"كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي" .. مقولة شهيرة ل"جوبلز" وزير إعلام هتلر، ربما إذا أعيدت صياغة هذه الجملة الآن لقيل "كلما سمعت هنري كسينجر تحسست عقلي". فهذا الرجل هو أشهر من تولى حقيبة الخارجية الأمريكية، وكانت له اليد الطولى في تحديد سياسة الولاياتالمتحدة بالعالم والشرق الأوسط تحديداً خلال ال30 سنة الأخيرة، إلى أن عاد للظهور مجدداً وبتصريحات خطيرة تحدث فيها عن ضرب إيران واحتلال الكيان الصهيوني لنصف العالم العربي وسيطرة الولاياتالمتحدة على دول النفط العربية. تصريحات كيسنجر التي أدلى بها لصحيفة "ديلي سكيب" الأمريكية، قال فيها إن الجيش الأمريكي بات مضطرا لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرا لأهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة خاصة وأنها تحتوي على البترول، وأضاف أنه لم يبق على ذلك إلا خطوة واحدة وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون "الانفجار الكبير" والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط!. التصورات "الكيسنجرية" والتي ربما أعادت للأذهان استراتيجيات هذا الداهية اليهودي التي رسمها للساسة الأمريكيين للتعامل مع الشرق الأوسط آبان فترة السبعينيات من القرن الماضي، طرحت أيضا تساؤلات في غاية الأهمية، تنحصر في توقيت هذه التصريحات وما ترمي إليه وموقع القيادة الأمريكية الحالية من هذه التصريحات فضلاً عن الجهة الأكثر استفادة من هذه التصريحات. لاشك أن الولاياتالمتحدة قد تعرضت خلال العامين الآخيرين لضربة قوية في الشرق الأوسط أفسدت مخططات العم سام في المنطقة طوال ثلاث عقود كاملة، فالربيع العربي يبدو أنه قد وٌجه في الأساس لضرب مصالح أمريكا أكثر منه الإطاحة بعملائها، وهم حكام الوطن العربي الذين أٌطيح بهم خلال هذه الفترة في ثورات شعبية عارمة في عدد من الدول، وبات شغل الولاياتالمتحدة الشاغل هو "لملمة" ما بقي لها من هيبة وكيان اعتقدت أنه راسخ بالمنطقة، ورغم المحاولات الأمريكية طوال هذه الفترة التي تمثلت في إعلانها المستمر تأييدها للثورات العربية ولاختيار الشعوب وللديمقراطية وغير ذلك من التصريحات التي حاولت من خلالها التودد من النظم العربية الجديدة ومن الشعوب قبل الحكام، لحفظ هذه المصالح، إلا أن الضربات المتتالية ربما كانت أقوى من المخططات الأمريكية، حتى جاءت الأحداث الأخيرة المصاحبة للاحتجاجات الشعبية العارمة التي شهدتها دول عربية عديدة ضد الفيلم المسيء للإسلام وللرسول الكريم، لتقضي على البقية الباقية من دور أمريكي ومكانة راسخة بالمنطقة. لهذا السبب ربما تكون تصريحات كيسنجر تكون قد جاءت لإظهار خط جديد من الاستراتيجية الأمريكية القادمة مع الشرق الأوسط، بعد فشل سياسة التودد والدعم.. استراتيجية جديدة تقوم على التهديد والتخويف، وإظهار عين أمريكا "الحمراء" كنوع من الاستدراك و"لم الدور" مع القائد الأوحد للعالم، والذي بات بعد الربيع العربي بشكل عام وما تعرضت له سفارات أمريكا في العديد من دول العالم العربي والإسلامي بشكل خاص، بلا حول ولا قوة وباتت الهيبة الأمريكية "ملطشة" خاصة وأن هذه الهيبة قد فقدت رصيد كبير لها من قبل في أفغانستان والعراق، فضلاً عن إيران التي تمضي في برنامجها النووي دون أي اعتبار للتهديدات "الصوتية" الأمريكية.