في الأعوام الثلاثين التي حكم فيها مبارك مصر تحول عمدة القرية من قاض يأمر وينهي فيطاع إلي موظف يُنهي ويُؤتمر فيطيع، ومن «حاكم بأمره وسيد قراره» إلي «حاكم بأمر الحزب الوطني»، ورغم سقوط النظام،مازال العمد يدينون بالولاء الكامل له، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة عن دورهم في الفترة المقبلة وإمكانية اتحادهم مع الفلول في الانتخابات. ارتسمت صورة العمدة في أذهان المصريين علي طريقة فيلم «الزوجة الثانية»، ذلك الرجل الذي يستطيع السيطرة علي كل شيء وأي شيء، وهو بذلك يستطيع أن يتحكم في أهل قريته، إن شاء عدل، وإن شاء ظلم، لدرجة أنه يستطيع أن يجبر امرأة علي الطلاق من زوجها ليتزوجها هو، فكان عمدة القرية يتمتع بقدرة فائقة علي السيطرة وإلزام الآخرين بطاعته، إلا أن هذه القوة وهذا البأس تحولا إلي ضعف وهوان شديدين، وأصبح العمدة في الأعوام الماضية منفذاً لأوامر الحكومة، وبات الأداة التي لعب بها الحزب المنحل للسيطرة علي القري التي تشكل السواد الأعظم من مساحة مصر. وفي هذه النقطة تتحدث الدكتورة هند فؤاد، المدرس المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، قالت: «شارك العُمد في تزوير الانتخابات بالاتفاق مع الحزب الوطني، ولا أقصد بالتزوير هنا أنهم وقفوا في اللجان وقفّلوها، كما كانت تفعل شرطة العادلي في اللجان، بل كانوا جميعاً أمناء للحزب الوطني في قراهم، الأمر الذي يسمح لهم بالسيطرة علي الأصوات الموجودة في الدائرة». وتضيف: «كان هذا ظاهراً بشكل أكبر في الوجه القبلي دون البحري، حيث العصبيات القبلية ودور العمدة وشيخ القبيلة المهم في إلزام من حوله بطاعته، وقد لعبت المصالح دوراً كبيراً أيضاً في هذا الموضوع، فالعمدة بسطوته وعلاقاته كان يساوم الناس علي أصوات يعطونها للحزب الوطني السابق مقابل مصالح يقضيها لهم، وهو الأمر الذي أحذر من تكراره في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن فلول الحزب الوطني كما هم، والعمد كما هم، ولم يتغير أي شيء!». وعن عودة العمدة لوضعه القديم، وعودة سلطاته، ليمارسها في الحق وليس في التبعية والتزوير، تقول الدكتورة هند: «لن يعود العمدة إلي ما كان عليه قبل 30 عاماً يعود إلي تعاليم الدين الإسلامي، ويتقي الله فيمن يحكمهم، ويعود كذلك الناس إلي رشدهم ودينهم». أما اللواء فؤاد علام، الخبير الأمني، فله رأي آخر في كيفية عودة العمدة إلي دوره المفترض، حيث يقول: «لن يعود العمدة إلي وضعه الطبيعي ويحترمه الناس إلا بعودة انتخابات (العمودية) مرة أخري، حيث تعين الداخلية العمد طوال السنوات الماضية، وبالتالي كان يفعل العمدة كل شيء لمصلحة الحزب ورجاله، أما عندما تتم انتخابات حرة ونزيهة، ويختار الناس العمدة كما يحلو لهم، سوف يحترمونه لأنهم من رشحوه لذلك، بالإضافة إلي أنه سيكون من عائلة كبيرة ولها وزنها، أما الآن فالعمدة ليس له أي تأثير، لكن المثير في الأمر أن ثمة معلومات مؤكدة تشير إلي انضمام عدد كبير من عُمد الداخلية إلي (الحزب الوطني الجديد)، الذائب في مجموعة من الأحزاب مثل المواطن المصري ومصر القومي والاتحاد وغيرها لتبدو الأمور وكأنها تعود إلي نقطة الصفر مرة أخري، فهل هذه نقطة بداية لعودة الفلول وسيطرتهم علي العمد، والذين بدورهم يسيطرون علي قراهم؟». وحتي نعرض الرأي الآخر، تحدثنا مع عدد من العمد، فنفي «أيمن عبدالمحسن» عمدة قرية الرجالات بالقليوبية كل الاتهامات التي توجه للعمد، قائلاً: «لم يشارك العمد في تزوير الانتخابات في السنوات الماضية، ولن يشاركوا كذلك في الانتخابات البرلمانية المقبلة».