يعتبر «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، هو الذراع البحثي وخزان التفكير الرئيسي للوبي الصهيوني في واشنطن، خاصة «لجنة الشؤون الأمريكية الإسرائيلية العامة» المعروفة اختصارا ب(ايپاك). وقد قام بجهود كبيرة في صياغة جزء هام من سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ انتخاب بيل كلينتن لرئاسة الولاياتالمتحدة، في كل ما يخص الشرق الأوسط وفقا للمصالح الإسرائيلية، والرؤية الصهيونية للوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة. فيما يلي مختصر لحوار بين خبراء المعهد الذين عادوا مؤخرا من زيارات للمنطقة العربية لتقييم الأوضاع في أعقاب الثورات العربية. ================================================== «في 27 آذار 2012، خاطب روبرت ساتلوف، أندرو جيه. تابلر وسايمون هندرسون منتدى سياسي في معهد واشنطن. ود.ساتلوف هو المدير التنفيذي للمعهد ورئيس كرسي هوارد بي. بيركوفيتز حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد عاد لتوه من «إسرائيل» والأردن، والسيد تابلر هو زميل الجيل التالي في المعهد، وقد سافر مؤخراً إلى لبنان وتركيا، والسيد هندرسون هو زميل بيكر في المعهد، ومدير برنامج سياسات الخليج والطاقة، وقد عاد لتوه من البحرين. وفيما يلي ملخّص المقرِّرة لملاحظاتهم.» روبرت ساتلوف للمرة الأولى منذ عقود يتعرّض الميثاق الذي حافظ على الاستقرار في المملكة الأردنية الهاشمية لضغط شديد، فعلى أحد أطراف الطيف هناك عناصر متنفِّذة داخل قاعدة الدعم التقليدية للنظام، قبائل الضفة الشرقية، تحتج على ما تتصوّره من لامبالاة عمان تجاه ضوائقها الاقتصادية الشديدة، وما تتصوّره من تفضيل عمان للمصالح الاقتصادية للفلسطينيين وتساهلها المتصور مع الفساد. وفي الطرف الآخر من الطيف ثمة تطور خطير ل»الإخوان المسلمين» الأردنيين، وفي العادة كانت ل»الجماعة» علاقة متناقضة مع الحكومة، أمّا حالياً فإنّ المتعاونين من جيل قادة «الإخوان المسلمين» في الضفة الشرقية هم في انخفاض في ظل صعود جناح «حماس» الفلسطيني الأكثر تطرفاً، والذي يمتطي الاتجاه السائد في المنطقة. على أنّ كلا التطورين، السخط بين أهل الضفة الشرقية التقليديين والمطالب المتزايدة بالتمثيل السياسي من قبل «الإخوان المسلمين» الذين أصبحوا أكثر جرأة، إنّما يشكّلان تحدياً خطيراً للنظام، وخاصة في وقت لا تبدو فيه فرص الأردن الاقتصادية مشرقة. ومشكلة الضفة الشرقية حقيقية وخطيرة، ولكن يمكن حلها بالموارد والمرونة، ومع ذلك، ربما تكون مشكلة «الإخوان المسلمين» أبعد من قدرة النظام على السيطرة عليها لكونها تتغذّى على أحداث إقليمية مثل ما ظهر من نجاح «الإخوان» في مصر والأسلمة المحتملة للمعارضة السياسية لحكم بشار الأسد في سوريا. وحالياً تتمثّل إستراتيجية الحكومة بدمج الذراع السياسي ل»الإخوان المسلمين» «جبهة العمل الإسلامي»، مع النظام السياسي بأسرع ما يمكن، وإجراء انتخابات بناءً على قانون انتخابات معدّل في غضون أشهر. غير أنّ «الإخوان المسلمين» ربما يقررون إبطاء هذه العملية شاعرين بأنّ الريح التي تهبّ عليهم من سوريا ربّما تعطيهم ثقلاً أكبر بمرور الوقت، وفي هذه الحالة ربما تجد «الجماعة» نفسها في موقف أقوى للضغط على النظام والمطالبة بتمثيل أكبر، وحتى كسب الهيمنة في البرلمان. ويواجه الأردن أيضاً السؤال الصعب حول ما إذا كان سيلعب دوراً نشطاً كمنصة لدعم المعارضة السورية. وعلى الرغم من أنّ الملك عبد الله قد تحدّث صراحة وبشجاعة ضد الأسد في وقت مبكر من الأزمة إلاّ أنّ الأردن ليست متلهّفة لكسب غضب الأسد بوضع نفسها مباشرة في معركة ضده، خاصة وأنّها تخشى من أن يزيد خليفته الإسلامي الضغط على عمان. ومع ذلك، فإنّ الحوافز الخارجية المربحة يمكن أن تقنع الأردن عكس ذلك، وخاصة نظراً