على الرغم من جمال اللقاء السنوى أمس الجمعة برأس البر لدفعة 82 ثانوية عسكرية دمياط، والذى نشتاق لموعده كل عام على مدى خمس سنوات، إلا أننى كنت مشغولاً بغياب الأستاذ جلال حمزة، الذى كان يدرس لنا مادة الفيزياء من ثلاثين عاماً . والأستاذ جلال واحدٌ من أعظم أساتذتنا على الإطلاق، فهو العالِم الخلوق والقدوة الحسنة فى كل شئ، وهو المثل الأعلى لنا ولأجيال سبقتنا وتلتنا، وبالنسبة لى فهو الأستاذ والأب والأخ الأكبر والأقرب إلى قلبى وروحى. ومما زاد من قلقى ما علمته من زملائى أن سبب غيابه عن اللقاء هو موقفى شخصياً من أحمد شفيق! وقد شاءت الأقدار أنه فى صباح ذات اليوم – أمس الجمعة – كانت الصحف كلها تنشر فى صفحاتها الأولى خبر حبس جمال وعلاء مبارك فى بلاغى ضد شفيق، بشأن بيعه لهما أرض البحيرات المرة ب75 قرشا للمتر المربع، فى نفس الوقت الذى اختفى فيه شفيق وغادر البلاد تاركاً جمال وعلاء لمصيرهما، وتاركاً القضية دون ردٍ أو صدٍ أو دفاع، حتى أن محاميه الخاص أعلن أنه لا علاقة له بالقضية، وعلى شفيق أن يدافع عن نفسه، وتاركاً حتى أنصاره ومؤيديه الذين ينتظرون منه مجرد كلمة تدعمهم نفسياً ومعنوياً .. والحقيقة عندى أن أنصار شفيق أو من أعطوا أصواتهم لشفيق على ثلاثة أقسام، القسم الأول ينتمى إلى النظام القديم قلباً وقالباً، شكلاً وموضوعاً، من المنتفعين وناهبى المال العام وسارقى أراضى الدولة، وهؤلاء لا حوار بينى وبينهم، والقسم الثانى وهو المضاف فى كشوف الناخبين على نحو ما اكتشفت أنا شخصياً بالاسم وأيدنى المستشار حاتم بجاتو أمين لجنة الانتخابات الرئاسية وقام بحذف اسم من ذكرته، ونشر ذلك فى حينه، وهذا القسم أكبر من القسم الأول، أما القسم الثالث وهو الأكبر (ربما أكثر من ستة ملايين) فهم من غير المرتبطين بالنظام السابق أو المنتفعين، بل ربما يكون بعضهم قد أُضير منه، ولكنهم فى ذات الوقت القلقون على مستقبل هذا الوطن، المعارضون لسياسات وتصرفات الإخوان المسلمين، خاصةً فى فترة الثمانية عشر شهراً الماضية التى شهدت تراجعاً وتناقضاً فى مواقف الإخوان السياسية، كما شهدت محاولات متكررة للتكويش والسيطرة على كل شئ من قبل الإخوان، أعطى هذا القسم أصواته لشفيق، ليس حباً فيه، ولكن خوفاً من سياسات الإخوان، ويقيناً فإن الأستاذ جلال حمزة من هذا القسم الأخير .. واندهاشى من القسم الأخير كبير، ذلك أننى وكما أشاركهم ذات تخوفاتهم من سياسات الإخوان، التى اصطليت أنا بنارها فى انتخابات مجلس الشعب بدائرة دمياط، ويعلمها القاصى والدانى، إضافةً إلى أننى انتقدت بشدة ترشيح خيرت الشاطر ومرسى من بعده، وأيدت ودعمت وانتخبت عبد المنعم أبو الفتوح فى الجولة الأولى، إلا أن هذا القسم كان ولازال يرى أن من لا يقف مع شفيق فى الجولة الثانية فهو قطعاً مع الإخوان ! وأن من يرفض شفيق باعتباره رمزاً من رموز الظلم والفساد والاستبداد، هو بالضرورة متواطئ مع الإخوان! وأن من يكشف عن سرقة أراضى الدولة وبيعها لعلاء وجمال مبارك بملاليم، هو مؤكد يعمل لمصلحة الإخوان! فهل هذا المنطق هو منطقٌ عادل؟ وهل يقبل أصحاب هذا الرأى أن يصفهم البعض بأنهم من المتواطئين مع أو المنتفعين من النظام السابق باختيارهم شفيق لمجرد أنهم عبروا عن حقهم المشروع فى تخوفاتهم من سياسات الإخوان، وهى تخوفات حقيقية، وأنا شخصياً أشاركهم فيها؟ هل يقبلون أن يكتالوا بذات المكيال؟ بل إننى أريد أن أعود قليلاً إلى الوراء وأتساءل: هل الذين تحالفوا مع الإخوان فى انتخابات مجلس الشعب ونجحوا على قوائمهم، مثل زملائنا الأفاضل أمين اسكندر وكمال أبو عيطة ومحمد السعيد إدريس وسعد عبود، الذين يمثلون حزب الكرامة بزعامة حمدين صباحى، هل هؤلاء يمكن أن أصفهم بالمتواطئين مع الإخوان لمجرد أننا فى حزب الوسط كنا منافسين للإخوان؟ وبصفة خاصة ما كان بيننا من معركة حامية فى دائرة دمياط؟ وهل يحق لى أو يصح لغيرى أن يصف مثلاً حمدين صباحى بالمتحول لأنه بعد أن كان متحالفاً مع الإخوان فى انتخابات مجلس الشعب أصبح منافساً لهم فى انتخابات الرئاسة؟ بل ومهاجماً شرساً لهم الآن؟ إن انتخابات الرئاسة قد انتهت، واعتلى مرسى سُدَّة الحكم، وهرب شفيق خارج البلاد، وأثبتت الأيام القليلة الماضية بعضاً من تخوفاتنا من سياسات الإخوان، كما أثبتت أيضاً جدية اتهاماتنا لشفيق فيما يتعلق بالمال العام، إذن فتوجهاتنا أقرب إلى الاتفاق منها إلى الاختلاف، فقط الأمر يحتاج إلى تحرير وتأصيل وإعادة نظر ومراجعة .. إننى أدعو هذا القسم الكبير، الذى أعطى صوته لشفيق، من وازع حبه لوطنه وقلقه على مستقبل أبنائه، وطموحه لأن تتبوأ مصر أعظم مكانة، أدعوه لحوارٍ على هذه الأسس وتلك المبادئ، أما أستاذى الأستاذ جلال حمزة فأقول له كل عام وأنت بخير وأسرتك الكريمة، ومثلُك سيظل دائماً علماً ونبراساً وقدوةً عندى وعند جيلى وعند أجيالٍ كثيرة سبقتنا وتلتنا، إننى أدرك جيداً مدى حبك لهذا الوطن الذى سقيته لنا وعلمته إيانا، وأعلم تماماً مدى صدق تخوفاتك التى أشاركك فيها تماماً، ولكن ضريبتك أنك علمتنا الخلاف فى الرأى فاختلف معك أحد تلاميذك فى رأىٍ سياسى مازال متمسكاً به، آملاً ألا ينال هذا من مكانته عندك، وراجياً هو وزملاؤه أن تعوضهم عن غيابك إفطار الأمس بدعوتهم لإفطارٍ عندك، على بطٍ دمياطىٍ سمين!