كان يوما عصيبا بكل المقاييس، فقد حشد له الطرفان كل ما لديهما من أسلحة واستعان كلا منهما بكل الحلفاء الذين يعتقدون أنهم من الممكن أن يكونوا عونا لهم في حسم المعركة. الفريق الأول مكون من أولئك الثائرين على منظومة الصحة الفاسدة الحالية، أولئك الذين لا يرضون عن الخدمة المقدمة للمواطنين ولا عن أحوال المستشفيات وما فيها من إهمال وفساد، إنهم المقهورون الذين لا يرضون بالظلم الواقع على أنفسهم ولا أقرانهم من العاملين في الفريق الطبي حيث يحصلون على أجور متدنية لا تكفيهم قوت يومهم، بينما السادة أصحاب المناصب العليا في الوزارة ومديريات الشئون الصحة والمستشفيات يحصلون على أجور فلكية تتعدى مئات الألوف مع أنهم هم المسئولون بحكم مناصبهم عن فساد المنظومة وفشلها، أولئك الذين لا يرضون أن يهان الطبيب ويعتدى عليه بسبب ضعف الإمكانات في المستشفيات الذي لا تقع مسئوليته على عاتقه، بل على أولئك الذين يجلسون في تكييف الوزارة والمديرية والمستشفى في غرف الإدارة الفخمة، وكل أولئك هم من اختاروا طريق الثورة والتغيير. الفريق الثاني مكون من أولئك المنتفعون من الفشل الحالي في نظام الصحة وهم ثلاثة أنواع: - النوع الأول: المسئولون في وزارة الصحة والمديريات ومدراء المستشفيات الذين يحصول على أجور مرتفعة جدا مقارنة بزملائهم الأطباء الذي يعملون في المستشفيات ويتعاملون مع المرضى مع إنهم كأصحاب مناصب عليا هم المسئولون في الوقت ذاته عن فشل المنظومة الصحية لأنهم القائمون عليها. - النوع الثاني: السادة الأطباء الذين يملكون أو يديرون مستشفيات في القطاع الخاص أو لديهم عيادات مميزة، وهؤلاء يستفيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه ومن فساد المنظومة الصحة والإهمال فيها فيلجأ إليهم المرضى للعلاج كبديل عن مستشفيات الحكومة. ويستفيدون أيضا من تدني أجور الطواقم الطبية الحكومية حتى يعمل عندهم الأطباء بأسعار زهيدة فتزداد أرباحهم. - النوع الثالث : أولئك الذين يريدون استقرارا مزيفا ولو على حساب الحق وصحة المصريين وأرواحهم. المعركة بين الفريقين بدأت في الأول من أكتوبر الذي أعلنه الأطباء الثائرون بداية للحرب على منظومة الصحة الخربة، وسوف يحشد له كل فريق كامل قواته وطاقاته. الفريق الثاني سوف يستخدم وسائل الحرب الإعلامية والنفسية على الفريق الأول محاولا قلب المشهد وإظهار نفسه في صورة البطل الذي يدافع عن المرضى، ولا يقبل أن توقف الخدمة «الوهمية» عنهم مع إنه في حقيقة الأمر هو من يريد بقاء الوضع كما هو عليه، بما فيه من قتل للمرضى في مستشفيات الحكومة لأن عنده أولويات أو مآرب أخرى. استخدم هذا الفريق السلطة التنفيذية التي يملكها بعض أفراده لترهيب من يضرب وترغيب من يكسر الإضراب، واستغل بعض من يزجون أنفسهم افتراء بين النقابيين ليدسوا لعموم الأطباء السم في العسل ويخربوا لهم إضرابهم الناجح كما تؤكد المؤشرات. إنهم يلجئون للاستقطاب الأيديولوجي والعقائدي مجددا، كلما وجدوا أنفسهم في موقف حرج ولا مفر لهم من الخروج منه سوى من خلال الاستقطاب. لكن هذه الحيلة بدأت تنكشف خيوطها للجميع رويدا رويدا من خلال توالي المواقف. أما الفريق الأول فلا شيء يبكي عليه ولا شيء يخسره. فهو فريق ثائر طموح يستوي عنده الوضع الحالي بالعدم، فقد حلم بأن يرى مصر الثورة تسدل الستار بشكل نهائي على مصر الظلم التي عرفناها قبل الثورة، وطمح أن يرى مصر تخطو خطواتها الأولى على طريق النهضة والتنمية من خلال احترام الإنسان وآدميته وكرامته وحقه في الصحة والأجر الكريم العادل، وأن يرى مصر العادلة مع كل أبنائها بعد أن ظلم حفنة من اللصوص العباد باسمها. فريق يؤمن بأنه سوف ينتصر عاجلا أم آجلا. ليس فقط لأن قضيته عادلة، ولكن أيضا لأنه مؤمن أنه سوف ينتصر لا محالة، فهو يرى الصورة على حقيقتها ويدرك تماما أن الإضراب ليس عقابا للمريض، لكنه السبيل الوحيد الآن ليضع كل صاحب منصب أمام مسئولياته أمام الله وأمام المجتمع، حتى تكون المستشفيات أماكن علاج بدلا من أن تكون أماكن قتل كما هو الوضع حاليا. الفريق الأول رأى الصورة على حقيقتها، وعرف من يريد بقاء الوضع على ما هو عليه ممن يريد فعلا إنقاذ أرواح المواطنين، وأدرك أنه يتم استغلاله للعمل بلا مقابل سوى الإهانات في مستشفيات لا تقدم خدمة صحية حقيقية للمريض، ولا يستفيد منها سوى حفنة ممن يرضى عنهم النظام في المراكز القيادية بالوزارة. هذا الفريق أعلى كرامته وكرامة المريض فوق كل شيء، ولا يخشى في الحق لومة لائم. فالمجد للمناضلين الأحرار الذين عرفوا الحق وثبتوا عليه أمام كل قوى الظلام والطغيان!