أكد عدد من خبراء الموارد المائية أن مصر ستواجه فى السنوات المقبلة أزمة في المياه، ما يؤدى إلى احتمال دخولها فى حالة «ظمأ» نتيجة تزايد احتياج مصر للمياه الى 150 مليار متر مكعب فى عام 2050 نظرًا لارتفاع الكثافة السكانية، وسيقابل ذلك انخفاض حصة مصر دون 50 ملياراً، نتيجة بناء سد النهضة الذى سيحجز جزءًا من المياه ويقلل من حصة مصر. أوضح الخبراء أن الدولة بدأت تشعر بحجم المعاناة من الآن وهو ما اضطر الرئيس الى مصارحة الشعب والحديث عن حجم التكلفة التى تتحملها الدولة من اجل وصول مياه شرب نظيفه للمواطن، مطالبين الدولة بتوعية المواطنين بضرورة ترشيد استهلاك المياه لتفادى هذه الازمة، بالاضافة إلى سن التشريعات والقوانين التى تمنع الإسراف فى استخدام المياه او استخدامها بطريقة غير صحيحة. قال الدكتور أحمد نور عبدالمنعم، خبير المياه، أن مصر ستواجه أزمة فعليه، فى المياه خلال السنوات القادمة بغض النظر عن انشاء سد النهضة من عدمه، وتكمن هذه الازمة فى ان استهلاك مصر للمياه فى العام 70 مليار متر مكعب، ونسبتها فى مياه النيل 55 مليار متر مكعب فقط، ويتم تغطية هذه الزيادة من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصناعى والصحى، ولكن مع زيادة عدد السكان من المتوقع أن تحتاج مصر فى عام 2050 إلى 150 مليار متر مكعب لتغطية احتياجات مجالات الزراعة والصناعة والملاحة النهرية وهو صعب التحصل عليه مع الأزمات التى نواجهها الآن. وأكد «عبدالمنعم» أن الدولة بدأت تعى حجم المسئولية التى تنتظرها من نقص المياه بسبب سد النهضة وهو ما اضطرها الى اتخاذ عدد من الإجراءات الإصلاحية بالإضافة إلى ظهور ذلك خلال تصريح الرئيس السيسي بشأن التكلفة التى تتحملها الدولة، مبينًا انه من الضرورى ان يعى الشعب ايضًا من اليوم وقبل استكمال بناء السد ما ينتظرنا من نقص المياه وما يتزامن معه من زيادة فى عدد السكان وبالطبع زيادة فى استخدام المياه. وأضاف خبير المياه أنه يجب على الدولة أن تقوم بتوعية المواطن لترشيد استهلاك المياه، وسن التشريعات والقوانين التى تمنع الإسراف فى استخدام المياه او استخدامها بطريقة غير صحيحة، مكملا انه ليس كافيا ان يدفع المواطن 45 قرشاً فقط للمتر المكعب فى الفاتورة وان تتحمل الدولة الباقى 160 قرشاً للمتر المكعب، وهو ما يحملها أعباء إضافية. وأشار إلى أنه يجب اتخاذ اساليب معينة من الآن لمواجهة الآثار السلبية لسد النهضة حتى لا تزيد حجم الأزمة الحالية للدولة وتتحول إلى كارثة فعلية، خاصة ان الدولة تطمح إلى بناء مدن جديدة، وبالتأكيد فإن هذه المدن ستحتاج إلى مزيد من المياه، مكملا ان هذه الأساليب هى ترشيد الاستهلاك وزراعة محاصيل غير مستهلكة للمياه والتوسع فى المياه الجوفية. وأوضح الدكتور احمد فوزى دياب، الخبير المائي بالأمم المتحدة وأستاذ الموارد المائية بمركز بحوث الصحراء، أن حديث الرئيس جاء نتيجة لامرين لابد أن