سنوات طويلة ولا ينظر إليهم أحد، حكومة تأتى وأخرى تغادر، ومعاناتهم مستمرة، هم أصحاب المعاشات أو «الحيطة المايلة» التى تجور عليها الحكومة دائماً، إما بالاستيلاء على أموالهم التى تقدر بنحو 620 مليار جنيه، أو بإسقاطهم مع سبق الإصرار والعمد من برنامجها وبيانها الذى كان ينتظره نحو 9 ملايين أسرة، تحصل على معاش أقل من 500 جنيه، بل هناك من يحيا منهم ب200 جنيه و100 جنيه فقط (تخيلوا...) هذا المبلغ الزهيد الذى لا يكفى مصروفاً يومياً لابن من أبناء الذوات، هو كل دخل سيدة أعطت الدولة والوطن 30 عاماً أو أقل قليلاً من العمل الشاق، أو رجل تجاوز الستين، ويعانى كل أمراض الدنيا، ويذوق الأمرين حتى يجد ثمن العلاج أو يجد له مقعداً فى مستشفيات الحكومة والتأمين الصحى. «الوفد» استمعت إلى قصص وحكايات من آلام «أموات على قيد الحياة» يعيشون محرومين من كل شىء له علاقة بالإنسانية والعدالة الاجتماعية والكرامة وغيرها من الشعارات التى يسمعون عنها فقط فى عالم الخيال، لأنهم ببساطة شديدة يعلمون علم اليقين أنهم محرومون من جنة الحكومة، وسيبقون دائماً فى قبضة الفقر والغلاء والمرض. على كرسى بسيط تجلس عطيات إسماعيل بعد أن أقعدها المرض ومنعها من الحركة، تقضى يومها لا تسمع إلا صوتها ينادى على ابنتها يا «شيماء» أعطينى العلاج تعالى لا تتركينى وحدى مش قادرة أقوم. «عطيات» لم تر نور الصباح منذ سنوات، يساعدها أحفادها على الحركة داخل الشقة البسيطة التى تعيش فيها بمنطقة ال«70 فدان» بالمقطم، ليس لها فى الحياة مأوى سوى بناتها الثلاث، تقضى ما تبقى لها من عمر بعد أن تجاوز عمرها السبعين عاماً تشتكى النسيان بعد أن غادر زوجها الدنيا ليتركها فى الحياة تصارع المرض، لا أنيس لها ولا ونيس، ليس لها أى دخل سوى معاش لا يتجاوز 95 جنيهاً، ورثته عن والدها الذى كان يعمل فى مصلحة السجون، فهذا المبلغ نصيبها من معاش صرفته لها ولأخواتها الحكومة ويقدر بنحو 500 جنيه. حاولت «عطيات» السبعينية صرف معاش خاص بها وحدها إلا أنها فشلت أو كما قالت «تقدمت منذ ثلاث سنوات للشئون الاجتماعية فى مصر القديمة أخذوا منى الورق ولم أتلق أى ردود من الوزارة حتى الآن، ومازلت أصرف معاش والدى وأنا ست مريضة وقعيدة فى الفراش، مش حمل بهدلة، معاش الحكومة لا يكفى ثمن علبة دواء، مشيرة إلى أنها تعالج شهرياً بنحو 400 جنيه يتحملها بناتها بعد وفاة زوجها، مشيرة إلى أن أقل فيزيتا طبيب يكشف عليها تصل إلى 200 جنيه. وتضيف «عطيات»: الحكومة بتنهش فى لحم الغلابة، أخذت حقنا، كنت أسكن فى عزبة خير الله فى منزل مع أولادى حياة مستقرة آمنة وأخلتنا منها بحجة أنها آيلة للسقوط وتم نقلنا إلى شقق سكنية فى مدينة 6 أكتوبر وبعد فترة تم طردنا منها ولم نحصل على تعويضات أو وحدات سكنية حتى الآن وأعيش مع زوج ابنتى. وتتذكر «عطيات» زوجها باكية: «كان مقاول أد الدنيا، كنا بنعيش وأيضاً 6 من أبناء فى شقة باسطبل عنتر، المرحوم لم يحرمنا من حاجة، ولكنه مرض وتوفى وأولادى ولم يتبق لى سوى بناتى، ولكن الحياة اختلفت والزمن غير الناس، زمان كنا بنحب بعض والآن الناس بتعتبرنا أموات على قيد الحياة مفيش احترام من الصغير للكبير. وتطالب «عطيات» الحكومة بتوفير معاش آدمى يكفى لشراء العلاج الذى يكلفها 400 جنيه، وأن تضع الحكومة حلاً لمهزلة «السبع دوخات» التى يعيشها كل من يحاول استخراج معاش له، مشيرة إلى أنها قضت 3 سنوات حتى حصلت على المعاش بعد رحلة عذاب فى مكاتب التأمينات. «المطلقة» كعب داير جسد نحيل من شدة المرض.. ودموع لا تفارق وجهها خوفاً على بناتها الصغار، تجلس هويدا عبدالفتاح تفكر فى تقلبات الأيام وكيف نواجه الظروف الصعبة التى تمر بها نتيجة المرض الذى جعلها تلازم الفراش رغم سنوات عمرها التى لا تتعدى السابعة والعشرين ربيعاً. لم تتخيل يوماً أن تجد نفسها بعد السنوات التى عاشتها مع زوجها بين أربعة جدران لا سند لها فى الحياة، بعد أن تخلى عنها الجميع حتى الدولة حرمتها من حقها فى «معاش المطلقات». «هويدا» تقيم الآن مع والدها ووالدتها فى شقة بها بعض الأثاث القديم ودون دولاب يحوى الملابس التى تتناثر فى أرجاء المكان، من حين لآخر تنظر فى وجوه بناتها الثلاث وتضمهن إلى حضنها قبل أن تصرخ باكية: «ما ذنبهم يتحرموا من العيش مثل كل الأبناء». والدة «هويدا» ذهبت إلى مديرية الشئون الاجتماعية بمنطقة أرض اللواء بالجيزة وهى المنطقة التى تسكن بها لتقديم طلب للحصول على معاش ورفض الموظف المختص تسلم الأوراق المطلوبة، وقال: «لازم يكون معاك عقد إيجار مفتوح» غير محدد المدة وعادت والدتى تجر خيبة الأمل معها. وتتساءل «هويدا»: من أين نأتى بعقد إيجار شقة قديمة يحتاج إلى 25 ألف جنيه أو 30 ألف جنيه ونحن لا حيلة لنا ولا قوة، مصاريف العلاج الشهرى تتجاوز ال2000 جنيه وأعانى من حساسية صدر مزمنة ونقص أكسچين فى الدم ووالدى رجل كبير فى السن ومريض يعانى من القلب وآلام الظهر ليس لديه القدرة على العمل أو معاش لم يتجاوز عمره الأربعة والستين عاماً ووالدتى ست مسنة تجلس فى السوق ببعض الخضار لكى توفر لنا مبلغاً بسيطاً يكفى احتياجاتنا بالكاد واللقمة الحلال. وتتذكر «هويدا» سنواتها الماضية قائلة: كنت بشتغل كوافيرة لمدة 5 سنوات وتركت المهنة عندما تزوجت، كنت أعيش حياة كريمة وعندما طلقنى زوجى رجعت للمهنة وعندما أصابتنى الحساسية نتيجة دخان المهنة منعنى الأطباء من العمل بسبب المرض. وتطالب «هويدا» الحكومة ووزيرة التضامن الاجتماعى بتوفير معاش يكفل لها حياة كريمة هى وبناتها الثلاث يعينها على تعليمهن وتربيتهن ويعفيها عن السؤال والحاجة للآخرين بعد أن تقطعت بها السبل وضاقت بها الدنيا وأغلقت فى وجهها كل الأبواب.