منذ أن أعلن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح نيته في الترشح لانتخابات الرئاسة، وشرع في وضع برنامجه الانتخابي، بدأ الهمز واللمز في أوساط الإسلاميين عن «أبو الفتوح الذي تخلى عن إسلاميته»، وعن «الليبراليين والعلمانيين واليساريين الذين ضحكوا عليه» ونحو هذه الأقاويل؛ واشتد الهمز واللمز خصوصا بعد أن نزلت جماعة الإخوان المسلمين لساحة الانتخابات الرئاسية بمرشحها «الإسلامي الوحيد»، ودفعتها مقتضيات الحملة الدعائية إلى التركيز ربما على هذه الميزة التنافسية؟! لذا أحببت – لكوني أحد الإسلاميين العاملين في اللجنة السياسية بحملة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح– أن أوضح بعض النقاط لإخواني إبراء للذمة، ومنعا لسوء الفهم الذي تعمقه أجواء منافسة سياسية لا تخلو من الشطط والبهتان. رؤيتنا «الإسلامية» وفهمنا «الإسلامي» لأولويات العمل الإسلامي والوطني في هذه المرحلة الانتقالية، والتي مثلت محاور البرنامج الانتخابي للدكتور أبو الفتوح تقوم على مبادئ أربعة. أولا: التوافق الوطني هو من أولويات المرحلة الانتقالية، وهو واجب الوقت عند التأسيس للنظام الجديد. وهذا من هدي النبي–صلى الله عليه وسلم—عند بنائه لدولة المدينة الجديدة؛ فالنبي لم يكتف بالموآخاة بين المهاجرين والأنصار، ونزع الشقاق بين الأوس والخزرج وضمهم للحمة مجتمعية واحدة، بل ضم له المشركين من العرب واليهود من أهل الكتاب، واستوعبهم في دولته وداخل نظام حكمه، وبحث عن المشترك بينه وبينهم، فاليهود هم أهل كتاب، والمشركون من العرب تجمعهم بأهل المدينة الأهلية والقبلية والجيرة التي استعملها النبي – صلى الله عليه وسلم—لمنع الاقتتال الداخلي في المدينة عقب هجرته بين المسلمين، وجمع من المشركين بقيادة عبدالله بن أبي بن سلول.(راجع إن شئت: كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية). والقياس هنا بالطبع مع الفارق، لأن الخلاف داخل مجتمع المدينة في هذه المرحلة كان خلافا عقائديا، والخلاف الآن في المجتمع المصري هو خلاف سياسي. لكن العبرة والدرس المستفاد هو أولوية التوافق الوطني في مثل هذه المراحل الانتقالية، وكون د.عبدالمنعم محاط برموز من الاتجاهات القومية والليبرالية واليسارية بجوار الإسلامية هو دلالة نجاح، وليس مما يعير به الرجل، خصوصا من أبناء مدرسة الإخوان التي كان أهم ما يميز إمامها الشهيد حسن البنا (رحمه الله) هو سعيه الحثيث للتوافق وشعاره «فلنتعاون فيما اتفقنا فيه»، ولو كان النبي –صلى الله عليه وسلم— قد آخى بين المهاجرين والأنصار فقط، ثم استغل كثرتهم في إجبار اليهود على الخضوع للمسلمين وعلى كسر تجمع المشركين العرب، لقلنا فلندرك اللحظة الفارقة وليتآخى السلفيون والإخوان حتى نقهر خصومنا العلمانيين وغير المسلمين، لكن هذا ليس منهجا نبويا، وليس من أدبيات الإخوان المسلمين. ثانيا: إعادة السيادة للشعب، وألا يتولى أمره أحد إلا باختياره، وألا يستبد بإدارة شئونه أحد هو من أهم مقاصد الشريعة في قضايا السياسة والحكم، لذا فإن أولويتنا في هذا المجال –خصوصا عند التأسيس للنظام المصري الجديد الذي يأتي في أعقاب ثورة أطاحت بنظام مستبد فاسد–هو التأكيد على السيادة الكاملة للشعب، ليس فقط بآليات الديمقراطية النيابية، والانتخابات النزيهة، وتغيير القوانين المقيدة للحريات، وتقوية منظمات المجتمع المدني ودورها الرقابي؛ لكن بتطوير ذلك إلى آليات الديمقراطية التشاركية التي تضمن شكلا أعمق في الممارسة الديمقراطية، والتي