تشهد الأسواق حاليا حالة من الارتباك وبوادر موجة تضخمية جديدة قد تعصف بالاقتصاد المصرى سببها انفلات سعر الصرف نتيجة للشائعات والتوقعات وربما الرسائل السلبية التى قد تصدر عن الحكومة عن غير قصد ولا تستهدف فى الأساس سعر الصرف وكانت بداية الموجة فى تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة بأن الحكومة قد تتخذ إجراءات مؤلمة الفترة القادمة التى فهم محتواها المواطنون بخشية انهيار أوضاعهم وترجمها الصناع والمستوردين بتصورات خاطئة أحدثت ضغوطاً فى السوق، وتزامن مع هذا عدم وضوح الرؤية الحقيقية وقراءة المتعاملين خاصة رجال الأعمال بالسوق للمؤشرات النقدية خاصة وضع احتياطى النقد الأجنبى بنوع من التشاؤم، ورغم أن الشهور الثلاث الأخيرة عكست زيادة فى الاحتياطى من النقد الأجنبى مع قدوم المحافظ الجديد طارق عامر ومجلس إدارة المركزى، إلا أن هذه الزيادات لم تطمئن السوق كما تزامن الكشف عن عمليات تضر بالنقد الأجنبى القادم للبلاد ما يعطى إشارة سلبية أخرى، فضلاً عن ضغوط المستوردين والشركات الكبرى والمؤسسات التى تحتاج إلى الدولار بشكل متزايد عن معدلاته فى السنوات الماضية وممارسات شركات الصرافة التى تحول عدد من أصحابها إلى تجار للدولار فى السوق السوداء وزادت ممارساتها الخاطئة وتلاعبها كلها مما أدى إلى الأزمة الراهنة لسعر الصرف. وبالنسبة لاحتياطى النقد الأجنبى فقد ارتفع فى نهاية شهر فبراير الماضى حسبما أعلن البنك المركزى الأسبوع الحالى بنحو 56 مليون دولار ليسجل 16.534 مليار دولار، مقارنة بنحو 16.478 مليار دولار نهاية يناير. والمحلل لبنود الاحتياطى يجد أن الزيادة تعود بالأساس إلى زيادة أرصدة الذهب وهى التى تسببت في الارتفاع الأخير مقابل انخفاض بعض البنود الأخرى المكونة للاحتياطي، حيث ارتفعت قيمة الذهب بنحو SDRs 253 مليون دولار، لتصل أرصدته بالاحتياطي إلى 2.5 مليار دولار، مقارنة بنحو 2.3 مليار دولار نهاية يناير، وارتفعت حقوق السحب الخاصة لتصل إلى 11 مليون دولار وسجلت 1.164 مليار دولار فى نهاية فبراير. بينما أرصدة العملات الأجنبية تراجعت بقيمة 207 ملايين دولار لتبلغ 12.786 مليار دولار، بدلاً من 12.993 مليار دولار نهاية يناير 2016، وانخفضت القروض من صندوق النقد بمليون دولار مسجلة 52 مليون دولار نهاية فبراير الماضي وبالتالى فإن المكون الوحيد الذى ارتفع تقريباً هو رصيد الذهب، وهذا إلى حد ما أفضل من تراجعه الذى بدأ فى الشهور الماضية، ولا ننسى تدبير البنك المركزى لعطاءات الدولار للبنوك لتلبية الاحتياجات الأساسية، حيث أعلن طارق عامر محافظ البنك المركزى عن توفير نحو 2.8 مليار دولار للاحتياجات العاجلة خلال الشهرين الماضيين. وأزمة احتياطى النقد الأجنبى تطورت بشكل كبير بعد ثورة يناير 2011 وتدهور ميزان المدفوعات الذى أدى إلى حدوث انخفاض حاد في صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي، حيث تراجع من 35.2 مليار دولار في يونية 2010 ليصل إلى 16.534 مليار دولار في نهاية فبراير 2016 رغم المساعدات الخليجية للاقتصاد المصرى وهو ما أدى إلى تراجع عدد شهور الواردات السلعية التي يغطيها صافي الاحتياطيات الدولية الى نحو 2.3 شهراً مقارنة بنحو 8 شهور فى يونية 2010. وظلت أزمة ميزان المدفوعات أزمة ضاغطة على الاحتياطى من النقد الأجنبى وعلى سياسات الحكومة وخططها وقد استهدفت الحكومة المصرية في خطتها متوسطة المدى من 2015/2016 وحتى 2018/2019 زيادة حجم الاحتياطي من النقد الأجنبى إلى 28 مليار دولار تغطى ما يقرب من 4 شهور من الواردات السلعية وفقا لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية متوسطة الأجل للبلاد الصادرة عن وزارة التخطيط، وهذا يصب فى خانة التوقعات الإيجابية للحكومة التى تمتلك المؤشرات والأدوات التى تحققها من خلال خططها القادمة وفق المعطيات الراهنة وهذا ربما يكون عكس التوقعات السلبية للأفراد فى السوق. والقارئ لبنود الاحتياطى يجد أن الارتفاع الذي حدث طفيف جدا ولا يعكس تحسنا حقيقيا في موارد النقد الأجنبي، التي