تاريخ أسود يطارد العاصمة البريطانية لندن بعد أن أصبحت قبلة للأموال القذرة الناتجة عن تجارة المخدرات والسلاح والعملات والآثار، وأخيرا دخل مع هذه الأنواع من التجارة أموال الحكام الديكتاتوريين التي نهبوها من عرق ودماء شعوبهم وكان آخرها أموال المخلوع حسني مبارك وأسرته وحاشيته الفاسدة. العجيب في الأمر أن الحكومة البريطانية لم يكفها ثورة 25 يناير التي شارك فيها معظم الشعب المصري على النظام الفاسد وإسقاطه، حين أعلن أليستر بيرت وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا :"أن الحكومة البريطانية لا يمكنها تلقي أمرًا بتجميد ودائع على أساس شبهات، وأن دليلًا ملموسًا أمر ضروري"، موضحًا أن هذا الأمر يتطلب وقتًا للاتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي ال 27 ، متناسيا أن الحكومة السويسرية قامت على الفور عقب اندلاع ثورة يناير بتجميد أرصدة للمخلوع وحاشيته ب 700 مليون دولار . وفي لقاء على قناة "بي بي سي"، قال د.محمد محسوب وزير الدولة لشؤون المجالس النيابية، أن بريطانيا إحدى أسوأ الدول في تعقب وتجميد ودائع الرئيس المخلوع حسني مبارك والمقربين منه . وتأكيداً على كلام محسوب قال عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع ورئيس اللجنة القضائية لاسترداد الأموال، :"إن الحكومة البريطانية مرغمة شرعيًّا بمساعدتنا، لكنها لا تريد القيام بأي جهد لاستعادة الودائع، وهي تكتفي بالقول: أعطونا أدلة". وقد حاولت مصر إثناء بريطانيا عن موقفها الرافض لتسليم أموال المخلوع أو حتى تجميدها بكل السبل حتى أن المستشار علاء مرسي رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي، كان قد أعلن عن توقيع ثلاث اتفاقيات لمكافحة غسل الأموال، مع كل من إنجلترا واستراليا وأوكرانيا، من خلال وحدات التحريات المالية بتلك الدول. حتى الولاياتالمتحدة والتي تأتي في مقدّمة الدول التي يتمّ فيها غسل الأموال، حيث تقدّر حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً من جرائم المخدّرات وحدها، بنحو 300 مليار دولار، هاجمت أحد البنوك الإنجليزية بسبب غسيل الأموال حيث اتهمت إدارة الرقابة المصرفية في نيويورك مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني بإجراء معاملات مالية غير شرعية مع إيران وغسيل أموال إيرانية بقيمة نحو 250 مليار دولار. وقد أعادت قضية أموال المخلوع وأسرته وحاشيته في إنجلترا التحقيق الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية، «بي بي سي»، تحت مسمى «فشل» الحكومة البريطانية في الالتزام باتفاقات تجميد أموال وأصول خاصة بنظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك. وأضافت "بي بي سي" في التحقيق أنه وفقا لمستندات يمكن التوصل إليها على مواقع إلكترونية، تم الكشف عن ممتلكات وشركات مملوكة لمسؤولين بارزين في نظام مبارك لم تتأثر بالعقوبات التي فرضت عليهم. وأضاف التقرير أن وزير الخارجية البريطاني وليام هيج، كان قد أعلن بعد ثلاثة أيام من سقوط مبارك أمام البرلمان البريطاني أن حكومته ستتعاون من السلطات المصرية من أجل تجميد أصول وممتلكات مسؤولين سابقين، لكن هذه الخطوة جاءت بعد 37 يوما بأكملها، وتمثلت في اتفاق بريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على هؤلاء المسؤولين، بينما اعتبرت مصر أن هذه الفترة سمحت للمقربين من مبارك بنقل أموالهم وأصولهم قبل اتخاذ إجراء ضدهم. وأشارت إلى صدور قرار بتجميد أصول بقيمة 85 مليون جنيه إسترليني في بريطانيا يملكها مبارك وزوجته سوزان ثابت ونجلاه علاء وجمال إضافة إلى 15 مسؤولاً آخرين، إلا أن تحقيقات «بي بي سي» كشفت وجود ممتلكات وأصول لم تدرج ضمن العقوبات. وكان مسؤولون مصريون بارزون قد وجهوا اتهامات لبريطانيا بإخفاء ثروات نظام مبارك وانتهاك الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، وفي المقابل ردت الحكومة البريطانية بالتأكيد على قيامها ببذل قصارى جهدها لتتبع هذه الأصول والكشف عنها. وأشارت «بي بي سي» إلى أن بيانات مكتب تسجيل الشركات في بريطانيا، المتاحة للعامة، تشير إلى أن نجلاء الجزايرلي زوجة وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي تمكنت في نوفمبر 2011 من تسجيل شركة باسمها في لندن، على الرغم من أنها مدرجة على قائمة المسؤولين المستهدفين بالعقوبات بعد مرور 7 أشهر على تجميد ممتلكاتها. وأثبتت وثيقة مشابهة أن شركة «ميدانفيست لندن للاستثمارات» التي أسسها نجل مبارك الأصغر، وهي مملوكة لشركة قبرصية أدارها جمال أيضاً، واصلت نشاطها حتى فبراير الماضي، أي بعد مرور 11 شهراً على صدور قرار تجميد الأصول. وكشفت أنه لا توجد أي مؤشرات على أن مكتب تسجيل الأراضي في بريطانيا اتخذ قرارًا بشأن المنزل الذي كان يقيم فيه جمال مبارك لسنوات عدة، ويقع في منطقة «ويلتون بلاس» في «نايتس بريدج» وسط لندن ويقدر ثمنه بنحو ما بين 8 إلى 10 ملايين جنيه إسترليني، وكان جمال مبارك قد سجل عنوان هذا المنزل في الأوراق الرسمية باعتباره محل الإقامة عام 2010، وظهر في شهادة ميلاد ابنته فريدة. وأوضحت أنه بالرغم من أن ملكية العقار تعود إلى إحدى الشركات في بنما، إلا أن العقوبات المفروضة يجب أن تسري على المنتفع من العقار حتى وإن لم يكن المالك. ووافقت الحكومة البريطانية على طلب السلطات المصرية بمساعدتها على تتبع وتجميد هذه الأصول ولكن مصر تقول إن بريطانيا تطلب معلومات قبل الشروع في اتخاذ قرارات، وهي معلومات تقول السلطات في مصر إنها لا يمكن الحصول عليها.