في السنوات الأخيرة بل في الأسابيع الماضية، يستمر تصاعد أسعار الطاقة غير المتجددة في السوق العالمي، (خاصة الوقود الأحفوري كالنفط ومشتقاته والغاز الطبيعي)، كما لم تفعل من قبل في ظل زيادة الطلب العالمي عليهما وتراجع الاكتشافات الجديدة وضعف نمو الاحتياطات العالمية المؤكدة، إضافة إلى المخاطر "الجيوسياسية" التي تهدد سلامة إمداداته من أهم أقاليم إنتاجه بمنطقة الخليج العربي إلى أسواق المستهلكين في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. كذلك، يتنامى وعي المستهلكين بخطورة ما أحدثه حرق الوقود الأحفوري من تلوث الهواء والبيئة إجمالاً وتراكم غازات الاحتباس الحراري داخل الغلاف الجوي للأرض، وما نجم عنها من احترار كوني وتغيرات مناخية وبيئية وتصحر وجفاف وفيضانات وأوبئة وكوارث اقتصادية وعمرانية أخرى. دفع كل ذلك إلى اهتمام حثيث بالبحث عن مصادر متجددة لطاقة نظيفة وصديقة للبيئة؛ فتوجهت الأنظار والأفكار والجهود إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج والهيدروجين والوقود الحيوي. ستتناول هذه المراجعة تقنية جديدة لتحويل زيت الصويا والغلوكوز إلى هيدروجين لإنتاج الوقود. فقد ابتكر فريق من علماء جامعة مينيسوتا الأميركية "عملية تطاير (تبخر سريع) ضوئي تفاعلي" تقوم بتسخين الزيت والسكر وصولا لإنتاج غاز الهيدروجين وأول أكسيد الكربون، وهو خليط من غاز مخلق، يسمى اختصارا (syngas) أي الغاز التوليفي؛ ويستخدم هذا الغاز في صنع مواد كيماويات ووقود، بما في ذلك الغازولين (البنزين). تمثل العملية المبتكرة تقنية جديدة تعمل بسرعات تتراوح بين 10 إلى 100 ضعف لسرعة التقنية الراهنة، ويمكن أن تحسن على نحو كبير كفاءة إنتاج الوقود من مصادر طاقة متجددة. قاد الفريق الدكتورة لاني شميت، أستاذ الهندسة الكيميائية وعلوم المواد بجامعة مينيسوتا؛ وضم ثلاثة من الباحثين المرشحين للدكتوراة هم جيمس سالج، برادي دراير، وبول داونهاور. قام الباحثون بإنتاج رطل واحد (450 غراما) من الغاز المخلق في يوم واحد باستخدام مفاعل كيميائي صغير الحجم في مختبرات الجامعة. تجاوز الوقود الحيوي تقول الدكتورة شميت أن التقنية الجديدة تمثل طريقة في استخدام كتلة حيوية رخيصة أو لا قيمة لها لتحويلها إلى وقود وكيماويات مفيدة. يمكن للكتلة الحيوية المستخدمة أن تكون زيت الطبخ، أو منتجات من روث (سماد) البقر، أو مهملات وأعشاب الحديقة، أو سيقان الذرة والأشجار أو قش الأرز. أحد أنواع الوقود القادمة هو البيوديزل أو الديزل الحيوي، الذي ينتج من زيت الصويا. وفي الوقت الراهن، تقتضي الخطوة الرئيسية في التقنية التقليدية لتحويل زيت الصويا إلى بيوديزل إضافة كحول الميثانول، وهو وقود أحفوري أيضاً كالفحم والبترول. بيد أن التقنية الجديدة تقفز أو تتجاوز خطوة البيوديزل، بل تحول الزيت مباشرة إلى غازات هيدروجين وأول أكسيد الكربون، وذلك بتسخين الزيت نحو مستوى 1000 درجة مئوية. وهكذا، يتحول حوالي 70 بالمائة من الهيدروجين الموجود في الزيت إلى غاز هيدروجين. تكسير الروابط حراريا وبنفس الطريقة، وباستخدام محلول مشبع تقريبا بالغلوكوز المذاب في الماء، تم