يدركهما الشعب المصرى جيدًا، أولهما التأثيرات التى سيخلفها سد النهضة، وثانى الأمور هو ترشيد الاستهلاك لتعويض الفاقد الذى يتجاوز 50% من المياه التى تستهلكها مصر. وأكد «فوزى» أنه بعد الانتهاء من بناء سد النهضة بات على الشعب المصرى أن يعى أن منسوب المياه سيقل وهو ما يستوجب ترشيد الاستهلاك وتقليل النسبة التى يستهلكونها الى النصف، مضيفًا أن الأمر الثانى الذى لا مفر منه بعد بناء السد هو زيادة الملوثات وهو ما يستوجب على الدولة زيادة محطات التحلية لتنظيف المياه وجعلها صالحة للشرب والزراعة وهو الامر الذى سيكلف الدولة اضعاف ما كانت تنفقه على المياه. وأضاف أنه من الضرورى حسم الامور بشكل قاطع وأن يعلم المواطن حجم أزمة المياه الحالية ويتحمل بعض المسئولية من خلال ترشيد استهلاكه للمياه، مؤكدًا أن مصر تستهلك ثلاثة أضعاف المعدل العالمى وتفقد 50% من هذه النسبة فى أمور ك«رش الشوارع وغسل السيارات» وهى جانبية لا تحتاج الى مياه محلاه وتؤدى إلى خسارة مصر 50 ملياراً سنويًا. وبيَّن خبير استراتيجيات المياه أن ضبط الاستهلاك المائى كان مقترح تنفيذه عام 2007 ولكن تم تأجيله، ويعتمد على سياسة محددة وهى تقسيم مستخدمى المياه الى شرائح كما يحدث مع الكهرباء، مضيفًا أن ذلك يضمن وصول دعم المياه الى مستحقيه، خاصة ان العالم كله يبين أن الفئة التى تستهلك اقل كميات للمياه تقدر بحوالى 10 أمتار مكعبة، تعتبر فئة محدودة الدخل ويجب على الدولة دعمها بشكل كامل. وأكمل ان الفئات الأخرى التى تستهلك 20 متراً مكعباً، تعتبر فئة متوسطة ويجب دعمها بمبالغ معينة، بينما الفئات التى تستهلك 30 متراً مكعباً، يجب تحميلها كافة تكاليف الضخ والتحلية التى كانت تتكلفها الدولة، مكملا انه يجب على الدولة ان تقوم باستخدام مياه غير معالجة وغير محلاه فى الصناعة ومنع توصيل مياه الشرب إلى المصانع. بينما رأى الدكتور عبدالفتاح مطاوع، رئيس قطاع مياه النيل الاسبق، أن الإجراءات الجديدة التى تتخذها الحكومة بشأن المياه وتصريحات الرئيس بمصارحة الشعب بالتكلفة التى تتحملها الدولة، لم يكن له علاقة مطلقة بأزمة سد النهضة لان مثل هذه المشروعات الضخمة كبناء السدود وغيره لا يظهر آثاره سريعًا وإنما يأخذ فترات طويلة، موضحًا أن الحديث عن ترشيد المياه ضرورة فى كل دول العالم. وتابع أن مصر تعيش أزمة حقيقية لان هناك طلباً كبيراً على المياه نتيجة الزيادة السكانية التى ترتفع بكثافة عالية، ويشكل هذا عائقاً على الدولة فى كيفية توفير هذه الكميات الكبيرة المطلوبة خاصة مع فقد أجزاء كبيرة منها بسبب الاستخدام السيئ. واعتبر أن الدولة عليها مسئولية لابد ان تقوم بها من خلال فرض غرامة للاستخدامات غير السليمة للمياه الصالحة للشرب والتى تكلف الدولة مليارات الجنيهات لمعالجتها، مؤكدًا أن ما يحدث فى ملف المياه انتفاضة حقيقية للرئيس السيسي لمحاولة إصلاح كان لابد أن يتم تفعيلها منذ فترة كبيرة.