فى مقالة لإبراهيم عيسى عدد "التحرير" يوم 1 أكتوبر 2012، عنونها ب«تجار الدين ملوك السوق» هاجم مستغلى الدين لأغراض شخصية دنيوية ولعبهم في عقول البسطاء، وما قاله عن الإخوان فى مقاله هذا فالإخوان أولى منى بالرد عليه. ولست هنا لأتفق أو أختلف على نظرته تلك للإخوان، لكن ما يعنينى هو الختام الخاص بمقاله، والمعنى الذى يرمى إليه لأنه ينبئ بغرض خبيث لم تخطؤه عيناي. فالرفض المطلق للشريعة هو الهدف الأساسى من تدبيج هذا المقال فقد دأب الصحفى الكبير على اقتطاع فترات انحدار وانكسار الدولة الإسلامية ليستشهد بها و ليبرر لنفسه رفضه للشريعة بشكل مطلق ونهائى. يتعامى عن فترة حكم عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز اللذان طبقا الشرع والدين وروح النصوص كأفضل ما يكون التطبيق. طبعا من المتوقع أن يقال أين نحن من هاتين القامتين، وهي كلمة حق يراد بها باطل، لأن المفترض أنهما قدوة ولم يفعلوا المستحيل، بل ببساطة طبقوا الشريعة وروح النصوص. ويتعامى عن فترات ازدهار الخلافة الإسلامية كالخلافة العباسية فى أوجها التى علمت الغرب . تلك الفترة التى فُهِم (بضم الفاء) فيها الإسلام كدين علم وعمل، فساد المسلمون بقاع الأرض. والتاريخ يشهد كيف تعامل رجال دين تلك المرحلة القوية مع الشاعر أبو نواس سواء من ناحية سلوكه أو من ناحية شعره الماجن والفاجر. فقد تجاهلوه ولم يقيموا عليه حدًا، ولم يطالبوا حتى بسجنه. لن أتحدث هنا عن توبته قبل وفاته فليس هذا محله الآن. الأمثلة التى حفل بها مقاله ليست لها علاقة بتطبيق الشريعة، ولكن بالصراع على السلطة وهذا ما يحدث عادة في فترات تخلف الأمم "اللى تغلب به العب به"! وكل أمة حسب الورقة الرابحة لديها ويشاء حظنا العاثر أن الورقة الرابحة دوما وأبدا هى الدين. لكن ليس معنى هذا أن ترفض الشريعة إجمالا بسبب المتطرفين فى تفسيرها والجهلة وأصحاب الفكر السطحي الشكلي الذى دأب إبراهيم عيسى على فرد صفحة داخل جريدة التحرير لهم، ولا هم لها إلا نشر التصريحات والآراء والفتاوى الشاذة من المحسوبين على التيارات الإسلامية التي تسكب الزيت على النار دون الاستعانة– متعمدا- بعلماء الأزهر الدارسين والفقهاء الوسطيين (د. سعد الدين الهلالى كمثال) للرد على تلك السخافات وتفنيدها. كان لا بد أن تفتح القنوات وتفرد الصفحات فى حملة دائمة ومستمرة لعلماء الأزهر الشريف وفقهائه ولجان الفتوى فيه وطرح كل القضايا والمسائل الخلافية بما فيها فتاوى هؤلاء المتهورين والموتورين لأخذ رأيهم فيها والفصل بين الأمور التى هى من صميم الشرع والأمور التى هى من شئون الدنيا والتى يعتبر الإجتهاد فيها فرض عين وعلى الجميع فى كل المجالات لكنه لم يفعل ولن يفعل للغرض ذاته وهو الرفض التام للشريعة . لطالما تحدث فى مقالاته السابقة سواء أيام المخلوع أو حتى بعد الثورة عن استغلال الدين للمصالح الشخصية لكن فى نهاية مقاله أدان الشريعة التى لم تمنع فسادا أو تنصف مظلوما ضاربا أمثلة للدول التى تدعى الإسلام وهى فى حقيقة الأمر بعيدة عنه، ولا يضرب المثل بماليزيا أو تركيا التى يعد نهوضهما وقوة اقتصادهما مثالا. وهو هنا يلوي معانى الكلمات والحقائق لأن سبب كل هذا ليس «تطبيق» الشريعة ولكن «تعطيل» الشريعة الحقة السمحة لتبرير البقاء على كراسى السلطة. فلطالما طالب الصحفى الكبير بأزهر قوى أمام الفسدة من الحكام وفى مواجهة مشايخ الفضائيات الجهلاء، ولطالما هاجم الشعب الخاضع الخانع للسلطة ولا يقول كلمة الحق فى وجه سلطان جائر، ولطالما تحدث عن عدم فهم الناس لصحيح الدين الذى يدفعهم لرفض الظلم وطلب الحق فى الحياة، لكن عندما جد الجد انحرف 180 درجة محملا مطلب تطبيق الشريعة كل الموبقات رغم علمه أن الشريعة ليست حكرا على فريق يفسره على هواه، كما كتب كثيرا في السابق إلا أنه يناقض نفسه هنا وينسب الشريعة لفريق بعينه! وكما يتلاعب مشايخ الفضائيات والمتطرفين والجهلاء بمشاعر الناس البسيطة دينيا زاعمين ضلال غير المنتمين لهم، فإن الكاتب الكبير يتلاعب بمشاعر بعض الجاهلين بدينهم والخائفين من التيارات الدينية، ليبرر رفض الشريعة بشكل تام ومطلق وهذه ليست موضوعية على الإطلاق. الأزهر بعلمائه وفقهائه لا بد أن يكون المرجعية الأولى والوحيدة للفتوى. هو نفسه الأزهر الذى ينتمى إليه عماد عفت ومظهر شاهين. هو الأزهر صاحب الوثيقة التى أحدثت توافقا عاما لدى كل التيارات على اختلافها فى مصر حتى أصحاب العقائد الأخرى. لكن ليس معنى هذا أننا نريد أن يتحول الأزهر لسلطة دينية محصنة، لكن نريد جهة وسطية بحق معتمدة تكون لها المرجعية فى مواجهة المتطرفين وتجار الدين، وتواجه فساد تأويل وتفسير النصوص، وكذلك تواجه الرافضين لشرع الله الحقيقي وروح الإسلام الحقيقية التى أعطت حتى الجماد حقه فى الوجود، علما بأن رفض الشريعة في المطلق لن يحل المسألة قدر ما سيزيد الاحتقانات لأن الهجوم سيواجه بهجوم أشد عنفا وأكثر تطرفا.