الكثير من الآباء والأمهات يعتقدون أنهم يبذلون ما يجب عليهم في سبيل بلوغ أبنائهم للمراتب العليا في الدراسة بتوفير مدرسة ذات مستوى مرتفع ومدرسيين يأتون إليهم ليعاونهم في المذاكرة و مايقومون به كل أسبوع في الترفيه عنهم من خلال الخروجات المختلفة، ولكنهم قد يقومون بكل هذا ولايحصلون على النتيجة التي يسعون إليها . ويبدء السؤال ما السبب وراء ذلك ...قد يكون السبب راجع بشكل كلي إلى أولياء الأمور في هذه الحالة..ويكون السبب هنا الخلافات الدائمة بين الوالدين والتي في الغالب لاتتوارى عن أعين وآذان الأبناء، فقد أظهرت دراسة متخصصة قام بها المركز القومي للبحوث في القاهرة أن نسبة التعثر الدراسي لدى الأطفال في المدارس المصرية زادت كثيراً في الفترة الأخيرة نتيجة للعديد من الأسباب الاجتماعية والنفسية. وتعتبر الخلافات الزوجية من أبرز الأشياء التي تؤثر نفسياً على الأبناء، إذ إن هذه الخلافات تزرع الخوف داخل الأبناء والشعور بفقد الاستقرار والأمان، فالأبناء هم أول من يحصدون النتائج السلبية المترتبة على المشكلات الزوجية. وقد وجد العديد من المضاعفات النفسية والجسمانية التي تلازم الأولاد الذين يعيشون في ظل أجواء عنيفة داخل العائلة، فحالة التوتر التي يعيش فيها الطفل توقعه في أزمات تجعله يفقد القدرة على السيطرة الذاتية والتأقلم وبالتالي تؤدي إلى خطر الفشل المدرسي خاصة والفشل في الحياة عموماً. الخلافات تتسبب في أضطرابات النوم وقد وجد الباحثون في جامعة إيبيرن في ألباما بالولايات المتحدة في دراسة لهم وجود علاقة قوية بين مقدار ووتيرة الخلافات بين الزوجين وعلاقتها بنوم الطفل، وذلك بناء على ما يخبر به كل من الزوجين والطفل كذلك. وشملت الدراسة متابعة تأثير الخلافات الزوجية على نوم 55 طفلا ممن تتراوح أعمارهم ما بين ثماني الى تسع سنوات. وذهبوا بعيداً في ملاحظة وتقييم نوم الطفل، فبالإضافة الى ما يخبر به الطفل نفسه عن نومه، عمد الباحثون الى حد الطلب من الطفل لبس جهاز أكتغراف Actigraph، أو راصد الحركة، وهو ما يشبه ساعة المعصم، بغية رصد وقت ذهابه للسرير وخلوده الى النوم وحركاته أثناء نوم الليل وحالات استيقاظه وغير ذلك من الأحداث، وذلك لمدة سبعة أيام متتالية. ووجد الباحثون أن الطفل الذي ينتمي لمنزل درجة المشاكل الزوجية فيه عالية، عادة ما يذهب الى سريره للنوم في وقت شبيه بالطفل من المنزل ذو درجة متدنية من تلك المشاكل، أي أن وقت النوم لا فرق فيه بين الأطفال من كلا المنزلين، ولا تأثير للمشاكل الزوجية عليه، وخصوصاً أنه لا يجعل الطفل يذهب مبكراً للنوم خوفاً مما يجري في المنزل أو ليتخلص من الإزعاج أو الضرر الذي قد يلحق به أو غير ذلك. لكن الملاحظ أن الطفل الذي يعاني من منزل مشحون بالخلافات ينام وقتاً أقصر أو ربما لا ينام بالليل مقارنة بغيره، ويتحرك ويتقلب كثيراً على السرير، كما أن هؤلاء الأطفال يحتاجون الى أن يناموا بالنهار سواء في المدرسة أو المنزل. هذه الاضطرابات في نوم الطفل كانت أوضح وأقوى في التأثير عليه عند الاعتماد على تقرير الطفل عن وجهة نظره في خلافات أمه وأبيه وهو ما دعمته وأيدته نتائج تحليل معلومات جهاز أكتغراف الراصد للحرك. فمن كانت رؤيته ونظرته الى مشاكل والديه أنها كبيرة كان تأثر نومه أكبر. وهو ما علقت عليه البروفسورة منى الشيخ الباحثة الرئيسية من جامعة إيبيرن في ألباما بأن النتائج تقول حتى ضمن العائلات التي يرى البعض أن درجة الخلافات الزوجية فيها هي ضمن الطبيعي فإن تأثير غضب أحد الوالدين أو شجارهما من السهل أن يؤدي الى اضطرابات في نوم الطفل. وهذا الأمر مهم بدرجة بالغة لأن النقص المتوسط في مدة نوم الطفل سيؤثر سلباً على تعليم الطفل ويضعف همته ويزيد من توتره ويقلص من قدرات التحكم في العواطف لديه. وأضافت ان هذه النتائج تفرض على الزوجين التعامل مع الخلافات بينهما ومساعدة الأطفال على تفهم دواعيها. ويطالب الدكتور علي الحرجان اختصاصي الطب النفسي ، الوالدين بعدم وصول الخلافات الزوجية إلى مسامع الأبناء لأنها تضر بمستقبلهم الدراسي وتؤذيهم معنوياً، ويضيف إن غالبية الدراسات تدل على أن معظم أسباب المشكلات السلوكية والأخلاقية والتدني الدراسي، ناتجة عن الرفقة السيئة، والرفقة السيئة تنتج عن انصراف الزوجين إلى الاهتمام بخلافاتهما دون النظر إلى احتياجات الأبناء، ففي الوقت الذي يفترض على الأب مراقبة المستوى الدراسي للأبناء، والتعرف على أصدقائهم للتأكد من أنهم ليسوا رفقة سيئة، يتخلى الأب عن هذا الدور ليهتم بالصراع الداخلي مع الزوجة، ويترك للابن أو الابنة حرية اختيار الصديق الذي يبوح له بمشكلاته المنزلية التي لا يجد من يبوح له بها. ويضيف د. علي إن الطفل ينشأ في الصغر على مفاهيم عائلية خاصة، ثم يفاجأ عندما يبدأ دخول سن الوعي والإدراك أن الواقع يختلف، والصراع يحتدم بين طرفي الحياة اليومية، فيعيش في ازدواجية تسببها كل من قيم المنزل من جهة، والمفاهيم الجديدة التي تفرض نفسها عليه، سواء في المدرسة أو الشارع أو وسائل الإعلام من جهة أخرى، في ظل غياب الدور المنتظر للوالدين، ومن الطبيعي أن يتراجع مستواه الدراسي لهذه الأسباب.