تشكل ضمانة أكبر في منع الاستبداد؛ وتعني هذه الديمقراطية في الشق التشريعي تفعيل آليات الرقابة الشعبية على البرلمان بالإضافة إلى رقابة البرلمان على الحكومة. وفي الشق التنفيذي تعني الاتجاه نحو اللامركزية، مع اعتماد آلية التخطيط بالمشاركة والتي لا تقصر عملية التخطيط فقط على الخبراء أو السياسيين بل تدمج في عملية التخطيط الجهات المستفيدة الممثلة للشعب. ثالثا: استخدام آليات اقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات «بما يحقق حد الكفاية» على الأقل لكافة أفراد الشعب، واتباع سياسات اقتصادية توازن بين التنمية وبين عدالة التوزيع «حتى لا يصير المال دولة بين الأغنياء» من مقاصد الشريعة في الاقتصاد بل تعتبر من الأولويات الاقتصادية في هذه المرحلة الانتقالية. وإن كانت تعطي للقطاع الخاص والاستثمارات دورا هاما في التنمية الاقتصادية، لكن لا تجعلها الركيزة الوحيدة وتقصر دور الدولة على وظائف الأمن والقضاء. وهذا أقرب لأطروحات الاقتصاد الإسلامي المعاصرة، القائلة بأنه في المراحل الأولى للإصلاح الاقتصادي «الإسلامي» فهناك أولوية لتدخل الدولة لضمان تقليل الفجوة بين الطبقات وعدالة التوزيع وأن الاعتماد على آليات السوق فقط مع تنظيم الزكاة والصدقات في هذه المرحلة غير كاف لتحقيق مقاصد الشريعة وأهدافها الاقتصادية. رابعا: استقلال القرار الوطني «بالخروج من التبعية السياسية والاقتصادية» وإعادة النظر في المعاهدات السياسية والاقتصادية وتقييمها وإعادة التفاوض حولها للتخلص من مظاهر الوصاية على السيادة الوطنية. وزيادة الدور النشط لمصر في دوائرها العربية والإسلامية والإفريقية والجنوبية، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية «كقضية مركزية للعرب والمسلمين» و«التأكيد على الدعم الكلي والشامل والاستراتيجي» لها، كأهم أولويات برنامجنا للسياسة الخارجية. هنا بصراحة شديدة ومن باب النصيحة الصادقة أسأل إخواني ما الذي ترونه في هذا البرنامج غير إسلامي؟! ما الذي يجعل مرشح الإخوان هو المرشح الإسلامي الوحيد؟! أهو توافق الإخوان والسلفيين عليه؟! أقول إننا نعرف الرجال بالحق وأزعم أن ما نقدمه في برنامجنا السياسي والاقتصادي أقرب لتحقيق مقاصد الشريعة في الواقع المصري الراهن من الرؤية السياسية الليبرالية والرؤية الاقتصادية المطابقة لسياسات الرأسمالية الجديدة التي يقدمها مرشح الإخوان. أما فيما يختص بالإصلاح الخلقي والديني في المجتمع فنحن نرى تفعيل آليات المجتمع المدني –وليس الدولة والقانون- مثل الجمعيات الأهلية الإصلاحية، وعلى رأسها النشاط الدعوي لجماعة الإخوان المسلمين. بل وبعض المؤسسات الرسمية خاصة الأزهر. هذا في ظل إتاحة الحرية الكاملة لها من الدولة. وذلك ليس علمانية منا، بل لأننا نرى ذلك أنفع لتحقيقها ونشرها. فالخبرة المعاصرة أثبتت أن تدخل الدولة في هذه القضايا بآليات السلطة يؤدي إلى مقاومة ورفض مجتمعي والمثال الشهير الذي نعطيه دائما في ذلك هو أن الحجاب ينتشر في القاهرة – بقوة المجتمع- أكثر من انتشاره في طهران بقوة القانون. واختم بما صدرناه في مقدمة البرنامج الانتخابي للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح من مقولة ابن القيم رحمه الله: «الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، ومصلحة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل». هذه بوصلتنا التي اجتهدنا وسعنا في الاسترشاد بها، فإن أصبنا فلنا أجران وإن أخطأنا فلنا أجر، وعلى الله قصد السبيل.