طرفة قديمة جداً من عمر المدرسة الابتدائية، وهي جد بعيدة على الكهول من أمثالي ممن يخطون نحو الأربعين وما بعدها، إذ يروى، ومعذرة إن بدا ما أرويه سمجاً، وإن عرف السبب بطل العجب، يروى أن متطفلاً دخل ليأكل في مطعم ففوجئ بحشرة في الطعام، فنادى النادل( الجرسون) معنفاً إياه، وكان الأخير حريصاً على أمن المطعم وسلامه وإن كان طعامه قذراً، بل سلامة تناول مرتاديه للطعام طالما لم يلحظوا أن فيه شيئاً بشعاً، أو فلنقل:طالما لم ينتبهوا أن في الأطباق ما لاحظه المتطفل، وبهدو لملم الأخير الموقف معلناً أنه سيهب الاول طعاماً آخر نظيفاً مما يعده لنفسه، والمهم أنه لن يدفع شيئاً، وقد كان وفي اليوم التالي استعذب المتطفل القصة فذهب لمطعم آخر، فلما رفض صاحبه أن يتناول الطعام إلا أمامه، ولعله خمن ما سيفعله صاحبنا، هتف الأخير: _إذن كيف سأضع هذا في الطعام؟! وكان (هذا) هو حشرة الأمس اصطحبها الماكر ليتناول طعامه مجاناً. يبدو لي أن الغرب ، كل مرة يضع لنا (هذا) لا في طعامنا بل في حياتنا وأننا لا نتعظ، ولا نرفض، وإلا فأين منا أمر جائزة نوبل التي نالتها مؤخراً ثلاثة من النساء، لا يعنينا ببساطة أمر اثنتين منهما، وإنما يعنينا أمر الثالثة اليمنية توكل عبد السلام كرمان، والتي أهدت الجائزة بدورها للثوار في اليمن، والغصة التي في الحلق أنها قبلت الجائزة كناشطة سياسية تسعى لتحرير بلدها من نير حاكمه الظالم. وفي الحقيقة وسط طوفان التهاني على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسك بوك) يوم الجمعة الماضي تعجبت لذاكرتنا المثقوبة تماماً نحن معاشر العرب، وحتى في أمر ثوراتنا على بعض الأنظمة التي أتى بها الغرب إلينا وأقرها في مقاعدها وحمى أمنها لعشرات السنوات حتى انفجرت شعوبها وضجت بالشكوى، وليكن ما يكن، حتى لوبدا عزم نظام مثل نظام علي صالح إفناء شعبه، لا قدر الله تعالى، والرجل يماطل منذ عدة شهور ويعبث بأمن بلده ولحمته، تماماً كما فعل معمر القذافي من قبله، وبرغم ذلك، فما شاء الله يدس الغرب لنا نوبل للسلام لناشطة سياسية يمنية فتقبلها بل ويتردد إنها من الإخوان المسلمين ،أي إخوان وأي مسلمين؟ باختصار:هل فكرت كرمان في أن الجائزة التي أقرت عام 1895م تكفير عن الديناميت الذي اختره ألفريد نوبل؟ دعنا من ذلك فلذلك تاريخ طويل وقديم، ونحن لا نتذكر لا القديم ولا الطويل، ألم تفكر كرمان في من يحمي عرش علي عبد الله صالح حتى اليوم أليس الغرب ممثلاً في قفازاته من دول الجوار؟ ألم تدقق كرمان في دم الشهداء لتعرف بسلاح من استشهدوا؟ من صنع ما يهرق دمه؟ ولا يقولن أحد: تلك نقرة وهذه نقرة، بل هي نقرة واحدة، ومتى منحت لجنة جائزة نوبل الجائزة لوجه الله؟ أو عرفاناً بالجميل؟ إنهم حتى في أمر ثوراتنا على حكام ابتدعوهم لنا يضعون حشراتهم في أطباق أمانينا. هل تعلم كرمان وناشطونا إن شيمون بيريز قاتل الأطفال الفلسطينيين قد نال الجائزة عام 1994م مناصفة مع إسحاق رابين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهل يعلمون إن الإسرائيلي الفني النووي السابق موردخاي فعنونو ،الذي كشف تفاصيل عن البرنامج النووي العسكري الاسرائيلي يرفض مجرد طرح اسمه بين المرشحين لجائزة نوبل للسلام ويرسل بذلك رسائل لرئيس اللجنة منذ عدة أعوام لأنه يرفض نيلها من بعد بيريز، والد القنبلة النووية الإسرائيلية. فماذا عن الضجة التي أثارتها شقيقة كرمان في الكفاح في مصر إسراء عبد الفتاح لما علمت أن جهة عليا في الدولة وقفت ضد نيلها، منفردة الجائزة؟ ولا بد من أنها علمت، ولم تضرب الودع، فنددت وصرحت في برامج للتوك (والتوك بلا شو) أنها ستفيد وطنها بنصف الجائزة، ولم تعرف من يخسر بنيلها جائزة يعتذر عن الترشح لها إسرائيلي، وينالها عتاة القتلة من رؤسائها، على سبيل السخرية الغربية من آلامنا؟ وسنأتي على ذكر مناحم بيجن بعد قليل، ثم قيل الآن إن وائل غنيم، الناشط المعروف، وكذلك التونسية لينا بن مهني خسرا الجائزة، والأمر يذكرني بما فعله الراحل يوسف إدريس لما نال الأديب الراحل محفوظ الجائزة عام 1988م، في فرع الأدب، إذ شن عليه هجوماً ساحقاً، وفي النهاية قال إنه ليس عاتباً عليه بل على اللجنة المنظمة التي خدعته، واسأل المولى أن يجيرنا من مثل هذه المعركة التي قيل إنها أدبية، وكل ما يمس الأدب بمعنيه منها برئ، وطالما طبلنا وهللنا هنا في مصر متناسين أن محفوظ كان يستحقها كمبدع ولكنه ما نالها، وفضل عن غيره، إلا لموقفه من إسرائيل. وحتى حينما نال الجائزة الدكتور العالم بحق أحمد زويل عام 1999م راعت اللجنة المانحة موقفه من إسرائيل وقبوله بها بل زيارتها ثم نيله التكريم من العدو الصهيوني بحجة أن العلم ليس له وطن، ولا مانع ألا يكون للفلسطينين وطن، والرجل يملك الجنسية الأمريكية وجهده يصب في خانة رقيها، وإن تححج البعض بأنه عالم لا دخل له بالمواقف وهو الأمر غير الصحيح توقفنا لدى أهل المواقف: هل تعرف كرمان من أخر نصر إخوانها في ليبيا ففيما كان القذافي ينعق. _طظ مرة تانية في أمريكا وبريطانيا.
كانت الدولتان تساندانه ليبقى جاثماً على صدر أهل بلده بكل ما تملكان وفق ما صرح به مؤخراً، هل تعرف الاخت كرمان والأخت عبد الفتاح وغنيم وبنت مهني أين أموال الحكام المخلوعون ومن في طريقهم للخلع؟ إنها هناك غير بعيدة عن السويد، ثم هل يعرف هؤلاء من نال الجائزة من قبلهم لعلهم يفهمون ،قبل أن يتصالحوا أو يتشاجروا مع بعضهم البعض، إنه مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1978م مناصفة مع الرئيس المصري الراحل السادات، بيجن صاحب مذبحة المخيمات الفلسطينية ببيروت عام 1982م ،المعروفة بصابرا وشاتيلا، صاحب المقولة بأن العرب وحوش لا حق لهم في وطن ولا يحزنون وهو ما استنكره بعدها مباشرة الأديب الكولمبي المعروف جابرييل جارسيا ماركيز في جريدة(ال اكسبرسوالإكوادورية)، وقد نال الجائزة في الآداب عام 1982 وكتب ذلك في نفس العام، ووقع بياناً مندداً ذاكراً إنه يفعل برغم الصمت العالمي بل العربي، والرجل لا ينتمي إلينا استنكر الظلم الواقع علينا، ونحن نتقبل الجائزة باسم السلام