هذه مجموعة من التأملات والملاحظات استدعتها القراءة الأولى لقائمة مجلة «فوربس» الأمريكية لأغنياء العالم، وهي أيضا قراءة عابرة أو أولية لكاتب غير متخصص في الاقتصاد. 1. منذ 25 عاما، كان عدد الأثرياء في القائمة يبلغ 25 فقط، لكنهم الآن بلغوا 1226 شخص، كل منهم يملك ثروة تزيد على المليار دولار، وهو ما يشير ربما إلى تزايد أعداد هؤلاء الذين تتركز الثروة في أيديهم بينما تختفي من أيدي مليارات أخرى من البشر، وهو أمر نستطيع أن ندركه إذا أضفنا لهذا الرقم، رقم آخر يمثل تعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر حول العالم. 2. يضاف إلى الملحوظة السابقة أن الزيادة لم تكن فقط في عدد الأثرياء، بل أيضا في إجمالي ثروات هؤلاء الاثرياء. فقد شهدنا 2% زيادة هذا العام في مجموع ثروات نادي الأثرياء، كما أن عدد الأثرياء الذين زادت ثرواتهم بلغ 460 ملياردير بزيادة حوالي 20 ملياردير عن الذين انخفضت ثرواتهم. وتجدر الإشارة إلى أن عدد 20 مليارديرا ليس بالقليل، فمتوسط ثروة الملياردير في القائمة حوالي 3.7 مليار دولار. نشهد نفس الأمر أيضا في بقاء 180 ملياردير بنفس الثروة بينما غادر 117 ملياردير فقط القائمة ودخلها 128 مليارديرا جديدا. وذلك يؤشر أيضا لتزايد الذين يملكون والذين لا يملكون أيضا. 3. نشهد ملحوظة بالغة الأهمية، فالعديد من ثروات مليارديرات العالم الثالث، بها شبهات فساد واستغلال سلطة أو منصب أو تزاوج بين السلطة والمال. فقد قامت الحكومة المكسيكية مثلا بفرض غرامة قدرها مليار دولار على شركة السيد كارلوس سليم – المتربع على عرش القائمة – لخرقها قوانين الاحتكار (حيث تستحوذ شركته على حوالي 80% من الخطوط الأرضية و70% من سوق اللاسلكي). كما نجد أيضا أبناء لوزراء أو رؤساء وزراء، مثل ايكي باتيستا الملياردير البرازيلي ابن وزير التعدين وتتركز ثروته في مجالي التعدين والبترول، وعائلة ميقاتي (نجيب وطه) في لبنان، فالأول هو رئيس وزراء لبنان، كما نشهد بلبنان عائلة الحريري، بهاء وسعد وأيمن وفهد, كما عمل سعد الحريري رئيسا لوزراء لبنان، ونجد أن عبد العزيز الغرير بالإمارات قد شغل منصب رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وهؤلاء من أكبر 10 مليارديرات في العالم (بالنسبة لخارج المنطقة العربية)، بينما في المنطقة العربية هم ضمن قائمة أغنى 36 شخص في الوطن العربي (القائمة العربية لفوربس)، أيضا نجد أن أنس الصفريوي – رقم 24 في القائمة العربية وثالث أغنى أثرياء المغرب- تحيط بعمليات شركاته العقارية شبهات فساد كبرى ناجمة عن علاقاته بالسلطة في المغرب. 4. من جانب آخر، في حين ترتبط الثروة بالسلطة والفساد بشكل مباشر في المنطقة العربية، ترتبط الثروة بالاحتكار والاستحواذ في الغرب، وهي أحد اهم مساوئ الرأسمالية الغربية. فمثلا، الملياردير لاري إليسون استحوذت شركته «أوراكل» على 75 شركة بقيمة 40 مليار دولار على مدار السنوات الماضية، وشغل الموقع السادس على قائمة فوربس، بينما عملاق البرمجيات الأمريكي بيل جيتس تفننت شركته في عقد صفقات مع الحكومات لأجل مزيد من انتشار منتجاتها، وخاصة حكومات دول العالم الثالث. شهدنا كذلك تدخلات مباشرة في عالم السياسة في الغرب، فمثلا قام برنارد آرنو، الملياردير الفرنسي، بفصل مصصم كريستيان ديور، جون غاليانو، لإبدائه تصريحات معادية للسامية. 5. من بين 10 مليارديرات شباب ( دون 35 عاما) نجد 6 من الولاياتالمتحده و8 من العالم الغربي، فهل سنشهد مزيدا من تركز الثروات في يد العالم الغربي بالمرحلة المقبلة؟ 