الشرق من ليبيا.. وبقدر ما كانت مقاومة القذافي وأولاده شرسة.. كانت النتيجة مدمرة لكل هذه المدن الرئيسية. ولكن سقوط القذافي ومصرعه في سرت وتحطم قوي المعارضة بقيادة أولاده أفشلت ما كان متوقعاً لليبيا: دولة عربية واحدة وموحدة.. أي كان سيعود بليبيا الي اكثر من 60 عاما الي الوراء، اي قبيل استقلال ليبيا.. التي كانت الانقسامات تهدد قيام دولة موحدة هناك قبيل اعلان الاستقلال.. بل كانت برقة ستصبح دولة مستقلة في شرق ليبيا عاصمتها بني غازي.. وكانت طرابلس ستصبح دولة مستقلة اخري في غرب ليبيا.. أما منطقة فزان - في الجنوب الغربي - فكانت ستصبح نهباً للمطامع الاستعمارية الفرنسية وغيرها. الآن تعود ليبيا الي نقطة الصفر.. تبدأ من جديد.. وتحاول ان تنسي مرارة 42 عاما وقسوة حكم القذافي فيها.. فهل هكذا دائماً : الثوار ينقلبون.. ويتحولون من دعاة للديمقراطية الي طغاة وجبابرة ونماذج لأقسي نظم الحكم الديكتاتورية. هكذا في العراق.. وفي اليمن.. وفي ليبيا.. وفي سوريا.. وفي مصر.. أما لماذا لا نري ديكتاتوريات في اوروبا.. فهذا هو حديث آخر!!