لوضعها الاقتصادي السيء. وفي «إسرائيل» لا يسع المرء إلاّ أن يشعر بالتأثر بحرفية ورزانة النقاش على أعلى المستويات السياسية فيما يخص حكمة العمل العسكري الوقائي ضد البرنامج النووي الإيراني، ولا تتعلق هذه المناقشة بالإمكانيات فحسب، بل تركّز على الاتصال بين العمل العسكري الممكن والهدف الإستراتيجي النهائي وهو إقناع إيران بأنّ تكلفة الإصرار على مساعيها النووية عالية جداً من أن تستطيع تحملها. وفي هذا الصدد، هناك اعتراف واسع بأنّه أيّاً ما تقرر «إسرائيل» القيام به من جانبها فلن يتم إنجاز الهدف النهائي دون تعاون وشراكة دول أخرى، وخاصة الولاياتالمتحدة. وفي الوقت نفسه، ثمة قلق وغضب كبيرين من التسربات من واشنطن بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي بدا أنّها تتناقض مع رسالة الرئيس أوباما، وأنّ الغرض منها من وجهة نظر الإسرائيليين هو تقييد حريتهم في التصرف. وعلى نحو أعمّ تؤكد زيارة المنطقة أهمية وتيرة التغيير في سوريا، وليس فقط حقيقة التغيير النهائي، فهذه العملية البطيئة الطاحنة تزيد من احتمالية ظهور معارضة ذات صبغة سلفية في سوريا من شأنها أن تصطبغ بالانقسامات الطائفية وهو الموقف الذي ستكون فيه العناصر العسكرية القابضة حالياً على السلطة، والتي تتحكم في مخزون النظام من الأسلحة الكيماوية، أقل ميلاً إلى قبوله. وتعتبر هذه المحصلة لعنة على المصالح الأمريكية وحلفائها الإقليميين المعتدلين. وللدفع بتغيير سريع يجب على واشنطن العمل بقوة أكبر لتعميق الانقسامات بين عائلة الأسد وعشيرته وجيشه ومناصري النظام، وأن تغرس بذور الانشقاق بينهم، على أنّ إمكانيات حرب المعلومات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف لم تُستغل بعد بشكل كامل. أندرو جيه. تابلر في بعض النواحي لا تزال السياسة الأمريكية على خلاف مع الوضع على الأرض في سوريا. أولاً، يوجد توتر هائل بين المعارضة الداخلية و»المجلس الوطني السوري» الذي يتّخذ من تركيا مقراً له، كما أنّ سياسة واشنطن في التعاطي مع هذا «المجلس» فقط إنّما تتجاهل بذلك المعارضة ككل. ولا تعتقد شخصيات المعارضة داخل سوريا أنّ «المجلس الوطني السوري» يمثّل مصالحها بل إنّ أعضاء محددين في «المجلس» يشكون من الطبيعة السرية المزعومة التي يرونها في التنظيم، وتستكشف واشنطن الآن خياراتها مع جميع أطياف المعارضة بما يحقق مصالحها. ثانياً، إنّ سياسة واشنطن الحازمة ضد التحدث مع «الجيش السوري الحر» قد حوّلت هذه الجماعة المهمة إلى لغز سياسي. ويتألف «الجيش السوري الحر» من منشقين عن الجيش السوري، الذين إمّا بقوا في البلاد أو عبروا الحدود إلى تركيا، بالإضافة إلى نشطاء مسلحين محليين يدافعون عن المتظاهرين. وتحتاج كل من فروع المعارضة المدنية والمسلحة إلى أسلحة، وتؤمن أنّ التدخل الدولي ليس آتياً وأنّ المزج بين المقاومة المدنية والمسلحة هو فقط باستطاعته إسقاط الأسد. وفي الصيف الماضي شدد المسؤولون الأتراك على الحاجة إلى قرار يصدره مجلس الأمن كشرط أساسي للتدخل. وتطالب أنقرة اليوم بتحالف دولي، والأهم من ذلك ب»أغلبية الشعب السوري» قبل أن تتخذ تصرفاً (من غير الواضح بالضبط كيف سيتم قياس العنصر الأخير). وتخشى تركيا من أنّ الأسد المتلكئ والغاضب ربما يأذن لأعضاء «حزب العمال الكردستاني» بعبور الحدود، وربما تصبح خطط العمل التركية المحتملة أكثر وضوحاً بعد اجتماع «أصدقاء سوريا» في 1 نيسان في إسطنبول. وتوضح تفاصيل الفظائع في باب عمرو، كما استقتها شخصيات من المعارضة السورية المدنية والمسلحة في لبنان، أنّ الأسد لن يتنحّى دون حدوث تغييرات في السياسة الأمريكية، فالعقوبات والدبلوماسية وحدها هي غير ناجحة، وأفضل طريقة للضغط على الأسد هي دعم كل من «المجلس الوطني السوري» والمعارضة الداخلية. وبالقيام بذلك، فمن