تعاني بشدة نتيجة التباطؤ في اتخاذ خطوات تعالج بشكل جذري هذه الأزمة وتؤدي في النهاية إلى تنشيط الاقتصاد التي تتمثل في الأساس في عودة الصادرات وزيادة حجم الاستثمارات وتنشيط السياحة والحد من معدلات نمو الواردات مع الإشارة إلى أن مشكلة ارتفاع سعر الدولار حالياً ترتبط فى الأساس بالتوقعات والشائعات المستمرة حول تقديراته السعرية الفترة القادمة وهو ما تؤكده دوائر التحليل الاقتصادى. وبالتالى فإن هناك آراء اقتصادية ترى أنه إذا أردت مصر تجنب المضي في تعديل قيمة الجنيه وفقدان المزيد من احتياطات العملة الأجنبية، فيجب عليها التحرك نحو سوق أكثر مرونة فيما يتعلق بنظام سعر الصرف، وهذا من شأنه تقليل الواردات والمساعدة في الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتالى لن تكون مصر بحاجة إلى مواصلة البحث عن التمويل الخارجي للإبقاء على الاحتياطي الأجنبي عند المستويات الآمنة، مع اعتماد سياسة نقدية تستهدف التضخم أولاً، وهو ما يتيح مجموعة من المميزات تتمثل في تخفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي وتعميق إصلاحات القطاع المالي وتعزيز الشفافية فيما يتعلق بعمليات البنك المركزي وتقليل دور الحكومة في السياسة النقد حسب الآراء التحليلية. بينما يرى آخرون ومنهم الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب وكيل أول وزارة التجارة والصناعة والخبير الاقتصادى أن أزمة الدولار فى مصر ترتبط بمعطيات كثيرة ومن الملاحظ أن الأزمة ما تلبث أن تهدأ حتى تظهر من جديد بشكل أكثر عنفاً، مخلفة فى كل مرة ارتفاعات كبيرة فى أسعار السلع والخدمات، التى تزيد معاناة المواطن المصرى، وتقلل من إمكاناته فى توفير السلع الأساسية والضرورية التى يحتاج إليها هو وأسرته.. مؤكداً أن بوادر أزمة الدولار الحالية بدأت منذ عدة أيام بارتفاعات كبيرة وغير مبررة للدولار بالسوق الموازية رغم إعلان البنك المركزى ارتفاع الاحتياطى لديه ولكنه كان ضعيفاً. لافتاً إلى أن المستوردين زادوا من ضغوطهم على الحكومة لإجبار البنك المركزى على تعديل سياسة تمويل الواردات وترتيب أولويات توفير الاعتماد للواردات، خلال الفترة الماضية إلا أن الحكومة دائماً ما تؤكد أنها لا دخل لها بالسياسات النقدية، وأن البنك المركزى يتمتع باستقلالية تامة ولا ولاية للحكومة على قراراته. فضلاً عن ضغوط فوضى السلع الترفيهية والاستفزازية وتراجع موارد السياحة والصادرات وغيرها من الموارد السيادية الدولارية. ويرى ضرورة العمل على الحل الفورى لمشاكل المصانع المتوقفة وعودتها فوراً للعمل بما يضمن زيادة الإنتاج المصرى ككل، وتوفير سلع الإحلال محل الواردات مع فائض للتصدير، ومراقبة قرارات المركزى بشدة التى تضمن تنظيم الواردات بما يضمن عدم استيراد السلع الضارة، أو مخلفات المصانع الصينية، أو الملابس الناتجة عن تدوير المخلفات، أو السجائر ومنتجات التبغ مجهولة الهوية والعمل على ترشيد استخدام الطاقة بما يضمن تقليل المدفوعات عن واردات الوقود. العمل على زيادة نفاذ السلع المصرية للأسواق العالمية، ودراسة احتياجات الأسواق من السلع التى تنتجها مصر، إضافة إلى تنظيم الدورة الزراعية بما يساعد على زيادة إنتاج المحاصيل الغذائية لتقليل واردات القمح والحبوب.. وطالب بوضع استراتيجية مكتوبة ومعلنة، تلتزم بها الحكومة ومجتمع الأعمال والشعب، بما يسهم فى خلق مناخ تعاونى يساهم فى زيادة الإنتاج، وتخفيض الاستهلاك الترفى، وتعظيم الاستفادة من الموارد المصرية المتاحة، وفى نفس الوقت تقليل الهدر والفاقد، سواء كان فى القطاع الزراعى أو الصناعى. ويؤكد أحمد آدم، الخبير المصرفى، أن هناك مشكلات كبيرة فى سعر صرف النقد الأجنبى نتيجة لانخفاض الفائض فى ميزان المدفوعات ووضع احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك وارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة بدرجة كبيرة فى ظل انخفاض الموارد من النقد الأجنبى فى السياحة، لافتاً إلى ضرورة اتباع سياسة صرف مرنة وليس هناك ما يمنع من اتباع سعرين للصرف.