كشفت الأزمة الأخيرة التي شهدتها أروقة المسرح السياسي المصري الخاصة بإقصاء النائب العام ثم إبقائه في منصبه، عن العديد من المفارقات التي يتعجب لها المتابع للواقع السياسي لاسيما بعد ثورة 25 يناير العظيمة، ففي الوقت الذي ظهرت فيه مؤسسة الرئاسة بأنها خسرت معركتها الثانية أمام القضاء بعد أزمة عودة مجلس الشعب، نجد أن الرئيس محمد مرسي خرج من هذه الأزمة محققاً العديد من المكاسب على الصعيد الداخلي والخارجي، يمكن رصدها في عدة نقاط: مكاسب متعددة أولاً: تراجع مرسي عن قرار إقصاء النائب العام وإيقاف إجراءات تعيينه سفيراً لمصر لدى الفاتيكان، وإبقائه في منصبه نزولاً على رغبة المجلس الأعلى للقضاء الذي قدم التماساً للرئيس بذلك. ثانياً: أن قرار مرسي بإقصاء المستشار عبدالمجيد محمود من منصب النائب وتراجعه في النهاية، كشف للرأي العام المصري، زيف العديد من الشخصيات التي كانت تنادي بضرورة إقالة النائب العام من منصبه بصفته المسؤول بشكل مباشر عن التقصير في التحقيقات في القضايا الخاصة بقتل ثوار يناير والتي انتهت جميعها بتبرئة المتهمين من رجال النظام البائد، حيث تراجعوا جميعاً بعد قرار مرسي بتعيين النائب العام سفيراً لدي الفاتيكان، مما يعني عدم وجود ثوابت لدى هؤلاء الأشخاص الذين يدعون أنهم "النخبة". ثالثاً: أن قرار مرسي بالإبقاء على النائب العام في منصبه، أعطى العالم الخارجي انطباعاً إيجابياً عن النظام الحاكم في مصر بعد الثورة ومدى احترامه للقضاء والحفاظ على استقلاله بالأفعال وليست بالأقوال فقط، كما كان الحال في النظام البائد. رابعاً: أن الأزمة كشفت للجميع "الجوقة" من الإعلاميين المنتشرين كالجراد في صحف وقنوات الفلول التي كثيراً ما تحدثنا عنهم، وطالبنا المسؤولون بضرورة تطهير الإعلام من هؤلاء المرتزقة المأجورين هم ومن يستضفوهم، وبالمناسبة تطهير الإعلام ليس معناه تعيين وزير إعلام جديد ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، فوزارة الإعلام والأجهزة التابعة لها لا تؤثر في الرأي العام قيد أنملة قياساً بالقنوات الخاصة والصحف ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. خامساً: أرى أن الأهم من كل ما سبق هو ضرورة أن يدرك الرئيس محمد مرسي أهمية إعادة النظر في عدد ممن اختارهم ليشاروهم في إدارة البلاد في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها. سادساً: أن التيارات التي تعارض النظام الحاكم في مصر الآن، أظهرت مدى كرهها لجماعة الإخوان المسلمين وبالتالي سعيها الحثيث لإسقاط الجماعة ومن يمثلها سواء في البرلمان (أغلبية حزب الحرية والعدالة) أو الرئاسة الممثلة في شخص الرئيس الدكتور محمد مرسي, بدلاً من تقديم بدائل للنظام القائم والسعى لبناء معارضة فعالة تخدم الوطن. سلبيات كثيرة وبجانب هذه المكاسب التي حققها الرئيس مرسي من هذه ومدى استفادته منها، لابد أن نضع أيدينا على بعض السلبيات التي لابد من العمل على علاجها مستقبلاً حتى لا تتكرر مثل هذه الأزمات التي قد تعصف بمستقبل البلاد، ويمكن رصد بعض هذه السلبيات: أولاً: قرار تعيين المستشار عبد المجيد محمود سفيراً لمصر في الفاتيكان، كان يحتاج المزيد من الدقة في التوقيت والدقة في موعد الإعلان، والترتيب وكذلك المزيد من التشاور مع بعض القوى السياسية الوطنية. ثانياً: هناك أزمة في مصر حالياً، لابد من الاعتراف بها حتى علاجها، وهي وجود الكثير والكثير ممن يتحدثون بإسم الرئيس والرئاسة يعلنون القرارات، فنحن في مصر حتى اليوم لم نتعود على طريقة العمل داخل فريق متكامل من المستشارين والمساعدين والمسؤولين. ثالثاً: الأزمة الكبرى جاءت من تصريحات بعض أعضاء جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة ومن يؤيدهم، بضرورة أن يتم محاكمة النائب العام بدلاً من تعيينه سفيراً لدى الفاتيكان، وضرورة أن تفتح له الملفات القديمة. رابعاً: النية التي اعلنها البعض المؤيدين للرئيس ولجماعة الإخوان المسلمين من أن إقصاء المستشار عبدالمجيد محمود وتعيين نائب عام جديد ممن ينتمون إلى فكر وهوى الإخوان المسلمين، سوف يفتح ملفات الكثير والكثير من النخب السياسية والحزبية في مصر، مما أثار مخاوف هؤلاء ودفعهم لتأييد النائب وتحريضهم له على عدم قبول المنصب الجديد والإصرار على بقائه في منصبه. في النهائة نتمنى أن تستفيد الرئاسة والحكومة من هذه التجربة بإيجابيتها وسلبياتها، للعبور بمصر من عنق الزجاج والبدء في تنفيذ برامج التنمية النهضة الحقيقة التي يتنظرها الجميع بعد الثورة التي دفع ثمنها الآلاف من أطهر شباب مصر ما بين شهيد ومصاب.