6. من تحليل مصدر ثروات أفراد قائمة فوربس، يتربع الاستثمار والأزياء والعقارات على صدارة مصدر الثروة. فمثلا نجد أن 143 و123 و102 ملياردير مصادر ثوراتهم الاساسية هي الاستثمارات والأزياء والعقارات، بالترتيب، مما يشير إلى تزايد النمط النيوليبرالي على الاقتصاد العالمي، كما نجد تنوعا في مجال استثمارات هؤلاء المليارديرات بين صناديق التحوط والمضاربة بالأسهم والسندات وعقود الشراء الثمينة، وهو أنشطة لا تتعلق بإنتاج أو صناعة أو زراعة أو ما شابه من نشاطات اقتصادية أساسية، بل تعتمد أنشطتهم على نجاح وعمل الآخرين، في عمل طفيلي تماما يعطي للمستثمر كافة المزايا ويجنبه كافة الاعباء. وهناك تواجد هام لقطاع الخدمات (قطاع طفيلي غير منتج بذاته)، فنجد أن الخدمات المالية والخدمات والخدمات اللوجيستية تعتبر مصدر ثروة 77 و50 و26 مليارديرا على التوالي. 7. تشغل صناعة الأزياء المركز الثاني من حيث مصادر الثروة، مما يشير لمدى نمو حجم قطاع اللذة في الحضارة الغربية الراهنة والحضارة العالمية ككل، وهو ما سوف يتأكد إذا أضفنا أن الإعلام والرياضة هما أيضا أحد مصادر الثروة المهمة بعدد 64 و 16 مليارديرا على الترتيب. 8. تشغل الصناعة المركز السادس كأحد مصادر الثروة، مما يشير إلى تراجع النمط الاقتصادي الرأسمالي التقليدي في المنظومة الاقتصادية العالمية. 9. سلاسل المحال التجارية وتجارة التجزئة تعد عنصرا هاما في مصادر الثروة. 10. السمة المميزة لكل هؤلاء المليارديرات هي انخراطهم في الأعمال الخيرية، ويشمل ذلك معظم إن لم يكن جميع أفراد القائمة، مما يشير إلى تجذر فكرة العمل الاجتماعي العام لدى الأفراد، وإن كنا نجد على الجانب الآخر سمة أخرى هي الولع بالهوايات، التي قد تصل لحد إنفاق الملايين عليها. فمثلا، نجد أن لاري إليسون – رقم 6 في القائمة – أنفق 100 مليون دولار في سعيه للحصول علي كأس أمريكا في سباقات اليخوت. 11. اذا نظرنا لرؤية هؤلاء الأفراد لكيفية علاج المنظومات الاقتصادية المحلية والعالمية، نجد أن الفكرة المسيطرة هي مزيد من الخصخصة ونزع سلطة الدولة من الاقتصاد. فكارلوس سليم الحلو مثلا يرى حل الأزمة الاقتصادية الأسبانية في فرض رسوم على الطرق السريعة المجانية ومن ثم بيعها للقطاع الخاص، وعدم اللجوء لسياسات التقشف، وصرف عوائد البيع في التصدي لمشكلات البطالة. 12. هناك أيضا زيادة في ثروات أفراد القائمة العربية تبلغ 3%، وهو ما يفوق المعدل العالمي، وتحصد مصر المركز الثاني في عدد المليارديرات بسبعة مليارديرات في القائمة العربية، وإذا أضفنا لذلك أن نسبة 40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، يتبين مدى سوء التوزيع وانعدام العدالة الاجتماعية في مصر. 13. نجد أيضا غياب الصناعة كأحد مصادر الثروة في القائمة العربية، بينما نشهد توسعا للاستثمارات والاتصالات والمصارف والانشاءات كمصادر للثروة في المنطقة العربية. 14. كذلك تتركز أموال وأصول العديد من أثرياء العرب في الخارج. فالوليد بن طلال، مثلا، الذي يتربع على عرش أثرياء العرب، تأتي معظم ثروته من امتلاكه حصه 95% في شركة المملكة القابضة، والتي تمتلك أسهما في شركات أجنبية مثل «آبل» و«سيتي جروب» و«إي باي» و«فورسيزون» ومؤخرا «تويتر». كذلك الأمر مع محمد العمودي – الثالث في القائمة العربية- الذي بدأ استثماراته في السويد، ويستثمر في الزراعة بإثيوبيا ويملك مصافي تكرير في السويد وحقول نفطية بحرية بغرب أفريقيا، كما تتركز ثروة جوزيف صفرا – الثاني في القائمة العربية- في البرازيل، حيث يعيش ويملك الجنسية، كما أن محمد بن عيسى – الرابع في القائمة العربية- يملك سلسلة فنادق في أوروبا ومصر، وكذلك زياد المناصر– الثامن عشر في القائمة العربية– تتركز معظم أمواله في روسيا، وهو أمر يشير إلى أن الثروات العربية تستثمر في الخارج، ولا تستفيد منها الأوطان العربية شيئا. 15- تلقى العديد من هؤلاء الأثرياء– خاصة صغار السن منهم– تعليمهم في الخارج، فنجد مثلا سعد الحريري (جامعة جورجتاون) وياسين منصور (جامعة جورج واشنطن) وغيرهم كذلك، مما يشير إلى أن تباعد هؤلاء عن الاوطان لا يقتصر على اسثتماراتهم، بل وأيضا فكرهم وتوجهاتهم.