عندما اتصلت بالمفكر الكبير الدكتور جلال أمين، لاستئذانه فى طلب موعد لإجراء حوار معه.. قال: إنه لا يريد التحدث فى السياسة، فقلت ومن هو ذلك الصحفى الذى يحاورك فى السياسة ولك مؤلفان مهمان هما «ماذا حدث للمصريين» و«مصر الجماهير الغفيرة» والذى أراهما من أهم الدراسات التى وصفت وفسرت تطورات المجتمع المصرى وظاهرة الحراك الاجتماعى، والأثر الفعلى للطلب على السلع والإعلام والثقافة وأثر هذا على مختلف نواحى الحياة فى مصر. فضحك قائلاً: حول ماذا سيدور حوارك؟ فقلت: حول الحراك الاجتماعى والاقتصادى للمصريين.. وافق وحدد لى موعداً فى فيلته بالمعادى، وبالفعل ذهبت إليه ومعى زميلى مجدى شوقى المصور حسب الموعد المحدد، واستقبلنا فى مكتبه المرتب الأنيق. وخلال مناقشة صغيرة قبل الحوار، وجدت الدكتور جلال معتداً بنفسه وبعلمه وفكره اعتداداً شديداً جداً نقدره ونثمنه وعندما أهدانى أحد مؤلفاته قال سأعطيك كتاب «المكتوب على الجبين» فقلت لا بل أريد كتاب «رحيق العمر» حتى أعرف من هو الدكتور جلال أمين وافق وكتب لى الإهداء. طلب منى رؤية الأسئلة وأعطيت له ورقة بها محاور الحوار اعترض على قليل منها وعدَّل بعض آخر وافقته على الاعتراض وبدأ الحوار الذى لم يكن به التزام بسؤال أو تعديل أو اعتراض وجاء الحوار كالآتى.. برؤيتك كمفكر وباحث ما الذى يؤثر فى المصريين ويغيرهم الثقافة - الدين - الثورات - الاقتصاد - الاحتكار؟ - سأعطى الاقتصاد أولوية كبيرة بما يجعله الأول فى الترتيب، وبالطبع الثقافة والدين والثورات والأخطار جميعها تؤثر ولكن أرى الاقتصاد يفوقها ويؤثر فيها، وبالطبع لا أقصد أن الدين يتأثر بالاقتصاد ولكن فهم الدين يتغير بالاقتصاد، وأيضاً نوع الثقافة السائد يتأثر بالاقتصاد، وكذلك الثورات والأخطار لأن الاقتصاد شرط من شروط الاستمرار فى الحياة ويمس مطامح الناس سواء فيما يتعلق بحالتهم الاقتصادية أو بقلقهم على مستقبل عائلاتهم، وبالطبع قلق المصرى على حالته الاقتصادية يؤثر على سلوكه وقراراته. ولكن كيف يتأثر فهم الدين بالحالة الاقتصادية؟ - أولاً: إذا نظرنا كيف فسر المصرى الدين خلال ال100 عام الماضية سنجد فوارق شديدة جداً بين تفسير الإمام «محمد عبده» وتفسير «رشيد رضا» وتفسير «حسن البنا» و«سيد قطب» والشيخ «الشعراوى»، والجماعات الإسلامية.. إلخ لأن هذه التفسيرات تغيرت بتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية. كيف؟ - لا أقصد الظروف الاقتصادية لهؤلاء المفسرين أنفسهم بل أقصد ظروف المجتمع المتلقى هذه التفسيرات، إذ هى التى تحدد فهمه وتؤثر فى الخطاب الدينى نفسه لأن كل مفسر كان يخاطب الناس بما يفهمونه، وإلى حد كبير بما يقبلونه، وقد مرت الطبقة المتوسطة المصرية بتغيرات كثيرة ومهمة خلال المائة عام الماضية أثرت على طبيعة الخطاب الدينى ولهذا أثرت على تغيير فهم الدين وليس الدين نفسه. وماذا عن التغيرات الثقافية وعلاقتها بالاقتصاد؟ - الثقافة أيضاً ترتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، فعندما تتغير طبيعة الطبقة الاجتماعية المتلقية للثقافة تتغير أذواقها الثقافية، وبالتالى يتأثر منتجو الثقافة فيما يقدمونه من إبداع وهذا ما حدث فى مصر خلال المائة عام الماضية أكثر من مرة. النظام السياسى لكن التغيرات المجتمعية دائماً ما تحدث مع الثورات فما هو التغيير الذى أحدثته ثورة 1919؟ - أنا لا أميل إلى تضخيم الآثار الاجتماعية للثورات، ولكن عندما تكون الثورة مهمة فهذا يؤكد أنها جاءت لتعبر عن تغيرات اجتماعية وثقافية حدثت قبل قيام الثورة، فثورة 1919 مثلاً كانت نتيجة تراكم ظروف سياسية واقتصادية وثقافية بدأت منذ ثورة عرابى وحتى ثورة 1919، فجاءت ثورة 1919 لتعبر عن هذه التغيرات، وكشفت الغطاء عما حدث من تراكمات فى الفترة التى سبقتها، وبالطبع الثورة الناجحة تحدث انكساراً فى النظام السياسى، وما أحدثته ثورة 1919 من آثار هو تغيير النظام السياسى الذى جاء بسبب نجاحها، فجاء سعد زغلول ودستور 23 وبداية الحياة البرلمانية التى استمرت حتى يوليو 1952. وماذا عن تغيرات ثورة 23 يوليو 1952؟ - يوليو 1952 كشفت عما حدث من تطور فى مصر خلال الثلاثينيات والأربعينيات، فالتعليم كان بدأ ينتشر وسمح النظام للطبقة المتوسطة الدنيا بالدخول فى صفوف الجيش، حيث كان ينتمى جمال عبدالناصر والسادات إلى هذه الطبقة، وأيضاً تطور الحركة الوطنية، حيث كان مطلب الشعبى المصرى هو الجلاء، وأيضاً السخط على الإقطاع فجاءت ثورة 23 يوليو لتعبر عن هذا السخط، ولتحقيق الجلاء، والتعبير عن مطالب الطبقات المتوسطة والدنيا وهذا ما فعلته 23 يوليو. وهل كان فى مصر إقطاع بالمفهوم الأوروبى حتى تستخدم هذا اللفظ؟ - طبعاً المؤرخون أكدوا وجود فوارق كبيرة بين الإقطاع فى أوربا وبين الإقطاع فى مصر، وهذا صحيح لأن الإقطاع فى مصر لم يكن له السلطات التى كانت للإقطاعى الأوروبى، وكان الفلاح المصرى أكثر حرية من «القن» الأوروبى، لكننا نطلق لفظ الإقطاع لأن أوجه التشابه أن الفلاح المصرى كان يعامل معاملة غير آدمية. الإجراءات الثورية أيضاً هل وصف ثورة ينطبق على ما حدث فى يوليو 1952؟ - ما حدث فى يوليو 1952 كان انقلاباً ومع مرور الوقت أصبح ثورة والضباط الأحرار أنفسهم كانوا يطلقون على حركتهم «الحركة المباركة» لكن ثبت أنها تستحق لفظ ثورة بعد الإجراءات العميقة والثورية التى قامت بها وأيدها الشعب. وماذا عن ثورتى 25 يناير و30 يونية؟ - لا يوجد شك أن ثورة 25 يناير هى ثورة، إذ رأينا العدد الكبير فى شعب مصر يخرج إلى الميادين ومن مختلف الطبقات والفئات والمدن رجالاً ونساء، متعلمين وغير متعلمين، وقد اشتركوا بصدق وإخلاص ولكن اسم ثورة يناير 2011 أنها من ثوات آخر زمن! لأن الثورات الناجحة يتولى الحكم بعدها من قاموا بها، لكن 25 يناير نجحت فقط فى إسقاط مبارك وليس أكثر من ذلك، أما ما حدث فى 30 يونية فإن من يرضى عنها يسميها ثورة، ومن لا يحبها يطلق عليها انقلاب مع أن لها سمات الثورة بخروج الملايين الذين أيدوها وخرجوا فى الميادين. هل يمكن أن نقول إنه فى ثورة 1919 لم يفرق الدين بين المصريين بينما فرقهم الدين بعد ثورة 2011؟ - ما حدث فى ثورة 1919 أن المسلمين والمسيحيين اجتمعوا على هدف واحد وهو الوقوف ضد الإنجليز ولم يفرقهم الدين، وكانوا يتفقون فى الأهداف، وهذا ما حدث عند قيام ثورة 25 يناير، ولكن ما حدث بعد ذلك أن جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية حددوا أهدافهم على نحو مختلف عن أهداف ثورة 25 يناير وبالتالى الاختلاف ظهر بين جماعة الإخوان وبين باقى الشعب، إذن الدين لم يفرقهم، ولكن تصرفات الإخوان فى السلطة هى التى فرقتهم. هل الشعب المصرى ثائر بطبعه أم غير ثائر؟ - الشعب المصرى يختلف عن معظم شعوب المنطقة بأنه ليس حاداً فى التعبير عن عواطفه، والمستشرق الشهير «إدوارد لينى» له مقولة عن المصريين بأنه إذا تشاجر اثنان من المصريين يكفى أن يأتى شخص ثالث ليقول لهما «صلوا على النبى» فيصليان على النبى وتنتهى المشاجرة ولا أظن أن هذا يحدث مع أى شعب آخر فى العالم. الجماهير تهلل لكن ما تفسيرك لحدوث 4 هزات كبرى فى أقل من مائة عام فى مصر وهى ثورات 19، 52، 2011، 2013؟ - نعم.. حدثت هذه الثورات الأربع ولكن نلاحظ أنه فى يوليو 1952 لم تخرج الجماهير إلى الشوارع بل خرجت مجموعة من الضباط اتفقوا فيما بينهم على التحرك ثم قاموا بأعمال أيدها الشعب، إذن هى لم تكن ثورة شعبية لأن إجراءاتها جاءت من أعلى، بل «عبدالناصر» كان يعلن القرارات والجماهير تهلل لها وتعبر عن سعادتها دون أن تقرر هى نفسها أى شىء أو حتى يُتخذ رأيها فى شىء، ولكن ثورة 1919 هى الأقرب إلى وصف ثورة لطبيعتها الشعبية الخالصة، وكان سببها واضحاً بعدائها للمحتل الأجنبى، ولهذا لا نكاد نجد خصوماً لثورة 19 مع أن جميع الثورات لا خصوم، لأن ثورة 19 كان لها بعد وطنى وقومى شديد الوضوح. كيف تصف حال الشعب المصرى خلال الثلاثين عاماً التى حكم فيها حسنى مبارك؟ - الشعب المصرى كان يعرف بالضبط طبيعة النظام «مبارك» ولكنه كالعادة أبدى صبراً مدهشاً على ذلك العهد، والصبر صفة جيدة طالما يصبر الإنسان على شىء لا يستطيع تغييره، وكثيراً ما صبر الشعب المصرى حتى على ما يمكن تغييره. إذن، ما إرهاصات 25 يناير التى غيرت المصرى وجعلته يخرج فى هذه الثورة؟ - لابد أن نعترف بحدوث أشياء مهمة قبل 25 يناير مثل حركة «كفاية» و«6 أبريل» ومجىء «البرادعى» إلى مصر وإعلانه أنه سيرشح نفسه للرئاسة ثم استقباله استقبال الأبطال، ومع ذلك يظل الأمن صامتاً، وأنا شبهت المشهد قبل 25 يناير فى حديث لى بجريدة «الأهرام» بأن وضع المصريين كان مثل «الفار» المختبئ فى جحره لأنه يعرف بوجود قط واقف عند فتحة الجحر فيخشى الخروج، ولكنه نظر ذات يوم خارج الجحر ولم يجد القط فخرج من مكانه وبدأ يجرى هنا وهناك، وهذا التشبيه أنا أعنيه بالفعل، لأن الأمن كان بدأ يتساهل مع المظاهرات التى أصبحت تندلع بما فيها مظاهرات «كفاية» وكانت تتجه إلى الميادين مع أنه فى السابق عندما كان الأمن يعرف أنه ستقوم مظاهرة، كان يذهب ويحتل الميدان قبل المتظاهرين، ولكن فى يناير 2011 لم يحدث هذا، وسأترك هذا الأمر كسؤال لازال مطروحاً ويحتاج إلى تفسير. إذن، هل الجماهير أصبحت طرفاً فاعلاً فى المعادلة السياسية؟ - فى الوقت الحالى الجماهير أصبحت تتأثر بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى أكثر من أى شىء آخر، وبالتالى أى حكومة سواء فى مصر أو خارجها أصبحت تنظر بعين الاعتبار إلى مواقع الإنترنت لأنها أصبحت عاملاً مهماً فى تحريك الجماهير وتهييجها. الأفكار الخاطئة وماذا عن كيفية التعامل مع قضية العلاقة بين الدين والسياسة؟ - أننى أتعاطف مع فكرة تجديد الخطاب الدينى، ولكن لا أوافق على الطريقة التى يتم بها لأن القائمين على دعوة التجديد يتعاملون معها على أنها مواعظ وخطب، ولابد أن نسلم بأن تأثر الناس بالدين يتوقف على الحالة الاقتصادية والاجتماعية، مثلاً المدرسة التى قامت منذ سنتين بقص شعر تلميذة الابتدائى لأنها غير محجبة، هذه المدرسة مريضة وليست مجرد سيدة تحمل أفكاراً خاطئة لأن الأفكار الخاطئة يمكن تصحيحها بالحوار والإقناع، أما المرض فماذا سنفعل معه؟! إذن هى تعانى من انخفاض مرتبها، أو من أن حياتها بائسة لدرجة شديدة، إذ كيف تعامل طفلة صغيرة على هذا النحو؟!.. فإذا كنا نريد تجديد الفكر الدينى فبدايته إصلاح أحوال الناس اقتصادياً بل وإصلاح التعليم نفسه لا يكفى فى هذا الأمر مادام القائمون به يعانون من مشاكل اقتصادية عريضة. إذن، ما الأضرار التى تعود على المجتمع إذا أغلق على نفسه الأبواب باسم الدين؟ - أؤكد أننا منذ هزيمة يونية 1967 لم نحرز تقدماً اقتصادياً حقيقياً وهذا الفشل الاقتصادى الذى استمر 50 سنة ليس بالأمر الهين، مع اعترافى بحدوث طفرات فى بعض الفترات القصيرة مثل فترة الهجرة إلى الخليج وإرسال المهاجرين للتحويلات المالية، وأنا لا أقصد معدل النمو لأنه لا يعنى بالضرورة نجاحاً اقتصادياً، وما أقصده أننا لا نبنى صناعة ولا نطور زراعة ولا نشغل الأيدى العاملة لتقليل البطالة، ولا نحسن المرافق العامة وهذه هى مظاهر الفشل الاقتصادى الذى تعانى منه مصر منذ هزيمة يونية 67 بانغلاق المجتمع على نفسه باسم الدين. وكيف لمصر بنهضة تنويرية؟ - هذه النهضة لن تقوم بالمواعظ بل بالإصلاح الاقتصادى أولاً لأن المدخل إلى قلب وعقل المصرى هى أموره الاقتصادية. ولكن النهضة التنويرية الأولى فى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين لم تكن أسبابها اقتصادية؟ - هؤلاء القادة العظام الذين قادوا حركة التنوير فى مصر كانوا يتحدثون مع شريحة اجتماعية لا تزيد على عشرة وعشرين فى المائة من السكان، وكان هناك تجاوب واضح وملحوظ ومؤثر ولهذا ازدهرت الحركة الثقافية، ولكن عندما خرج ال80٪ من الشعب إلى المدارس والجامعات وجميع مناحى الحياة بما فى ذلك وسائل الإعلام، وجدنا قادة الحركة الثقافية يصيبهم التدهور هم أنفسهم بل وتظهر عليهم بعض سمات ال80٪ الذين كانوا أميين وأنصاف أميين.. بل إن ال80٪ الأمية التى كانت موجودة فى النصف الأول من القرن العشرين ربما كانت أفضل حالاً من بعض المؤثرين فى الحياة الثقافية الآن، لأن الأميين القدامى كانوا أقل ضوضاء ويلتزمون الصمت. هل هذا معناه عدم وجود مثقف عضوى فاعل فى المجتمع؟ - لا.. المثقف العضوى دائماً موجود لكن عندما تصبح حرية التعبير مقيدة وبشدة فماذا يفعل المثقف العضوى غير الانزواء والتقوقع على نفسه؟! روح الفكاهة ما ثوابت المجتمع المصرى التى لا يقبل المساس بها؟ - كل مجتمع له ثوابت وليست كل الثوابت جيدة، بل إن كثيراً مما يسمى ثوابت يتعرض للتغيير، ولكن بعضها أكثر ثباتاً من غيرها، ومن ثوابت المجتمع المصرى الصبر والتدين بمعناه العميق، وليس بالخطابة والشكل وهو تدين حقيقى وأيضاً قبول المصرى بالقدر والقسمة والنصيب، وهو شعب متفائل بطبعه، وموقفه المتحضر من الموت، ثم نظرته المتحضرة للأطفال والغرباء والمرأة التى يدافع عنها ويحميها وهذا يعد حضارياً وإنسانياً لم يتغير فى المصرى، وأيضاً روح الفكاهة التى يتميز بها وصلاح جاهين وصف روح الفكاهة عند المصرى بأنها موقف فى الحياة وليس مجرد هزار وتنكيت. وما التابوهات المحرمة لدى شعب مصر؟ - التشاؤم، والكفر والقسوة على الأطفال عدم احترام المرأة وإهانة الغرباء.. فالمصرى يرفض هذه الأفعال ولا يقربها، وهذه من سمات الحضارة المصرية. ولماذا تبتعد الجماعات الإرهابية عن العادات المصرية وثوابتها التى ذكرتها؟ - أنا أرى أن الإرهاب فى مصر دخيل على المصريين، ويصعب عليّ جداً تصور وجود مصرى إرهابى، لأن نفسية المصرى تختلف عن نفسية الإرهابى، وإننى لا أقول إن المصرى لا يقتل، ولكن أؤكد على اختلاف النفسى، وقد يكون المصرى إخوانياً لا مانع ولكن أن يقوم بالذبح والقتل والتفجير فهذا من الصعب عليّ قبوله، وعندما حدثت حادثة الأقصر 1997 اندهشت جداً من تنفيذها، لأنى من الممكن أن أفهم أن تقوم أيد أجنبية باستئجار بعض الأشخاص للقيام بالإرهاب، ولكن لا أعتقد أن مصريين يقومون وبأنفسهم بهذه العمليات، كذلك عندما حدث الاعتداء على نجيب محفوظ كنت غير مصدق أنهم مصريون لأن المصرى بطبعه محب للحياة وللناس وللدنيا فمستحيل أن يكون إرهابياً، لكنه يتم سلب الإرادة وغسيل العقول بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. هل إشعال الفتن الطائفية أمر صعب فى مصر ولهذا تبوء دائماً بالفشل؟ - أعتقد أن فهم المصرى للدين فهم متحضر للغاية، وهذا الفهم المتحضر يجعل المصرى يذهب إلى جوهر الدين، ولا يكتفى بالطقوس والقشور وهذا الفهم يجعل المصرى بطبعه متسامحاً مع الغير سواء كان هذا الغير ينتسب إلى دين مختلف أو ثقافة مختلفة، هذا هو سبب فشل الفتن الطائفية فى مصر، وتحضرنى هنا قصة واقعية رائعة حكاها لنا مرة المفكر الوطنى والسياسى العظيم فتحى رضوان قال: إن عبدالرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية حكى مرة أنه عندما عاد إلى بيته فى أحد الأيام ورأى والدته ترتدى ثوباً أسود، فسألها عمن مات؟ فقالت كنت أقوم بالعزاء لجارتنا أم جرجس فسألها هل مات جرجس؟ فقالت لا بل تحول من المسيحية إلى الإسلام فأبدى عبدالرحمن عزام استغرابه الشديد قائلاً: هل تعزين أم جرجس لأن ابنها غير دينه؟ فقالت له: انت تعرف قلب الأم يا بنى.