المخادع الكاذب في سهولة ويسر. أما باراك أوباما وكل الناشطين يعلمون من هو وموقفه من شعوبنا وألتزامه التام بأمن دولة إسرائيل، الرجل المخادع الذي حاول طينا بعذب الحديث في جامعة القاهرة عام 2009م، والذي يعارض الدولة الفلسطينية على ما تبقى لها من أرض، صاحب استمرار مأساتي العراق وأفغانستان واستمرار الحرب الوهمية على ما يسمى بالإرهاب، مع استمرار مسآواتنا كلها، وآخرها في الصومال الرجل نال الجائزة العام قبل الماضي فقط، في خطوة مسيسة بالغة الفجاجة بل إخراج اللسان، والاعتراف المعلن بكل اللغات بأن زيت الغرب في دقيقه، وحين تقبل الرجل الجائزة عن غير جهد بذله تناوله بتواضع عميق وشدد على أنه سيعمل(ضد الاحتباس الحراري والانتشار النووي وحل الصراعات) ومن المعروف من لديه سلاح نووي في منطقتنا ومن تم قذفه لئلا يكون لديه سلاح نووي من قبل بيجن(الزميل ومن بعده بيريز ورابين في الجائزة مع الناشطة عبد السلام كرمان) وإذا ما تركنا هذه فنحن في البند رقم ثلاثة حل النزاعات،ونحن فيه إن صدق الرجل ولم يصدق. وفي المنتصف نالها للسلام (أيضاً) الدكتور محمد البرادعي(المصري الامريكي أيضاً) الذي نال الجائزة مناصفة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقد كان رئيسها عام 2005م وما قيل عن دوره في الحرب على العراق معروف للجميع فمن الأفضل عدم التعرض له. لقد كان من الأوقع ألا تقبل كرمان الجائزة احتراماً لدماء شهداء إخوانها وتفويتاً لفرصة ثمينة على الغرب الذي يرقص على أشلائنا، ولكي تقول لهم لا نريد جوائزكم ولكن نريد تدخلاً حازماً ضد صالح قريباً مما كان ضد مبارك في مصر، لماذا لم تسأل كرمان الغرب لماذا تكيلون بمليون مكيال نريد العدل لا المال ولا شعارات؟ أم حكم علينا بقبول (الشئ السخيف في طعامنا بل حياتنا) اعتماداً على المال القليل القادم. أختي كرمان من فضلك لا تلوثي يديك بالجائزة ارفضي هذا المال فهو قادم من جراء قتل إخوان لك عبر اختراع أحد آلات الدمار من قبل صاحب الجائزة، أرفضيها أرجوك فهي مضمخمة بدماء إخوان لك في الإنسانية قبل الوطن والدين والعقيدة، أرفضيها فالمال يعوض، ولكن المواقف لا تعوض، ولو أن ما سبق غير صحيح، وهو ليس كذلك، وقد نال الجائزة من قبل المجرمون وحوش البشر: رابين وبيريز وبيجن بل ويعتذر عن مجرد الترشح لها إسرائيلي لكفاك ذلك لترفضيها وتكوني حفيدة بلقيس الحكيمة، وتذكري كم يخسر وطنك من جراء كون صالح جاثم على أنفاسه، فيما يبررالغرب بقاءه بلعبة الجائزة هذه، وحين سترفضينها ستلحقي بركب من أعلى من قيمة المبدأ أو الوطن دون أن تعاني أوطانهم مما يعاني منه وطنك، ستلحقي بعظام سطروا موقفاً من نور على مدار التاريخ، إذ رفضوا تسلم الجائزة بعد أن أعلن عن فوزهم: برنارد شو الإيرلندي عام 1925م معلناً إنه لا يريد المال الملوث بالديناميت، بوريس باسترناك من الاتحاد السوفيتي عام 1958م، وقد تعرض لضغط سياسي كي لا يقبلها، وجان بول سارتر الفرنسي المعروف عام 1964م، وقد تعارضت الجائزة مع مبادئه الوجودية ليس إلا.