تهليل واشنطنوموسكو معًا لتحرير مدينة تدمر السورية من قبضة «داعش» قد لا يكون المناسبة الأولى التي يتطابق فيها حساب الحقل الروسي في سوريا مع حساب البيدر الأميركي، ولكنه يبدو - حتى الآن - الحصيلة الأبرز لهذا التطابق. عمليًا، تعود بوادر هذا التطابق إلى عام 2013، وتحديدًا إلى ما روّجت له وسائل الإعلام الأميركية عن «اقتناع» الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «انضم إلى الأسرة الدولية» عقب «اقتراح» وزير خارجيته، سيرغي لافروف، على الرئيس السوري بشار الأسد، «التخلي» عن ترسانته الكيماوية، ومن ثم مسارعة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إلى قبول «الاقتراح» (والتعبير لوزير الخارجية الروسي)، رغم أن سوريا كانت تعتد بسلاحها الكيماوي، بداعي أنه الركيزة الاستراتيجية الأولى لدبلوماسية «الممانعة» لسياسات الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. في الواقع، منذ تراجع الرئيس أوباما عن تنفيذ وعيده بقصف قواعد عسكرية للنظام السوري عام 2013، والشق الفاصل بين موقفي روسيا وأميركا من الأزمة السورية يتقلص باطراد، بادئ ذي بدء على حساب الدول العربية المؤيدة للمعارضة السورية، ومن ثم على حساب تركيا، وأخيرًا على حساب الثورة نفسها. هذا «التقارب» المتدرج، ببطء ولكن بثبات، بين الموقفين الأميركي والروسي، من النزاع السوري يطرح سيلاً من التساؤلات قد يكون أبرزها: - لماذا لم توافق الولاياتالمتحدة، يومًا، على مطلب تركيا، شريكتها في حلف شمال الأطلسي، بإقامة منطقة حظر جوي محاذية لحدودها الجنوبية مع سوريا تكون، جغرافيًا، بمثابة ملاذ آمن للمدنيين السوريين النازحين عن مناطق القتال الساخنة، وسياسيًا مؤشرًا لدور تركي في التسوية السياسية للنزاع السوري؟ - هل كان دافع الموقف الأميركي إقصاء تركيا عن أي دور مؤثر في التسوية أم الحرص على عدم إغضاب روسيا، جارة تركيا اللدود، بعد أن أوحت روسيا بأن الهدف الدبلوماسي من تدخلها في سوريا ليس منافسة واشنطن على نفوذها في الشرق الأوسط، بقدر ما هو حملها على قبولها شريكًا دوليًا مؤثرًا في تسوية الأزمات الدولية. - لماذا لم تتعامل إدارة أوباما بالجدية والمسؤولية اللازمتين لتدريب وتسليح فصائل الثوار المنعوتة في واشنطن ب«المعتدلة» والمدعومة من جهات عربية غير بعيدة عن واشنطن، علمًا بأن فكرة تشكيل هذه الفصائل انطلقت من الإدارة الأميركية؟ - هل كان الدافع تحاشي تبعات انتصار «عربي» في سوريا قد ينعكس سلبًا على المفاوضات النووية الجارية آنذاك مع إيران، أم خشية الانزلاق ب«مغامرة» عسكرية تضعها، مرغمة، في مواجهة مباشرة مع روسيا، خصوصًا أن تقدم الثوار في ريف اللاذقية كان من شأنه تهديد أمن قاعدتي موسكو العسكريتين في المنطقة؟ - هل «فوجئت» واشنطن فعلاً، كما ذكرت، بالتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، علمًا بأن التدخل سبقته اتصالات دبلوماسية سورية - روسية ومهدت له ترتيبات لوجيستية يصعب أن تكون وكالة الاستخبارات الأميركية قد غفلت عنها - أم الإعراب عن «التفاجؤ» كان لتبرير ردة الفعل الأميركية الفاترة حيال التدخل الروسي وللاحتفاظ بحد أدنى من مصداقية علاقتها مع الدول العربية «المعتدلة»؟ - أخيرًا، لا آخرًا، وبسحر أي ساحر تبدل موقف الإدارة الأميركية الرافض لشرعية الرئيس بشار الأسد والمطالب، منذ اندلاع الثورة السورية، بتنحيه عن السلطة ليتوافق مع الموقف الروسي الداعي لاستبعاد البحث بمصيره إلى ما بعد التفاهم على الفترة الانتقالية وتلزيمه للناخب السوري؟ مقاربة واشنطنوموسكو للنزاع السوري، بعد عام 2013 على الأقل، تبدو أشبه ما يكون بمشاركتهما بلعبة كراسي موسيقية: كلما تخلى اللاعب الأميركي عن كرسي اعتلاه اللاعب الروسي.. إلى أن توصل اللاعبان، حسب تعبير نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إلى إزالة «عقبة لم يكن ممكنًا تجاوزها على درب العملية التفاوضية»، أي ألا يكون تحديد مستقبل الرئيس السوري على «جدول الأعمال في المرحلة الراهنة»، وأن يُترك لقرار الناخب السوري (المشتت في ثلاثة أرباع أصقاع العالم). على خلفية هذه التطورات قد يجوز التساؤل: هل ما شهدناه من لعبة الدولتين العظميين على الساحة السورية كان تطابقًا ظرفيًا.. أم «توطؤًا» مدروسًا؟ نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط