بتجاعيد في الوجه، وابتسامة شامخة، لم تنسَ أمجاد الماضي بعد، تستقبل الحياة كل يوم، بنظرة باسمة ولكنها غير آملة بغدٍ أفضل بعد أن انتهت كل ضحكات الزمن التى أسعدتها ذات يوم.. إنها الدكتورة شويكار، حاصلة على شهادة دكتوراه في جامعة القاهرة عام1984. تخطى عمرها السبعين، وعاصرت أكثر من حقبة مر بها الوطن، من الملكية، التى أدركتها طفلة، ثم الجمهورية، التى عاصرتها شابة وكهلة ثم عجوزًا، ومن ثورة إلى ثورة لم تشارك بها إلا قلقة وداعية لمستقبل أفضل للوطن كمعظم نساء الأمة. تتفتح ورود الحياة وتبتسم للمرأة حين تدرك أن حياتها العملية وسعادتها القلبية يسيران بتوازٍ نحو غد باسم، كما تشير المعطيات، ففي يوم ما من سبعينات القرن الماضي ارتدت الثوب الأبيض لنصفها الآخر، وبيوم آخر أسعدته بأول طفل، ثم مرت الأيام لتتوج مسيرتها بدكتوراه من أعرق جامعات مصر، وهى جامعة القاهرة، التى لا تنال فيها الشهادات بسهولة وتتسلمها من الدكتور عاطف صدقي، رئيس وزراء مصر الأسبق، الذى كان عميدًا لكلية الحقوق وقتها، ومعلمها الفخور بتلميذته الدؤوبة. يوم بعد الآخر والحياة تسير كما هى من دون أزمات تذكر، حتى حدثت العاصفة التى هزت أركان المنزل برحيل الزوج وكنف الأسرة وسند الزوجة، التى استقلبت الخبر بغصة في القلب ونظرة تدركها كل أرملة لم تضع يومًا كهذا في الحسبان. تواصل دكتورة جامعة القاهرة حياتها مع نجلها وسندها الأخير، الذى تركته لها الحياة كضحكة أخيرة وومضة لم تخفت بعد، تدلله وتهذبه وتحنو عليه كما ينبغي لدورها أن يكون، ومن ناحية أخرى تواصل مسيرتها التى تفخر بها وبشهادتها التى كلفتها الكثير من أيامها للوصول للكرسي التى حلمت به طوال عمرها. وتبقى الحلم الأكبر الذى تنتظره كل أم آملة وفرحة ومتوجسة، وهو رؤية فتاها ببدلة سوداء وعروسه إلى جانبه تتبختر وتعده بغد أجمل، ولكن انطفأ بريق هذا الحلم السعيد فجأة بأكبر صدمة استقبلتها شويكار في عمرها، وهى رحيل الابن دون إنذار، قالوا لها أزمة قلبية جعلت قلبه توقف ورحل، هكذا ببساطة، تراه ممددًا على سريره كما كان، ولكن من دون أنفاسه المنتظمة التى أعتادت أن تسمعها، ولم تدرك يومًا أن تتوقف على الأقل في حياتها هي، لتتساءل عن تلك الحياة التى تضن عليها بالإشراق فجأة بعد بريقها الذى طال عنان السماء ثم أنطفأ دفعة واحدة. وبعد الألم الدامى يأتى وقت القرار لتقرر الأرملة الثكلى أن تترك حياتها القديمة دفعة واحدة باستقالة ومعاش مبكر، ثم تترك شقتها لصاحب المنزل وترحل من دون وداع من الراحلين.. لتقصد أحد دور المسنين لتسكتمل ما تبقى من عمرها، لتجلس على كرسيها المفضل بتجاعيد في الوجه وابتسامة رائقة شامخة لم تنسَ أمجاد الماضي بعد، تستقبل الحياة كل يوم، بنظرة باسمة، ولكنها غير آملة بغدٍ أفضل، بعد أن انتهت كل ضحكات الزمن التى أسعدتها ذات يوم.