المرجح أن يكون لزاماً على الولاياتالمتحدة دعم جماعات مختلفة في ساحات حمص ودرعا وإدلب، ف»المجالس الثورية» تستأثر بالسلطة في حمص، بينما العائلات المتنفّذة مهمة في درعا. ومع ذلك، فإنّ إدلب منطقة فقيرة ومحافظة، حيث يوجد فيها شيخاً سلفياً واحداً على الأقل يقود قوة تتكوّن من حوالي ألف رجل مسلح، ومثل هذه الجماعات الأصولية الممولة خليجياً لا تشاطر أهداف السياسة الأمريكية البعيدة المدى، وعليه ينبغي على واشنطن أن تبدأ في استكشاف الخيارات الأخرى في تلك المنطقة. وبالطبع من المرجح أن يلجأ الجيران الأصدقاء للنظام السوري، إيران و»حزب الله» على وجه الخصوص، إلى استغلال الديناميات الداخلية، كما أنّ العراق واقع أيضاً تحت نفوذ إيراني متزايد، وحدوده غير المراقبة مع سوريا يمكن أن تسمح للمزيد من الجماعات المسلحة باختراقه. ومع ذلك، من المستبعد حدوث انخراط كبير من قبل تشكيلات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» أو مقاتلي «حزب الله»، فضلاً عن المستشارين، قبل الدخول في المرحلة الأخيرة من الصراع. ومرة أخرى فإنّ التكتيك الأكثر فعالية ضد نظام الأسد هو الجمع بين المقاومة المدنية والأخرى المسلحة. وطبيعة دعم واشنطن، سواء أكان تسليحياً أو غير تسليحي، إنّما تعتمد على الأهداف الأمريكية وما يحدث على الأرض، وبمساعدة واشنطن يمكن للمعارضة السورية أن تجبر أعضاء النظام على الاختيار بين البقاء في قطار الأسد أو القفز منه، وفي غضون ستة أشهر ستصبح سوريا أسوأ اقتصادياً بشكل أكبر بكثير، ولن يجد النظام ما يكفي من المال لتمويل قواته المسلحة وكوادر استخباراته العسكرية. وعلى أيّ حال، إنّ التسوية بين نظام الأقلية الذي لا يمكنه القيام بإصلاحات وبين المعارضة الصغيرة التي هي بالضرورة «بلا قائد» هي تسوية مستبعدة. سايمون هندرسون منذ شباط 2011 بدأت البحرين تمر بتجربتها في «الربيع العربي»، ومع ذلك، فبخلاف ما يحدث في دول أخرى فإنّ مشاكل الجزيرة قد أصبحت بشكل متزايد ساحة لصراع سياسي بين السعودية وإيران، وربما أيضاً للعداء القائم منذ قرون بين السنة والشيعة. وفي منتصف آذار 2011، أصبح الموقف فوضوياً جداً بحيث تم نشر القوات السعودية في الجزيرة. ومن جانبها هدمت السلطات البحرينية النصب التذكاري «دوار اللؤلؤة» الذي حدثت فيه أكبر الاحتجاجات كما حوّلت الدائرة المرورية المحيطة بالدوار إلى «مفترق الفاروق»، على اسم شخصية سنية مشهورة. ولطالما عانى السكان الشيعة الذين يمثّلون الأغلبية في البحرين من حرمان سياسي واجتماعي واقتصادي دائم، ومن وجهة نظرهم تقلّص النصيب الشيعي من الكعكة الوطنية عبر السنين، بينما ازدادت عائلة آل خليفة الحاكمة ثراءً، وهذا هو جوهر الأزمة السياسية المستمرة على الرغم من أنّ عوامل أخرى قد زادت الطين بلة. وتكمن المعضلة بالنسبة للولايات المتحدة في وضع البحرين باعتبارها حليفاً مهماً، فمقر الأسطول البحري الأمريكي الخامس موجود في ضواحي العاصمة، وهو عنصر حاسم في الحفاظ على التوازن الإستراتيجي في الخليج ومنع تعطيلات إمدادات الطاقة التي يمكن أن تهدد الاقتصاد العالمي. إنّ إحدى القضايا الملحة هي «بطولة جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج - سباق فورميولا وان»، التي تم إلغاؤها العام الماضي بسبب الاحتجاجات، لكن تقرر الآن إجراؤها في الفترة بين 20-22 نيسان. وفي الحقيقة، لو تم إقامة السباق فإنّه سيكون علامة على قيام استقرار سياسي أكبر وحدوث انتعاش اقتصادي، غير أنّ البعض من المعارضة عازمون على إيقافه، بل الأسوأ من ذلك أنّ الصراعات الداخلية بين آل خليفة يمكن أن تعني أنّ بعض أعضاء العائلة المالكة قد يريدون في الواقع إلغاء السباق، وذلك لإحراج أقاربهم الذين ترتبط هيبتهم ونفوذهم بذلك السباق. (أعدّ الملخص كاتي كيرالي - معهد واشنطن)