تسخين المحلول، وفقا لعملية التطاير الضوئي التفاعلي، بسرعة شديدة إلى درجة تفكيكه وتحويله إلى غاز مخلق، وليس إلى مكوناته الأصلية المعتادة: الكربون والماء. وكانت صعوبة تحويل المادة النباتية إلى وقود قابل للاستعمال هي في تكسير الروابط الكيميائية التي تقيد ذرات العناصر الكيميائية إلى بعضها البعض لتكوين جزيئات سليلوز، وهو المادة التي تعطي لجدران الخلايا صلابتها، وذلك من أجل تحرير السكريات البسيطة التي يمكن تخميرها إلى ميثانول أو تحويلها إلى أنواع وقود أخرى. وهذا يتطلب إنزيمات خاصة ووقت كثير. لكن الحرارة العالية للتقنية الجديدة تكسر الروابط الكيميائية بيسر، مما يعني أن السليلوز والمواد النباتية المماثلة يمكن استخدامها كمخزون لتغذية العملية. أول طائرة بخلية وقود هيدروجين مضغوط وكان فريق بحث من جامعة جورجيا تك بمدينة أتلانتا قد نجح بالفعل في إطلاق أول مركبة جوية كبيرة الحجم، تطير بدون طيار، وتستمد الطاقة اللازمة من خلية وقود الهيدروجين المضغوط، وهي نفس التقنية التي تم تطويرها للاستخدام في سيارات الطاقة الهجينة. بلغت كمية الطاقة المولدة من خلية وقود الطائرة 500 وات، ما أتاح للطائرة التي يبلغ مدى جناحها 7 أمتار تقريبا أن تطير لمدة دقيقة واحدة فقط. لكن التجربة أظهرت إمكانية واعدة، وسيمكن للطائرة في المستقبل أن تطير أطول من ذلك، بعد إجراء مزيد من التنقيح والتطوير. يعتقد الباحثون أن التحدي الأساسي أمام فريق البحث لإطالة مدى الطيران هو زيادة مخزون الطائرة من الهيدروجين. كذلك، هم يتطلعون إلى تحسين قدرة الطائرة بحيث تتمكن من عبور المحيط الأطلسي في المستقبل. هيدروجين مضغوط يقود مشروع الطائرة ديفيد باريك نائب مدير معهد الأبحاث ومؤسس مركز تقنيات خلية الوقود والبطاريات المبتكرة بالجامعة. وهو يسعى لتطوير مركبات تقفز بتقنية خلية الوقود قدما، وتجتذب اهتمام الصناعة. يعتقد باريك أن استخدام خلية الوقود في إطلاق طائرة إلى الجو هو أكثر إقناعا، للصناعة والجمهور، من مجرد تجربة في مختبر، أو حتى منظومة خلية وقود لإمداد منزل بالطاقة. وكانت تجارب سابقة قد نجحت في إطلاق طائرات تعمل بخلية الوقود، لكنها كانت طائرات صغيرة تطير بواسطة التحكم عن بعد أو كانت تستخدم وقود الهيدروجين السائل. لكن في هذه التجربة، كانت الطائرة أكبر، واستخدم الهيدروجين المضغوط لإمدادها بالطاقة. لا يتطلب الهيدروجين المضغوط أي تبريد وهو أخف وزنا من الهيدروجين السائل. طاقة نظيفة تفضل شركات صناعة السيارات استخدام الهيدروجين المضغوط في خلية وقود السيارات الهجينة، لأنه أرخص وأسهل في العمل من الهيدروجين السائل. اكتسبت تقنية خلية وقود الهيدروجين اهتماما كبيرا مؤخرا في أوساط الصناعة والمستخدمين، نظرا لقدرتها على أن تحل محل الوقود الحفري (النفط والفحم). وهذه التقنية النظيفة لا تطلق أي عادم أو أبخرة سوى بخار الماء. بيد أن كثافة الطاقة الناجمة عن الهيدروجين المضغوط تعادل عُشر طاقة البنزين أو وقود الطائرات فقط. وهذا ما يحتم إجراء المزيد من الأبحاث والتجارب قبل أن تصبح تقنية خلية الوقود بديلا حقيقيا وحيويا لطاقة الوقود الأحفوري.