تعالت أصوات المنظمات التي تنتمي للتيار اللبرالي في موريتانيا مطالبة بتطوير الخطاب الديني وتجديده حتى يواكب تطور المجتمع المدني –حسب تعبيرها-. وانتقدت المنظمات ما وصفوه بسوء فهم بعض المظاهر كتزويج القاصرات والختان والرق ومنع النساء من العمل. وخلفت هذه الدعوة ردود فعل واسعة، خاصة أنها جاءت بعد طلب المنظمات بفصل الدين عن السياسة ورفض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية القائمة على أنقاض الحركة الإسلامية التي تستغل الخطاب الديني لتوسيع قاعدتها لهذه المطالب. وتطالب ثلاث منظمات موريتانية هي جمعية النساء المعيلات للأسر والرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان ومنظمة نجدة العبيد بضرورة تجديد الخطاب الديني ليواكب تطورات المجتمع المدني، وتؤكد أن قوة العادات والتقاليد ما زالت تلقي بظلالها على الواقع الراهن. واعتبرت المنظمات أن تكوين الأئمة والفقهاء بطريقة عصرية وتغيير مناهج التعليم وإصلاح القضاء والاهتمام بالريف، سيساهم بشكل كبير في الدفع باتجاه تنمية إيجابيات "الصحوة الإسلامية" وتخفيف سلبياتها. وتعيش موريتانيا في ظل صحوة إسلامية وخطاب ديني متنام، مما دفع الباحثين إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة عبر عدد من أبحاث واستطلاعات التي تسعى إلى معرفة رأي الموريتانيين في الخطاب الديني السائد، ومدى استفادتهم منه وتأثرهم به سلبا وإيجابا، حيث حذرت بعض هذه الدراسات من استقطاب وتأثير الحركات الإسلامية والتيار السلفي في بعض الفئات التي تعاني من واقع اجتماعي أكثر هشاشة واختلالا، تراكمت فيه أخطاء كبيرة، وبررت هذه الدراسات مخاوفها من التأثير المحتمل للخطاب الديني المتشدد في هذا الواقع الهش. وكشفت المظاهرات الأخيرة عن حجم التيار السلفي المتنامي وتصاعد مواقفه التي تؤكد الاختلاف الواضح بينه وبين غيره من التيارات وتبرر مخاوف موريتانيين من تنامي مظاهر جديدة تشهدها البلاد وتثير سجالا بين الأقطاب السياسية والاجتماعية في البلاد. وكان عدد من كبار فقهاء وعلماء موريتانيا طالبوا مؤخرا بإنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مما أثار ردود أفعال واسعة في أوساط المراقبين والمثقفين وعامة الموريتانيين، وخلفت المطالب المتكررة على منابر المساجد بإنشاء هيئة حسبة شرعية موجة غضب عارمة في أوساط الشباب والنساء الذين اعتبروها تراجعا ونكوصا عن المكتسبات الحقوقية، فيما اعتبر البعض أن إنشاء هيئة حسبة شرعية لتفعيل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر ضروري لتحصين المجتمع وقطع الطريق على الجماعات التي تدعو إلى التمدن بالانحلال والفساد.